أيمن عبد المجيد
مصر تجابه التحديات بالعمل والإصلاحات المعززة لقدراتها وجبهتها الداخلية
العالم فى حقل ألغام
سيرًا على الألغام، دخل العالم عام 2025، خاتمة النصف الأول من العقد الثالث للقرن الحادى والعشرين الميلادي، ألغام الصراعات الدولية، وآثارها السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية.
فى حقول الألغام، يتحسس السائرون خطاهم، فما بين لحظة وأخرى، تفصل الخطوة عن التي تليها مسافات شاسعة بين الأمن والاستقرار، والخراب والدمار، الحياة والموت.
لم تُفلح القرون التي عاشتها البشرية، قبل وبعد الميلاد، وما تراكم فيها من خبرات تاريخية، وما خبرته من ويلات الحروب الأكثر دمويةً، فى استيعابها الدروس، لا زالت المؤسسات الأممية عاجزة عن وقف الانجراف إلى حافة الهاوية.
سعت البشرية إلى الحيلولة دون تكرار تجرع آلام الحرب العالمية الأولى، فأنشأت عصبة الأمم، فتلاشت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، فنشأت الأمم المتحدة عام 1945 للحيلولة دون تكرار ذلك الألم والدمار.
لم يتوقف الصراع الذي هو سنة كونية، فامتد إلى النفوذ داخل أجهزة المنظمة الدولية ذاتها، بما امتلكته الخمس الكبار: أمريكا- الصين - روسيا - بريطانيا - فرنسا من حق الفيتو لتصبح أي دولة منها قادرة على تعطيل أى قرار وإن أجمع عليه كل الأعضاء دونها، دائمون وغير دائمين.
بات ذلك جليًا، مع تصارع الدول الدائمة ذاتها، عسكريًا ونفوذًا فى جبهات أوكرانيا والشرق الأوسط، وعجزها المخزى فى التصدى للجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطينى.
قمة الصراعات الممتدة على مسرح عام 2025 ـــ فلم يسدل عليها العام المنصرم ستائره ـــ الحرب الأمريكية الصينية، التي تدور رحاها فى العلن والخفاء على جبهات عدة سياسية واقتصادية، سعيًا لمساحات مضاعفة من النفوذ على خريطة القوى الدولية الجديدة التي تتشكل.
وما بين القمة وما دونها تنوعت الصراعات، وآثارها الكارثية، على الجبهة الأوروبية، تدور رحا الحرب الروسية الأوروبية على الأرض الأوكرانية، وصولًا إلى الأرض السورية، التي شهدت آخر انفجارات الألغام السياسية، وصفقات وتفاهمات المتصارعين الدوليين، وسط ترقب لمجريات الأحداث وآثارها.
بالرغم من تعاظم التحديات فإن الأمل يبقى معقودًا فى أن يشهد العام الجديد حسم أزمات إقليمية، فلا يمكن تصور استمرار معاناة الشعب الفلسطينى فى غزة، لحرب التجويع والإبادة الجماعية، ولن يسمح مطلقًا بتنفيذ مخطط التهجير وتصفية القضية.
وباتت ليبيا فى أمسّ الحاجة إلى توافق سياسى لتشكيل حكومة موحدة، ولبنان يحتاج أكثر من أى وقت مضى لتقوية جبهته الداخلية، وإنهاء حالة الفراغ السياسى بانتخابات رئاسية، والسودان هل ينجح بإرادة وطنية فى إحباط مؤامرات التقسيم، ووقف معاناة الشعب، واستنزاف مقدراته.
واليمن بما يشهده، ويتهدده فى ظل تهديد الحوثيين للملاحة الدولية فى البحر الأحمر، بما لها من تأثيرات سلبية على التجارة العالمية.
محيط دولى وإقليمى مليء بالألغام، التي تتطلب إرادة دولية وصدق النية لنزع فتيلها، وإلى أن يتحقق ذلك تبقى التهديدات قائمة والأثمان تبذل ممن يخطئ قراءة المشهد، ولا يدرى أين يضع قدميه.
رزق الله مصر، نعمة حفظه ورعايته، فسخر لها على مر التاريخ، قادة ليعبروا بها أحلك الأزمات التاريخية، وحبى شعبها بجينات حضارية، كونتها خبراته التاريخية، فصنعت وعيه، ليقف دائمًا كالبنيان المرصوص محافظًا على محددات أمنه القومى وثوابت الدولة الوطنية.
فى مصر الأمل والعمل
ففى ظل كل التحديات العالمية والدولية، تعرف مصر طريقها الذي رسمته خلال سنوات من الخبرة وثوابت السياسة، ومحددات أمنها القومي، آلياته زراعة الأمل والعمل الجاد الصادق، لتحقيق الأمن والاستقرار، الذي يُمكن من البناء والتعمير وإطفاء نيران الأزمات والصراعات الإقليمية التي تسبب الخراب والدمار.
وفى سبيلها لذلك، تعزز مصر قدراتها الشاملة، وفى مقدمتها الجبهة الداخلية، لتعزيز مناعتها وقوتها فى مجابهة ومواجهة التحديات، وتوفير متطلبات التقدم والازدهار المنشود.
بالعمل لا بالأمل فقط، تواصل مصر ما أنجز على مدار السنوات العشر الأخيرة، فى كل الملفات المتداخلة، بداية جديدة لبناء الإنسان، والبنية التحتية، والحياة الكريمة، والقدرة العسكرية، وإصلاحات سياسية، تعزيز الديمقراطية، والتنمية الاقتصادية صناعية وزراعية.
سياسيًا:
يمتد الحوار الوطني الجامع الذي أسهم فى خلق توحيد قوى الشعب على المشاركة فى رسم خريطة أولويات الوطن، ذلك النقاش الذي جرى على أرضية وطنية، عبر فيها المشاركون عن هموم ومشاغل الوطن والمواطنين.
تلك التوصيات وجدت من الرئيس عبدالفتاح السيسي آذانا مصغية، واهتماما بإحالتها إلى الجهات التنفيذية المعنية لوضعها موضع التنفيذ.. قطعًا سيشهد العام الجارى مواصلة تلك الجهود.
ومع الاستعداد للانتخابات البرلمانية لمجلسى النواب والشيوخ، تشهد الحياة الحزبية حالة استنفار، بضخ دماء جديدة فى شرايينها، عبر تأسيس حزب «الجبهة الوطنية»، الذي امتازت هيئته التأسيسية بتنوع يعطى الأمل فى تحقيق إضافة للحياة الحزبية.
تنوع فى الخبرات والقدرات والفئات العمرية، والاهتمامات المجتمعية، يجعل أمام ذلك الحزب فرصة لأن يكون بيت خبرة، قادرا على تقديم برامج سياسية تقدم رؤى إصلاحية فى مواجهة التحديات، فيضم وزراء سابقين على دراية بالملفات، وقيادات سابقة تولت مهام تنفيذية، من نواب وقادة رأي، خبرات فى شتى المجالات تمثل كل الفئات العمرية، والنطاقات الجغرافية.
أهمية خلق قيمة مضافة فى العمل الحزبى، تبشر بتنوع فى الكتل النيابية داخل غرفتى البرلمان، بما ينعكس إيجابًا على أدائه، وما يعزز من القدرة السياسية وقوة الجبهة الداخلية.
ملف الوعى العام
مع تنامى التحديات يواجه الوعى العام أهم الملفات، فهدم الدول من الداخل بات أخطر أسلحة الصراعات التي تدور رحاها فى الإقليم، ومن ثم فالوعى هو الحصن المنيع.
من أهم ملفاته الوعى الدينى فى مواجهة التطرف والإلحاد، وينجز فى هذا المجال الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف بتطوير كفاءة الأئمة والخطباء، والتواصل عبر المنصات الرقمية، والأهم مبادرة عودة الكتاتيب فى القرى المصرية، بمفهوم عصرى يستهدف حفظ القرآن الكريم وإسناد تعليم اللغة العربية لوزارة التربية والتعليم، وغرس ثوابت الهوية الوطنية.
الاقتصاد
التحديات الاقتصادية من أخطر الملفات، التي تؤرق المواطن المصري، ويحمل العام الجديد الأمل فى تحسن الأوضاع الاقتصادية، بما أنجز من بنية تحتية وتشريعية محفزة على الاستثمار، وتعظيم الاستفادة من قدرة مصر الحضارية فى قطاعات السياحة، فيشهد العام افتتاحا رسميا لمتحف الحضارة.
ويشهد العام تنفيذ خطة استراتيجية للنهوض بالصناعة المصرية، من توطين التكنولوجيا وصناعة السيارات والهيدروجين الأخضر، إلى إحياء قلاع صناعية وطنية فى مقدمتها قلاع صناعة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى.
فيما تضاف للقدرة الإنتاجية الزراعية نحو ٤ ملايين فدان، وما يستلزمها من صناعات غذائية تعزز من قيمتها المضافة.
مصر بالعمل الجاد والرؤية الحكيمة، والتلاحم الوطني، وتماسك الشعب خلف قيادته ومؤسسات دولته، ستعبر بإذن الله تحديات الخارج والداخل إلى مستقبل أفضل من القوة والقدرة والازدهار ورفاهية شعبها البطل.
تحتفل مصر بقدوم شهر رجب واقتراب شهر رمضان المبارك ورأس السنة الميلادية.. كل عام وحضراتكم بخير.
حفظ الله مصر