وليد طوغان
سيناريوهات ما بعد السنوار
هل استطاعت إسرائيل بتغييب السنوار تحقيق ما تسميه نصرًا؟
الإجابة مبهمة.. وغامضة وغائبة.
فالاغتيالات أتت بالاغتيالات.. والحرب أتت بالحرب.
ماذا تحقق لإسرائيل باستهداف قيادات حماس أو حزب الله؟
ماذا تحقق بعد مقتل العارورى، أو هاشم صفى الدين؟ ماذا تغير بعد مقتل فؤاد شكر.. أو إسماعيل هنية؟
لم يتحقق نصر استراتيجى لإسرائيل. صحيح حققت تل أبيب نتائج تكتيكية.. وفى الوقت نفسه كانت حماس هى الأخرى قد حققت نتائج على مستوى التكتيك.
كسر 7 أكتوبر، بلا جدال، حقيقة القوة الإسرائيلية المزعومة، ورفع حاجز الخوف لدى الشارع من أكبر وأوسع حركة للمقاومة وأول عملية من نوعها فى العمق الإسرائيلى.
لكن الحرب مستمرة.. وكل ساعة تزيد أرقام المشردين والنازحين.
حماس لم يعد أمامها إلا القتال كما يقول قادتها، وهناك من الخبراء من يتكلم عن صعوبة خيار حماس الآن بعد أن أصبح ظهرها للحائط، وتدور فى الرؤوس أفكار عن الانتقام والثأر.
فى بدايات الحرب، قال نتنياهو إنه يستهدف رؤوس حماس. وكان السنوار والضيف على رأس القوائم.
قال نتنياهو إن رؤوس حماس هى التي تشعل الحرب، وبالتالى فإن استهدافها هو الذي يمكن أن يغلق ملف الحرب وبابها.
بعد السنوار، قال نتنياهو إن الحرب مستمرة. وفى حديث تليفزيونى للقناة العاشرة الإسرائيلية قال إنها «بداية النهاية».
فى المقابل، تقول حماس إنها «بداية النهاية» لنتنياهو نفسه. فلا الحرب ستتوقف، ولا الأسرى سيعودون. كلام نتنياهو عن «بداية النهاية» أغضب أهالى المحتجزين فى تل أبيب. على الشارع أقاموا جدارًا كبيرًا، ألصقوا عليه صور أبنائهم وبناتهم، وحمّلوا نتنياهو المسؤولية عن مصيرهم.
يبدو أن نتنياهو هو الآخر غائب.
الأيام الأخيرة غمّت عيونه تفاصيل الاغتيالات وحكاياتها ونشوة نجاحها، لكنه على يقين من أن مع انتهاء الحرب، فإن دوره يأتى مع آخرين.
قالت صحفية أجنبية لميخائيل ميشلين المتخصص فى الشؤون الفلسطينية فى مركز موشى ديان لأبحاث الشرق الأوسط إن مجلس الحرب المصغر سعيد بالنجاح فى اغتيال السنوار.
أجاب الرجل أن الشارع الإسرائيلى هو المعيار وهو المقياس، وقال إن الشارع ليس مستعدًا للاحتفال الآن، لأن الاحتفال الحقيقى سوف يأتى وقته عندما يعود المحتجزون لدى حماس.
فى المحطات الإسرائيلية هاجموا نتنياهو فى الأيام الأربعة التالية لمقتل السنوار، قالوا إن نتنياهو لم يعد يعبأ بالمحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، وأنه مغامر وكاذب، وأنه يستغل مشاعر الكراهية للعرب لدى بعضهم لتحصين نفسه.. وتحصين مستقبله السياسى.. بينما لا يعبأ بما إذا كان لابد للمحتجزين أن يعودوا سالمين!
97 إسرائيليًا محتجزون فى غزة، بينهم حوالى ما يقرب من 34 يعتبرهم الجيش الإسرائيلى فى عداد الموتى.
والأهالى فى إسرائيل، يريدون أجساد موتاهم، ويريد أهالى الأحياء أن يعود أبناؤهم كما هم.. أحياء.
على الأرض يخوض جيش الاحتلال معارك ضارية، فى غزة وفى لبنان. لكن لا يمكن أن يقول إن كرة النار يمكن السيطرة عليها. أزمة نتنياهو أنه يتصور أن لهيب نيران الحرب له حدود، أو حتى إن لم يكن له حدود فإن الأمر فى يد تل أبيب.
هذا أيضًا ما سبق أن حذرت منه مصر، أكثر من مرة، وفى أكثر من مناسبة. الحرب تأتى بالحرب، والاغتيالات تأتى بالاغتيالات، والعمليات العسكرية دائرة، فيما يقترب أكثر من 2 مليون فلسطينى من الموت جوعًا.. بلا مأوى ولا متوى.
(1)
بعد مقتل السنوار أكدت حماس أن الحرب مستمرة، وأن القتال لن يتوقف. تصر حماس للآن على أن موضوع المحتجزين مفروغ منه، وتصر على متطلبات شروط السنوار فى حياته. لن يتم إطلاق رهائن حتى تنهى إسرائيل حرب غزة، وحتى ينسحب جيش الاحتلال من القطاع، وحتى تطلق تل أبيب سراح المحتجزين فى السجون الإسرائيلية.
فى أغلب الصحف الإسرائيلية أصبح مجلس الحرب فى تل أبيب كما لو كان «لوحة نشان». يرى كثير من المحللين فى إسرائيل أن نشوة اغتيال السنوار لم يكن لها أن تستمر عند نتنياهو أكثر من ساعة، لأن ما بعد السنوار أصعب، ولأن الحكومة الإسرائيلية عليها أن تبدأ بالفعل فى التفاوض.
أكثر الآراء التي أحدثت بلبلة فى تل أبيب كان رأى عوفر شيلح.. وهو أحد المعارضين، وهو مدير الأبحاث فى المعهد الإسرائيلى لدراسات الأمن القومى. قال عوفر إنه يجب على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة الآن فى التحرك نحو الصفقة الوحيدة الممكنة.
والصفقة الوحيدة الممكنة كما رآها عوفر، هى إنهاء الحرب فى غزة مقابل عودة جميع الرهائن.
قال عوفر، إن أهالى المحتجزين يريدون أبناءهم.. أحياء أو حتى أموات.
قال عوفر إن الاتفاق على وقف الحرب، هو الحل الوحيد الذي يوفر على الأقل حديثًا عن اليوم التالى بعد الحرب، إن كان لدى نتنياهو أفكار عن هذا اليوم.
(2)
بعد مقتل السنوار، توعدت إسرائيل.. فى المقابل توعدت حماس، وفى الجانب الآخر توعد حزب الله. كلها كانت إشارات إلى أنه لا فرصة الآن على الأرض لإنهاء الحرب أو توقفها. إيران تنتظر ردًا إسرائيليًا، والمنطقة تترقب ردًا، مغلفًا بمطالب أمريكية تحفظ الإطار العام لحدود اللعبة.
تخطط إسرائيل لرد «محسوب» بدقة، بينما إيران تتخبط بين هنا وهناك.
من الأمم المتحدة قال الوفد الإيرانى إن طهران ليست مسؤولة عن الطائرة بدون طيار التي وقعت فى قيساريا بجانب بيت نتنياهو، وقالت إنها مسؤولية حزب الله.
فى المقابل قال خبراء إن الخطوة مستغربة، خصوصًا أنه كان الأولى أن تصمت طهران ولا تتهم أحدًا.
فى لبنان تنفذ إسرائيل عمليات نوعية فى استهداف قيادات «حزب الله»، والحزب من جانبه حسبما يرى خبراء استطاع أن يلملم نفسه عبورًا من أزمة مقتل حسن نصر الله.
الجبهة فى لبنان، كما يبدو فى الطريق لمزيد من الاشتعال، والعمليات المتبادلة بين الاحتلال وبين حزب الله لم تدخل حتى الآن، رغم كل ما يحدث على الأرض، دوامة الموت والدمار فى غزة.
إيران وصفت موت السنوار بأنه «سوف يعزز روح المقاومة»، لكن فى الضاحية فى بيروت استغربوا تنصل طهران من حزب الله فى عملية قيساريا.
هناك من يربط بين الحرب فى غزة والعمليات العسكرية لجيش الاحتلال فى لبنان. وهناك من يرى أن المسارين مختلفان.
وجهة النظر الثانية هى الأقرب للواقع، خصوصًا مع المبادرات الأمريكية والتصريحات الأخيرة للمسؤولين فى واشنطن بعد مقتل السنوار.
ترى الإدارة فى واشنطن، أن الفرصة الآن متاحة لإعادة بدء التفاوض على إيقاف الحرب. كثير من زعماء الغرب رأوا هذا، أو تكلموا فى هذا الأيام الأخيرة.
لكن فى المقابل، هناك من يرى أن حماس ما زال أمامها خطوتان. الأولى إعادة ترتيب البيت من الداخل، ومحاولة حل مسألة شغور القيادة، واختيار قيادة جديدة، إضافة إلى ما يتوقع من رغبات للثأر.
ما سبق مرتبط بمن سيخلف يحيى السنوار، وما يمكن أن يحدث من خلافات بين مجموعات الداخل فى غزة، وما بين قيادات الخارج على مسمى الرئيس الجديد لحماس.
اختيار رئيس أو قائد حماس ما زال قضية هى الأخرى فيها كثير من الضباب. الاختيار كما هو متوقع أن يتم لأحدهم فى الخارج. خليل الحية أحد المرشحين، وهناك من يتوقع اختيار أبو عمر حسن.. أو محمد درويش، وهناك من يتكلم عن أن الاسم الأقرب هو موسى أبو مرزوق، وكلهم من قادة حماس فى الخارج.
الأمور خارج غزة غير داخلها، خصوصًا أن هناك فى داخل غزة من يتكلم عن أسماء مثل محمد السنوار شقيق يحيى، وإن لم يكن فالاختيار محتم من قادة العمليات فى الداخل المحاصر.
يرى بعض خبراء أنه لا يمكن أن يقال إن اغتيال السنوار لم يضعف حماس، لكن هو فى الوقت نفسه لم يُمِتْها. لكن اختيار قائد حماس من شخصيات الداخل، سوف يؤخر كما هو متوقع من احتمالات التفاهم على مسائل الأسرى.. والحرب.
لا يستطيع أحد أن يتوقع أن من سيخلف السنوار ممكن أن يوافق سريعًا على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وبحث مصير الأسرى والمحتجزين.
على كل.. فإن استمرار الحرب وبال على الجميع.. وتبقى المعادلة المصرية هى الحل.