عاجل
الخميس 10 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. محمد سعد يكتب: "وثيقة الأخوة الإنسانية" كامتداد لصحيفة المدينة المنورة

دكتور محمد سعد
دكتور محمد سعد

انطلاقًا من قول المعصوم - صلى الله عليه وسلم -، وتنزيلًا لسُنَّته المشرَّفة وتصرُّفاته النبوية في واقعنا المعاصر، أتت هذه الوثيقة استلهامًا من روح صحيفة المدينة، وهي أول محاولة بشرية نبوية جمعت أهل الأديان السماوية من خلال جوهرها التسامحي والتعايشي، جاءت وثيقة الأخوة الإنسانية لتؤسس عددًا من المبادئ بلغة راقية.



 

منها أن النفس البشرية الطاهرة التي حرم الله إزهاقها، وأخبر أنه من جنى على نفس واحدة فكأنه جنى على البشرية جمعاء، ومن أحيا نفسًا واحدةً فكأنما أحيا الناس جميعًا  فالإسلام يحافظ على حرمة الجنس البشري وضرورة المساواة، فقد جاء القرآن الكريم متحدثًا عن تكريم بني آدم – كبشر- دون أن يكون له أي مخصصات أخرى.

 قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ( الإسراء: 70)

     فالشرائع السماوية كلها جاءت بالصدق والعدل في جملتها وتفصيلها، وكلها يصدق بعضها بعضًا، ولكن هذا التصديق ضربان: الأول: تصديق القديم مع الإذن ببقائه واستمراره، والثاني: تصديق له مع إبقائه في حدود ظروفه الماضية، ذلك أن الشرائع السماوية تحتوي على نوعين من التشريعات: (تشريعات خالدة) لا تتبدل بتبدل الأصقاع والأوضاع (كالوصايا التسع) ونحوها، فإذا فرض أن أهل شريعة سابقة تناسوا هذا الضرب من التشريع، جاءت الشريعة اللاحقة بمثله، أي أعادت مضمونه تذكيرًا، وتأكيدًا له، كالتجديد لما سبقها.

وتشريعات موقوتة بآجال طويلة أو قصيرة، فهذه تنتهي بانتهاء وقتها، وتجيء الشِّرعة التالية بما هو أوفق بالأوضاع الناشئة الطارئة، وهذا – والله أعلم – هو تأويل قوله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  

فالإسلام يقر مبدأ تعدد الشرائع عبر التاريخ، قال - تعالى -: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ، مع وحدة الدِّين: قال - تعالى -: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ، والإيمان بكل الرسل: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ 

فالأنبياء إخوة شرائعهم شتى ودينهم واحد، فقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ: دِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى.... الحديث.

وكذا يقرُّ الإسلام بالاختلافات القومية، والعرقية، والفكرية، والدينية، والعقدية، فالناس مختلفون في الأديان والأفكار والأيدولوجيات والتصورات؛ لأنه قرر أن الاختلاف سنة كونية يجب احترامها، فالله جل شأنه يقول: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ 

يأتي ذلك من خلال معاملة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكتاب، يهودًا كانوا أو نصارى، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يزورهم ويكرمهم ويحسن إليهم، ويعود مرضاهم، ويأخذ منهم ويعطيهم. 

فعلينا أن نؤمن لنعلم الأجيال الجديدة أن قيمة المحبة التي هي شعار المسيحية يقابلها في الإسلام قيمة الرحمة، والمحبة والرحمة وجهان لعملة واحدة.   إننا نؤمن – بوصفنا أتباع نبي الله إبراهيم – أن البشر خلقوا ليتشاركو معًا الحب والمودة والسلام والرحمة والأمانة والإخلاص.

ولما سبق نؤكد أن وثيقة الأخوة الإنسانية تمثل بحق دستورًا إنسانيًّا وأخلاقيًّا، يستند إلى أسس مشتركة، حيث إن جوامع الأديان تلتقي على حفظ العقل والنسل والمال والحياة الإنسانية، الأمر الذي يعكس مدى التوافق بين أصحاب الديانات في المثل التي تدعو إليها، وهو الأمر الذي يجعل لهذه الوثيقة من القوة والقبول لدى أتباع الديانات على اختلاف مشاربهم.

  د. محمد سعد عضو هيئة تدريس جامعة الأزهر

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز