شيخ الأزهر: لا يكلف الله الإنسان من الأوامر إلا القدر الذي يستطيع الوفاء به
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف: إن القرآن الكريم به آيات كثيرة نستدل بها على وسطية الإسلام ويسر شريعته، وتعلمنا أن الله لا يكلف الإنسان من الأوامر إلا القدر الذي يستطيع الوفاء به، وتتسع له قواه وطاقته ووقته، وأنه -تعالى- لا يكلفه ما يعجز عنه أو يحمله على الانقطاع وعدم الاستمرار، مضيفا وقد وجدنا في الحكمة النبوية ما يؤكد على أن العمل القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، بل وجدنا نهيا صريحا عن المغالاة في التدين وفي العبادة، كما وجدنا فيها ذما واضحا للتنطع والتشدد في الدين والتوقف عند الظواهر والأشكال.
وأضاف فضيلته خلال الحلقة الخامسة عشر من برنامجه الرمضاني: "الإمام الطيب"، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد دعا على المتشددين بالهلاك فقال: "هلك المتنطعون"، (قالها ثلاث مرات)، وأن التاريخ يشهد أن هؤلاء المتشددين لا يظهرون إلا ريثما يهلكون، وقد عنف النبي -صلى الله عليه وسلم- الإمام الذي أطال الصلاة بالناس، وقال له: "يا معـاذ! لا تكن فتـانـا؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر"، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يسرع في صلاته إذا سمع بكاء الأطفال، ويقول: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبى فأتجوز في صلاتي؛ مما أعلم من شـدة وجد أمه من بكائه".
وأوضح فضيلة الإمام الأكبر، أن يسر التكاليف فى الإسلام بلغ أن الاقتصار على أداء الفرائض فقط يكفي في تحصيل السعادة في الدنيا والآخرة، كما في حالة الرجل الذي وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالالتزام بأداء الفروض فقط دون زيادة عليها أو نقصان، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه: "أفلح إن صدق"، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم-:"ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له:ادخل بسلام".
وأشار فضيلته إلى أن فلسفة "الأمر" في التشريع الإسلامي، في هذا الإطار، تتعارض كليا مع محاولات: "التنميط" التي تروجها المذهبيات المنتشرة على الساحة الآن، وتحاصر بها حياة المسلم، وتمثل في الوقت نفسه انحرافا في فهم الإسلام وعرضا منفرا رديئا لشرائعه وأحكامه، موضحا أن جمهور العلماء من الأصوليين والنظار ذهب إلى أن مجرد النهي يدل على "التحريم"، استنادا لقوله -تعالى!-: {وما نهاكم عنه فانتهوا}، [الحشر: 7]، كما ذهب كثير منهم إلى أن مطلق النهي لا يفيد التحريم، بل يفيد "الكراهة" أو "التنزيه" الذي يقابل التحريم، وأنه يحتاج في الدلالة على التحريم إلى دليل مصاحب يتعين معه قصد التحريم، مشيرا إلى أن هناك رأي ثالث يقول: إن "النهي" يظل موقوفا لا دلالة فيه على تحريم أو كراهة إلا بانضمام دليل آخر، يحدد قصد التحريم أو قصد الكراهة.
وبين فضيلته أنه تأسيسا على التفسير التعددى لمفهوم "النهي" يقرر الأصوليون أن صيغة النهى ترد للتحريم، مثل قوله تعالى في كثير من المواضع: {ولا تقربوا الزنا}، [الإسراء: 32]، {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الأنعام151]، {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152]، {ولا تمش في الأرض مرحا} [الإسراء: 37]؛ كما ترد للكراهة في مواضع أخرى في قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة267]؛ بل تخرج الدلالة إلى معان أخرى بعيدة؛ كالإرشـاد في قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]؛ وبيان العاقبة: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42]، مشيرا إلى أن ما يلفت النظر فى باب "النهي" هو تقليل "المحرمات" في الإسلام؛ لأن صيغ "النهي" الواردة في الشريعة -على قلتها- لا تستلزم "التحريم" بدلالة تلقائية، بل منها ما يستلزم التحريم، ومنها ما لا يستلزمه، وهذا ما تقرره القاعـدة العامة في التشريع من أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن تحريم أي شيء من الأشياء لا بد فيه من دليل قاطع يفيد التحريم فائدة صريحة، ويلزم على ذلك -ضرورة- انحصار الأشياء الممنوعة في الإسلام في عدد قليل جـدا، وقد جاءت نصوص القرآن مؤيدة لهذا المنحى في التشريع.
وأكد فضيلته أن سوء الفهم لمباحث "الأمر" في التشريع الإسلامي كان سببا في مزايدات الآراء والفتاوى المتشددة، وعرض أحكام الشريعة عرضا مدلسا مغشوشا، كذلك لعب الجهل بمباحث "النهي" دورا خطيرا في تحويل الإسلام إلى قائمة من الممنوعـات، تحرم على الناس ما أحله الله لهم، موضحا أن المبشرين بهذه المذاهب المشوهة لو فطنوا لأنظار العلماء فى باب الأمر والنهي فى التراث الأصولى؛ لأدركوا أنهم يبشرون بإسلام غريب شكلا وموضوعا على إسلام القرآن والسنة وإجماع المسلمين.
يذكر أن برنامج «الإمام الطيب» يذاع للعام الخامس عبر قنوات مصرية وعربية، وقد أطلق البرنامج في رمضان 2016م، ويتناول البرنامج في عامه الحالي خصائص الدين الإسلامي، ووسطية الإسلام ومظاهرها، وقواعد التكليفات الشرعية، ويسر الشريعة، ومصادر التشريع، والرد على الشبهات حول السنة النبوية والتراث.