عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
 حماية الصحافة الورقية مهمة قوميَة

الصحافة الورقية قضيتى.. لماذا 10

حماية الصحافة الورقية مهمة قوميَة

 أختتم سلسلة مقالاتى عن قضية تخص مهنتى فى المقام الأول كصحفية أنتمى إليها وفخورة بها، وثانيًا من دافع موقعى كعضو فى الهيئة الوطنية للصحافة التي تدير المؤسسات القومية إحدى ركائز أعمدة الدولة، وقد حاولت قدر الإمكان دمج مراحل مرت بها المهنة وانعكست على الأداء الصحفى لتحديد المسؤول عن زوبعة «الصحافة الورقية تتراجع وتندثر» وهى المقولة التي لم تُطلق فى أى من بقاع العالم سوى مصر لأهداف أشخاص وجماعات وتيارات تم ذكرهم سلفًا، وفى هذه الحلقة العاشرة والأخيرة لا يفوتنى استكمال التشخيص للتمكين اليسارى ثم إعلاء الدولة لما جاء بالدستور فى شأن الصحافة والذي خصص لها هيئات مستقلة تقوم على شأنها من حيث تطوير الإدارة والمحتوى التحريرى وهما متلازمان ولا يمكن قيام أحدهما دون الآخر، لأنتهى بوضع روشتة علاج تمثل ضرورة حتمية لإحياء المهنة ورقيًا وإليكترونيًا لتؤدى الصحافة ككل دورها والقومية منها بشكل خاص لأنهما دعائم أساسية من حسابات القوى الشاملة تندرج تحت القوى الناعمة التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولذلك فإن «المطبعة» التي تمثل الكلمة المطبوعة التي لا تُمحى فهى سجل شهادة للتاريخ والأحداث تقف بالتوازى مع «المدفع» الذي هو شعار الجيوش العسكرية، فإذا أراد العدو النيل من أى دولة ذات سيادة وحضارة فإنه يسعى لإضعاف وتفكيك «الجيش بكل فروعه والإعلام بكل وسائله بادئ بأعرق ما فيهما» ولذا فإن البداية تكون الفرد العسكرى الذي سبق المعدة والصحافة الورقية أول وسيلة إعلامية، هذا يتطلب منا حماية ودعم الروح المعنوية ولا نخفض من أذرعها بل نستزيدها لأنها قوة أصيلة لا غنى عنها…



 

الديمقراطية العرجاء لليسار

وضّحت فى الحلقة السابقة كيف تسلل اليساريون فى جنبات مؤسسة الرئاسة المؤقتة لمدة عام، وكيف وسع المستشارون اليساريون، وهو التيار الذي كان له الغلبة فى ترتيب نفسه ولأول مرة يتدلى عنقوده المنفرط ليضم على بعضه فى أغرب تجميع لشتات اليسار فى بوتقة سياسية متشابكة لم يتمكن أحد من اختراقه وكأنهم وعوا درس إطاحة الإخوان بهم ليجربوا أنفسهم فى لعبة حمقاء مع الشعب ومؤسساته، كان العنقود يبدأ بهؤلاء المستشارين يليه النقابات والمؤسسات الثقافية وينتهى بأفراد التمكين…

 

 كان الأمر أشبه بسباق العدو مع الزمن والفرصة التي ربما لا تواتيهم مرة أخرى وهذا ما دعا أن يكون هذا الجمع اليسارى كله مستحضرًا نفسه وجعل من 30 يونيو 2013 النفير العام لوجوده لفرض نفسه على الساحة السياسية وارثًا مكانة الإخوان بديكتاتوريته وصلافته، ومن تكليف غير شريف أصدر المستشارون تحت إيحاء الأكثرية المصوتة فى الاتحادية توكيل أمر الصحافة إلى النقابة وكان هذا الخطأ الأكبر والفضيحة، لأن النقابة هى كيان «خدمى» لأرباب المهنة فى المقام الأول والمحامى المدافع عن حقوقهم فى المقام الثانى، فكيف لمن يكون الحكم بين رئاسة التحرير والإدارة والصحفى أن تكون هى صاحبة الاختيار لمن سيدير هذه المنظومة ويعين المسؤولين عنها … من هذه الإشكالية وجد اليسار نفسه أمام قضية شائكة لا بُد وأن يجد لها مخرجًا، فأسرعوا إلى تشكيل المجلس الأعلى للصحافة وهو منهم أيضا ولكنه الستار الحاجب بين الدور والتمكين، هذا المجلس مارس الديمقراطية بديكتاتورية ليس لها مثيل؛ حيث فرض أبناء وأرباب التيار على كل المؤسسات الصحفية ضاربًا برأى الجهات الرقابية ومتعديها عندما كانت تعترض على شخصية قاموا بترشيحها لمنصب ما، (إدارة أو تحرير) فكانوا لا ينظرون لها ويستحضرون من يريدون مهما كانت المساوئ. فعلوا هذا أيضًا مع الشكاوى التي كانت إحدى أدوات الهدم وإعاقة كل من يقوم بالبناء فى ذلك الوقت بواسطة تيارات هم اليساريون أنفسهم إحداها فكانت الشكاوى التي تخص من يتبعهم تحفظ أو يتم قطعها فى حين الاحتفاظ والتلويح بشكاوى ضد القلة التي لم تتبعهم وجاءت رغم محاولاتهم إبعادهم فكانوا يحتفظون بالشكاوى الكيدية عنهم والتي كانت تكتب بإيحاء منهم أو أذنابهم والأكثر يسوقونها للتخلص من الذين لا يتبعونهم ولم يتمكنوا من استبعادهم، علاوة على الكيل بمكيالين فى كل شيء ولأول مرة تكون النقابة والأعلى الذي يرأسهم يساريون حائط سد أمام عموم الصحفيين متعدين كل ما كانت حناجرهم تردده عن الشفافية وتكافؤ الفرص وغيرها من مبادئ «التقية اليسارية» هكذا كانوا من منتصف 2013 وحتى منتصف 2016، عندما قامت الدولة بتطبيق ما جاء فى الدستور لإنشاء هيئات مستقلة لإدارة المنظومة الإعلامية بكل وسائلها، ورحل اليساريون ومجلسهم الأعلى بعد أن مكّنوا من يريدون وسلموا لهم الراية ليديروا «خطة فيها لأخفيها» ومازالت لهم أذيال تلعب حتى الآن.

 

هيئة وطنية لإدارة الصحف القومية

 

جاء أول تشكيل للهيئة ولم يكن القانون المنظم لها قد وُضع بعد، وكان رأى الدولة أن يضع القانون الجوقة الصحفية الممثلة بالنواب وأيضا الهيئة  ومعهم من يترأس النقابة، وحقيقة آسفة على ما حدث من هؤلاء الذين تحكمت فيهم الأهواء الشخصية أكثر من الهوى المهنى الذي يصون الصحافة ومن يعمل بها، ولن ألوم التشكيل الأول والمبدئى للهيئة لأنه لم يكن فاعلًا لعدم تحديد الأداء والصلاحيات وهوما نتج عنه تجميد لكل الأعضاء تقريبا ماعدا رئيس الهيئة الذي كان يقوم بتسهيل عمل المؤسسات الصحفية بشكل اجتهادى غير محدد المعالم لعدم وجود قانون يوضح ويحدد العمل والأهداف، ولكن لا أنكر أن التشكيل الأول كان انتصارًا صحفيًا بمعنى إعلاء كلمة الدستور وإزاحة التيارات المنتفعة وتحديد دور الدولة الوطنية تجاه الصحافة ودورها وأهدافها…

 

 ربما نتوء التشكيل الأول دون حضرة القانون أنتج معوقات ليس لها مثيل فى تاريخ المهنة التي عندما تأتى لتطل برأسها فى تصحيح وضعها الذي داست عليه كل التيارات وطبق عليها كل الفلس المهنى بالمعنى الصريح لا تجد وطأة قدم، من هنا أجهز عليها بقانون دس فيه أنف الصحف الحزبية التي كان لها يد عليا فى من ترأس لجنة الإعلام بالنواب وقتها علاوة على من يمثل النقابة وهو عملة لوجهين ( يسارى - إخوانى ) حسب الطلب ثم رئيس الهيئة والذي يعتبر شخصًا أمام اثنين فالعدد يرجح الكفة…

 

 فى القانون لم تأت حسنة إلا واحدة هى العدد المحدد للتشكيل الجديد فيما عدا ذلك ثغرات بملء الجوف فى الصلاحيات والإمكانيات المالية التي يجب أن تتوفر للهيئة والبيروقراطية المجحفة لهيئة وصفها الدستور بالاستقلالية والأكثر هو إجحاف النقابة بعدد فى التشكيل مساوٍ لعدد ذى الخبرة والذي لا فرق بينهم ماليا وإداريًا فى أى شيء مما يسبب إهدارًا لقيمة الخبرة وإعاقة عملها، ثم المرشحين من النقابة مازالوا صحفيين يمارسون عملهم فى مؤسساتهم وهذا يخضعهم إلى استرضاء مرؤوسيهم والنقابة التي اختارتهم فى آن واحد، والمفروض أن النقابة والهيئة بينهما تعاون وتكامل وهذا لا يجوز معه تدخل مرشحين من طرفهم فى عمل الهيئة التي يجب أن يتسم أعضاؤها بالخبرة العالية والحيادية المتفق عليه فى الوسط الصحفى…

 

التشكيل الثانى للهيئة بين الحراك والفعالية

جاء التشكيل الثانى للهيئة الوطنية للصحافة فى ظل تحديات واضحة، أولها الإرث الذي تركه التشكيل الأول الذي تأثر بوجهات النظر التي تقول علينا بتشييع المهنة إلى مثواها الأخير،  فالمحتوى التحريري ضعيف والإدارة مترهلة غير قادرة على إدارة أصولها، والغزو الإليكترونى يعدو بقوة عبر  ما أطلق عليه أن كل الناس صحفيون قادرون للوصول إلى الخبر والمعلومة فلماذا يذهبون لشراء الجرايد والمجلات والأحداث طازة على عينك ياتاجر دون بذل مجهود أو نقود،  وأن الإعلام المرئي أمره غالب فهو يطل عليك وأنت فى بيتك وينتع مذيع التوك شو بالساعات دون كلل وأنت تشاهد حتى تمل، فما جدوى القراءة والصناعة الورقية من الأساس ؟ فلنضعها فى نعش وندفنها ونأتى بالإليكترونى يحل محلها عبر بوابات تتبع المؤسسات التي نستبقيها وستكون ثلاثًا فقط لا غير حسب المقدرة المالية.

 

 وفى ظل هذه التحديات والمضاف إليها طوابير انتظار التعيين بعد تجميده، وضغوط التجديد بعد الستين دون معايير معلنة أفرزت مشاكل مضافة إلى التحرير والإدارة، ويبقى شيء هام فى التشكيل الثانى وهو لأول مرة تكون الإدارة موجودة بشكل فعلى ونشط، ولكن القانون لم يناقش مع نفسه هل الهيئة كيان إداري فقط أم كيان مؤسسى يضم القسمين كما فى المؤسسات والتي تم فيها مراعاة فصل الإدارة عن التحرير ليقوم كل منهما بواجبه ويحاسب على ما قدم من واجبات عليه القيام بها، وفى ظل التشكيل الجديد الذي أعطى الغلبة للإدارة حسب رؤية المسؤولين الذين مازالوا لا يفكرون إلا فى الاكتفاء الذاتى لتلك المؤسسات من واقع أصولها وأنه حان وقت الفطام والاعتماد على الدولة ماليًا وتراكم الديون الصحفية التي أعاقت أى تطوير على مدار عشرين عامًا، بعد أن أعلنت الدولة رفع يدها تماما عن مؤسساتها القومية واكتفت بتوفير المرتبات والحد من التعيين لوقف نزيف المصروفات من وجهة نظرها…

 

 كل هذا جعل المؤسسات القومية فى حالة ( كساح مهنى ) فإذا اهتم بالإدارة حدث الجور على التحرير الذي عندما ينصف سيكون باهظ التكاليف، هذه المعادلة جعلت (مجلس الوزراء)  يعتقد أن الحل فى الإدارة فقط لا غير وكانت الغلبة فى الهيئة للشق الإداري الذي حاول بدوره إيجاد توازن بين التحرير والإدارة عبر لجانه المشكلة التي يترأسها أعضاؤه، لكن هذا ليس كافيًا لأن القانون لم يراع تحديد صلاحيات الإدارة والتحرير داخل الهيئة والممارسة الفعلية لكل منهما، ثانيا القانون جعل اختيار الوكيل والأمين العام بالهيئة يخضع للتصويت وهذا لايجوز لأنها مناصب حيوية يراعى فيها استكمال الشكل المؤسسى للهيئة ولذا يجب أن تكون أدوارهما محددة بموجب التعيين وما تراه الدولة فى الشخص الذي سيعبر عن المنصب لأداء دوره بأريحية وفعالية، ومما أفقد الوكيل حيثياته أيضا هو فقدانه لفئة مالية تميزه عن الأعضاء نتيجة الأعباء التي سيقوم بها، وأيضا تساوت مكافأة الأعضاء جميعا مستشارين وذوى الخبرة والشخصيات العامة فى فئة مالية موحدة مما يجعلنا نطلق عليه عوارا ماليا تسبب فى عوار الصلاحيات والأداء ولم يتميز فى هذا سوى رئيس الهيئة فقط، ولولا أن أعضاء التشكيل الثانى جاءوا متحمسين لأداء أدوار لكان وضع الهيئة «أعرج» فعلا وقولا…

 

 هذا ما يمكننى قوله حتى الآن وبعد مرور خمسة شهور على التشكيل الثانى وما نتج من ثغرات ونتوءات فى القانون الذي وضعه أصحاب المنفعة طارحين بالمهنة الأرض، فى ظل تلك الظروف والتبعات والتحديات السابقة، يمكننا القول بأن قانون الهيئة فى حالة اختبار أثبت سقوطه فى أول ممارسة فعلية لتطبيقه وهذا يتطلب تعديلًا بشكل يصون التحرير والصناعة والإدارة ويرد الثقة والدماء فيها حتى لا نبكى دما إذا فرطنا فى حبة من خرز السلسلة الصحفية الورقية التي دفع الشعب فيها الكثير لتقوى وتعبر عنه وبذل الصحفيون روادًا وأجيالًا متعاقبة على رءوسهم وأكتافهم إعلاء المهنة ورسالتها…

 

 الوضع المأمول للصحافة الورقية 

بعد أن قمنا بالتشخيص الدقيق للمهنة وفحص أحشائها والبحث فى الدواء والمسكنات التي مُنحت لها عبر قرون زمنية مليئة بالحروب والأحداث السياسية والاقتصادية الجسام، إلا أن الأمر يتوقف على العقد الأخير الذي هوى بها إلى القاع من 2010: 2020 عندما تمكنت منها تيارات استأثرت بالبقية منها فى جفاء ليس له مثيل من أربابهم بالمهنة ذاتها فمن (أرباب رجال الأعمال الذين كانوا يريدون السطو على مؤسسات عريقة بدافع أنها صغيرة لا تقدر أن تعول نفسها، فأجهزوا عليها بالدمج وعندما حان وقت البيع جاء طوفان 2011) لتنتقل المهنة إلى فوضى عارمة دنست بما لا يليق بها ليجهز عليها الإخوان ثم اليسار، ولا ننسى رأس المال الخاص والذي كان تمويلات خارجية أتت لتستقطب أقلامًا ومهنيين محترفين من المؤسسات القومية لتفرغها من أبنائها والآن تقذفهم من سفينتها ليغرق البعض ويحاول الآخرون الغوص والقب مرة أخرى ونسوا أنهم أهملوا صحفهم التي علمتهم بل نافسوها وقسوا عليها واتهموها بأنها ابنة أنظمة وهم المستقلون مع علمهم بأنهم يتقاضون أموالًا مدنسة بالخيانة والخراب، كل هذا الشرك الذي نصب للمهنة لم يكن هدفه إلا أن تجد الدولة الوطنية نفسها وحيدة فى معركة التحديات والإرهاب لأنها فقدت أذرعها التي تقف معها فى خندق واحد هو حماية الأمن القومى بكل صوره وأشكاله داخليًا وخارجيًا... 

 

 ومازال المشوار طويلًا وأبناء المهنة لن يتخلوا عنها، يجب أن ترد الثقة بين الصحافة القومية والشعب ثم الدولة وهذا لن يكون بالاستغناء عن بعض المؤسسات أو الدمج الجزافى ولكنه بالدراسة التي حاولنا على مدار عشر حلقات نبصر كل من يهمه الأمر، فالصحافة الورقية هى المغذى الأساسى للفيس والتويتر وكل ما هو إليكترونى والأكثر أنها المغذى للإعلام المرئى الذي يرى البعض أنه الأهم، فإذا سقط الورقى أو اندثر لفظ كل ما سبق أنفاسه، ولنسأل أنفسنا لماذا لم تذكر مقولة القضاء على الورقى إلا فى مصر فقط؟ ولنسأل أيضا لماذا عندما أراد الرئيس السيسي أن يخاطب شعب اليونان وفرنسا أدلى بأحاديث فى الصحف الورقية؟ ولنسأل لماذا هبطت شعبية الرئيس الأمريكى السابق ترامب الذي اعتمد على الفيس والتويتات؟ ولماذا نجح منافسه الذي ساندته بقوة الصحافة الورقية؟ ولنسأل أيضًا من مسؤول عن تراجع الشعب المصري عن القراءة حتى أنه فقد التمييز لجماعة كتبنا عنها وما تنويه للوطن كثيرا قبل 2011، من الذي أوحى للشعب بأن المرئى أسهل له من القراءة ففقد كثيرًا  من وعيه  ومازلنا  نبث له تدارك الوعى حتى يفوق من سبات الإشاعات والأكاذيب؟ ونسأل من المسؤول عن النيل من الصحف القومية خاصة والورقية عامة؟ ونسأل أين ستكون شهادة التاريخ على الأحداث فى الورقى الذي لا يُمحى هل بالإلكترونى الذي يغزوه الهاكر ويغيِّر مضمونه؟ وكثير من التساؤلات أجبت عنها فى كل الحلقات، لأن الصحافة الورقية قضيتى … والإجابة عن تساؤلى لماذا؟ لأنها قضية وطن … الله فيها المستعان.

 

من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز