رحلة محمد عمارة من "الماركسية" إلى "الوسطية"
ولد الدكتور محمد عمارة بقرية صروة، التابعة لمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ، في الثامن والعشرين من شهر فبراير عام 1931، وحفظ القرآن وجوَّده في كُتَّاب القرية، وبدأت تتفتح موهبته، وتكشف عن نفسها منذ نعومة أظافره.
ربما يعجبك
وبعد تخرجه في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965، وتبعها بماجستير "الفلسفة الإسلامية" عام 1970، ثم الدكتوراه عام 1975، ونشر أول مقالاته بصحيفة "مصر الفتاة"، تحت عنوان "جهاد عن فلسطين".
حفلت حياة الدكتور محمد عمارة بالعديد من التحولات الفكرية، بدأها من قيادة التيار الماركسي كأحد دعاته ومناصرية، مرورًا بمرحلة المراجعات الفكرية والاعتزال، وانتهاءً بالتوغل في حقيقة الوجود والإيمان وتنقيح الفلسفة الإسلامية من بذور الفساد.
ويعتبر الدكتور محمد عمارة واحدًا من ألمع وجوه اليسار، التي انتقلت لقيادة تيار الدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية، وتدعيم شرعيتها في مواجهة نفي البعض لها، حتى نعَته العلمانيون بـ"مُنَظِر الحركة الإسلامية".
وينتمي عمارة إلى المدرسة الوسطية، التي قال عنها إنها: "الوسطية الجامعة التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة، لتشكل موقفًا جديدًا مغايرًا لأفكار المتشددين دون غلو أو تعصب، فالعقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة، وضرورة وضوح الرؤية، باعتبار ذلك خصيصة مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي، التي لا يمكن أن نبصر دونها حقيقة جوهر الإسلام، للجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المُتغير، مصداقًا لقوله تعالي ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾".
حقق لأبرز أعلام اليقظة الفكرية الإسلامية الحديثة، أمثال "جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، عبدالرحمن الكواكبي".
وأفرزت رحلته الفكرية عن العديد من الدراسات عن أعلام التجديد الإسلامي مثل "الشيخ محمد الغزالي"، بالإضافة لمؤلفاته عن تيارات الفكر الإسلامي القديمة والحديثة، وأعلام التراث مثل الحسن البصري.
وأصدر عددًا من المؤلفات التي تناولت الفكر الديني قبل رحيله مثل "الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديل الأمريكاني"، "الغرب والإسلام- أين الخطأ، وأين الصواب؟"، بالإضافة لسلسلة مقالاته عن الغلو الديني واللاديني، والشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، أزمة الفكر الإسلامي الحديث، وغيرها من المؤلفات والدراسات التي أثرت الفلسفة الإسلامية.
حصل المفكر الإسلامي الراحل الدكتور محمد عمارة على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية والدروع، منها "جائزة جمعية أصدقاء الكتاب، بلبنان سنة 1972م"، وجائزة الدولة التشجيعية بمصر سنة 1976، ووسام التيار الفكري الإسلامي القائد المؤسس سنة 1998م.
ورحل عن عالمنا في نفس يوم مولده، مساء أمس الجمعة، الموافق 28 فبراير 2020، عن عمر يناهز 89 عامًا بعد صراع قصير مع المرض.
جوجل نيوز
