عاجل
الأربعاء 5 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. إيمان ضاهر تكتب: حرب أكتوبر .. نصر ملحمي وإعجاز عسكري

"يا كل ضحايا الحروب.. املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام.. املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام".. أشهر مقولات الرئيس الشهيد بطل النصر والعبور والسلام  محمد أنور السادات، التي قالها داخل الكنيست الإسرائيلي بعد تحقيق الانتصار في حرب أكتوبر المجيد، وبداية مرحلة السلام، والتي تغيّر بعدها التاريخ للأبد.



كلما كان الصعود عاليا كان السقوط قاسيا.. وفي السادس من أكتوبر سقطت اسرائيل من أعلة برج السكينة والاطمئنان الذي كانت قد شيدته لنفسها، وكانت الصدمة على مستوى الأوهام التي سبقتها قوية ومثيرة، وكأن الإسرائيليين قد أفاقوا من حلم طويل جميل لكي يروا قائمة طويلة من الأمور المسلم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التي آمنوا بها لسنوات عديدة وقد اهتزت بل وتحطمت في بعض الأحيان أمام حقيقة جديدة غير متوقعة وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين.

كيف تم الاستعداد لحرب أكتوبر في ظل الظروف الصعبة، قررالرئيس أنور السادات القرار الشجاع والصائب ببدء حرب 1973، وخطط بصورة دقيقة وحكيمة، لشن حرب محددة الأهداف العسكرية بالتنسيق مع سوريا، من أجل غربلة المعادلة السياسية، وتهيئة المناخ لإجراء مفاوضات عربية - إسرائيلية، متطلعاً أن تنتهي حتماً بإعادة الأراضي المصرية المحتلة، وبسلام عربي إسرائيلي شامل، وبتلبية الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني.

منذ عام 1948، لم تتخلَ مصرُ في  يوم من الأيام عن مواقفها الداعمة تجاه القضية الفلسطينية وهذا ما ظهر جليا في الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. قرار الحرب يحسب لبطل السلام السادات بشجاعته وذكائه على رغم أنف كل المضللين.

قال الرئيس السادات رحمه الله في مذكراته:  في مصر لم يكن اهتمامنا منصباً على الناحية المعنوية فحسب، فقد أنفقنا أكثر من 127 مليون جنيه على إعداد الدولة للحرب، إذ كان تخطيطي يقوم على أن مصر كلها من الإسكندرية إلى  أسوان أرض معركة.

وتابع: كل مصنع، كل محطة كهرباء وضعت لها خطة دفاع بحيث إذا ضرب جزء من المرفق، يعمل الجزء الباقى. وأضاف بطل العبور: في أبريل سنة 1973، زار الرئيس حافظ الأسد مصر سريا. إبان ذلك  كان الفريق الجمسى رئيس العمليات بالقوات المسلحة، المخطط للعمليات العسكرية على الورق السري، وهي ثلاث مجموعات من الأيام،  أولاها فى شهر مايو سنة 1973، الثانية في سبتمبر، ثالثتها في أكتوبر سنة 1973.

وأوضح الرئيس الشهيد ان مجموعة اكتوبر مناسبة جدا والجبهة الشقيقة السورية جاهزة في هذا الموعد. كيف تم الخداع الاستراتيجي للحرب؟ ويردد بطل النصر والسلام: "لم أكن أنوي أن أدخل المعركة في مايو  1973، ولكن كجزء من الخدعة الاستراتيجية، بدات  حملة في الصحف عندي وفي الدفاع الشعبي، وصدق الإسرائيلين ذلك، وفي الأيام للحرب حشدوا قواتهم بينما كنت فى حالة استرخاء تام، وفي أغسطس في السنة عينها قمت بنفس الشيء، وكان رد الفعل في إسرائيل هو نفس ما صنعوه في مايو، فأعلنوا التعبئة العامة. وذكر: ولذلك عندما سئل العدوالصهيوني الماكر، موشى ديان، بعد حرب أكتوبر عن عدم اعلان التعبئة في أكتوبر؟، وكانت إجابته: "إن السادات  قد دفعني إلى هذا الامر مرتين والتكاليف فى كل مرة عشرة ملايين دولار دون جدوى، فلما جاءت المرة الثالثة ظننت أنه غير جاد، مثلما حدث في المرتين السابقتين، لكنه خيب ظني. فأين تكمن استراتيجية النصر وكيفية مضمونها؟ الحكيم والقائد اللامع يخرجان دائمًا منتصرين من حملاتهما ويغطيان نفسيهما بالمجد الذي يتفوق على منافسيهما بفضل قدرتهما على البصيرة. لكن التنبؤ لا يأتي من الأرواح ولا من الآلهة؛ فهو لا يُستمد من القياس على الماضي كما أنه ثمرة الظنون. إنها تأتي فقط من المعلومات التي يتم الحصول عليها من أولئك الذين يعرفون وضع الخصم. كان القائد البطل يعرف عدوه ونفسه ويدرك ان النجاح الكامل للعملية الحربية يكمن في الاعداد لها للانتصار مئة مرة. وبدأت الحرب الكبرى.. لمصر وسوريا والدول  العربية التي انضمت لإنقاذ الامة العربية.

في 6 أكتوبر 1973، في الساعة الثانية ظهرًا، فتحت المدفعية المصرية النار على طول قناة السويس. هاجم الجيش الباسل المصري على طول الممر المائي بأكمله. يغطي الجيش الثاني قطاع  القناة والثالث قطاع البحيرات. كان عبور القناة ناجحًا تمامًا، وسيتم إدراجه ضمن أعظم الأعمال القتالية في القرن العشرين.

وبعد أربع وعشرين ساعة من بدء العمليات، عبر 100 ألف رجل و1000 دبابة و13 ألف عربة مدرعة إلى الجانب الآخر. أما الرد العسكري الإسرائيلي فهو مضطرب. وكانت الخسائر فادحة بسبب الافتقار إلى الغطاء الجوي. ماذا حدث في جبهة الجولان؟ القلق الرئيسي لإسرائيل هو جبهة الجولان. 

تمكن   الجيش السوري تحقيق اختراق، مهددا بشكل مباشر الأراضي الإسرائيلية. المعارك شديدة. وفي مساء يوم 7 أكتوبر، تابع التقدم السوري. وعلى عكس ما حدث على الجبهة الجنوبية، ولم تفلح القيادة الإسرائيلية من تمركز وحداتها بشكل فعال وقامت شجاعة الجنود بالباقي.. لقد أظهروا طوال القتال شجاعة حقيقية. في الكتاب الرائع للرئيس السادات الذي ترجم لعدة لغات "البحث عن الذات": "في الساعة الثانية تماما، وصل الخبر بأن طائراتنا  قد عبرت قناة السويس وكانت 222 طائرة نفاثة سرعتها تفوق سرعة الصوت.. انتهت من ضربتها الأولى في ثلث ساعة بالضبط.. خسائرنا فيها تكاد لا تذكر.. ونجحت ضربة الطيران نجاحاً كاملا ومذهلاً حسب التخطيط الذي وضعناه لها.. مذهلاً لنا في المقام الأول.. فقد حققت ضربة الطيران نتائج فاقت 90% بخسائر أقل من 2%.. وكان مذهلاً لإسرائيل والعلم كله شرقه وغربه.. لقد استعاد سلاح الطيران المصري بهذه الضربة الأولى كل ما فقدناه في حرب 1956 و1967 ومهد الطريق أمام قواتنا المسلحة بعد ذلك لتحقيق ذلك النصر الذي أعاد لقواتنا المسلحة ولشعبنا ولأمتنا العربية الثقة الكاملة في نفسها  ًوثقة العالم بنا.. فى كتابه "الأيام المؤلفة فى إسرائيل" لأحد كتاب فرنسا،  كان يتصور أنور السادات وهو يطلق فى الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر دباباته وجنوده لعبور قناة السويس انه أطلق قوة رهيبة غيرت   هذا العالم؟.. أن كل شيء من أوروبا إلى أمريكا ومن أسيا إلى أفريقيا، تغيرت حالته التي كان عليها قبل حرب رمضان. الانقلاب المروع فيما يتعلق بإسرائيل ألم يشكل     الزلزال المدمر لكيانها المتعجرف والمتغطرس؟ ذلك أن الحرب التي عصفت بها كانت شديدة  القسوة في جبهات القتال العربية.

إلى أين مضت اسرائيل الغاشمة وكيف زعزعت نشوة الانتصار العربي جبهتها المعنوية الداخلية؟ من اهم خلاصة حرب اكتوبر انها حجمت اسطورة اسرائيل في مواجهة العرب كما كلفت هذه الحرب اسرائيل ثمنا باهظا حوالي خمسة مليارات دولار وأحدثت تغيرا جذريا في الوضع الاقتصادي في الدولة الاسرائيلية التي انتقلت من حالة التقدم التي كانت تعيشها قبل عام رغم أن هذه الحالة لم تكن ترتكز على أسس صلبة كما ظهر، إلى أزمة بالغة العمق. إن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت نفسيا ومعنويا.. لقد انتهت ثقة الكيان في تفوقه الدائم، كما أصيبت جبهته بضعف كبير وهذا أخطر تحد للشعوب وبصفه خاصة اسرائيل. وفي خطاب الرئيس الشهيد أنور السادات: "لقد حاربنا ونحارب من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام.. وهو السلام القائم على العدل.. فالسلام لا يفرض.. وسلام الأمر الواقع لا يدوم ولا يقوم.. إننا لم نحار لكي نعتدي على أرض غيرنا بل لنحرر أرضنا المحتلة ولا يجاد السبل لاستعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، لسنا مغامري حرب.. وإنما نحن طلاب سلام.

وأخيرا، فلنصغي لأحد اعترافات رئيسة وزراء العدو غولدا مائير، ليس أشق على نفسي من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973 (حرب يوم كيبور). هكذا بدأت مائير حديثها في كتابها "حياتي" والذي ترجم "اعترافات جولدا مائير". ثم استأنفت كلامها" ولن أكتب عن الحرب- من الناحية العسكرية- فهذا أمر أتركه للآخرين.. ولكنني سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي وسيظل معي باقيًا علي الدوام.. ليت الأمر اقتصر على أننا لم نتلق إنذارات في الوقت المناسب، بل إننا كنا نحارب في جبهتين في وقت واحد ونقاتل أعداء كانوا يعدون أنفسهم للهجوم علينا من سنين.. كان التفوق علينا ساحقًا من الناحية العددية سواء من الأسلحة، أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال.. كنا نقاسي من انهيار نفسي عميق.. لم تكن الصدمة في الطريقة التي بدأت بها الحرب فقط، ولكنها كانت في حقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها. فقد كان الاحتمال في أكتوبر ضئيلً".

وما زال الحديث عن اكتوبر الحرب الكبرى المجيدة لا يمل منه وما زالت الحرب دائرة في أرض الكنانة الحبيبة ولكنها حرب في التقدم والتطور والإنجازات لجمهورية جديدة يقودها رئيس يؤمن بالطاقات العظيمة والمبتكرة المجسدة لهذا الانتصار المجيد.

فلنسمع  أقوال القائد الرئيس عبد الفتاح السيسي وكلماته في الذكرى ٥١ للحرب الكبرى والانتصار الأسمى: "إن ما وهبت حياتك من أجله.. لن يضيع هدراً أو هباءً.. بل وضع الأساس الراسخ.. الذي نبني عليه.. ليبقى الوطن شامخاً والشعب آمناً.. يحيا مرفوع الرأس على أرضه.. لا ينقص منها شبر.. ولن ينقص بإذن الله.. وهذا وعدنا وعهدنا لشعبنا العظيم"... العروبة لم تكن تدرك معناها لولاكم ولولا ابطالكم عاشت مصر البطولة وعاش إخواني المصريين وعاشت الأمة العربية.. أنهى بكلمات الشاعر المصري الرائع "الخال عبد الرحمن الأبنودي" والصوت الخالد لعبدالحليم حافظ في الأغنية التي كلما اسمعها أبكي فرحا "أحلف بسماها" أحلف بسماها وبترابها أحلف بدروبها وأبوابها أحلف بالقمح وبالمصنع أحلف بالمدنة والمدفع بأولادي بأيامي الجاية ما تغيب الشمس العربية طول مانا عايش فوق الدنيا.

أستاذة متخصصة بالأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي من جامعات السوربون في فرنسا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز