عاجل
الثلاثاء 4 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فن الدبلوماسية .. مهارة إدارة الحديث وفن المجاملة

فن الدبلوماسية .. مهارة إدارة الحديث وفن المجاملة

تؤكد المدارس الدبلوماسيَّة المتخصصة في بريطانيا بأن فن المجاملة وإدارة الحديث، سواء في الإتيكيت الحكومي أو الاجتماعي، لا يعتمد كليًّا على الشهادات والتخصصات الجامعيَّة الحاصل عليها الشخص، وإنما فن المجاملة يستند إلى مفاهيم البروتوكول والإتيكيت الاجتماعي. فنحن عندما نتكلم مع عُلماء ورجال الدِّين يختلف اختلافًا كليًّا أسلوب المجاملة وإدارة الحديث مع أصدقائنا أو أقاربنا أو حتَّى مع شرائح المُجتمع الأخرى، سواء الأكاديميون أو الباحثون عن عمل، كما توضح المدارس المتخصصة بفن الدبلوماسيَّة بأن المهارة في استخدام نبرة الصوت ولغة الجسد وكاريزما هي من أهم مقوِّمات فن المجاملة، وهي تختلف اختلافًا جوهريًا بَيْنَ العنصر النسوي وكذلك الرجالي، سواء كبار الشخصيات من الوفود الرسميَّة أو الاجتماعيَّة أو الضيوف الحاضرة من مختلف المناصب والوظائف في المناسبات والفعاليات ذات الطابع الوطني، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ العادات والتقاليد والدِّين والمذاهب تؤدي دورًا كبيرًا بفن المجاملة وإدارة الحديث ونوع المناسبة ووقتها ومكانها ومستوى الحضور بهذه المناسبة أو تلك.



فن الدبلوماسيَّة ومهارة إدارة الحديث وفن المجاملة يبحر في علم النفس الاجتماعي، ويحدد لنا أجندة وسِمات خاصة للتعامل مع كل شخص وبسياقات حرفيَّة عالية المستوى معتمدًا على البروتوكول والإتيكيت الاجتماعي، فعلى سبيل المثال: أسلوب المجاملة والكلام والاطمئنان لزيارة مريض بالمستشفى، فعلى الزائر أن يتحلى بهدوء الأعصاب ولغة الجسد ومستوى نبرة الصوت وبشاشة الابتسامة ليُعين المريض أن يتعافى من مرضه، وليس الكلام عن العمليَّة وسلبياتها أو عن سلبيات ونواقص المستشفى أو قلة خبرة الأطباء أو عدم كفاءة الأدوية، وهذه المجاملة والأسلوب سوف تؤذي نفسيَّة المريض وتؤخر من شفائه، بالإضافة إلى أنه سوف يبدأ بالتفكير بالانتقال إلى مستشفى آخر بسبب مجاملة وأسلوب ورأي الزائر، مما يضع الجميع في مأزق كبير.

ويعرف فن المجاملة بأنه هو إحدى الطرق الرسميَّة والاجتماعيَّة الَّتي تسعى إلى إنشاء أو بلورة علاقات جديدة وجيدة مع الآخرين.

إنَّ فن المجاملة يعتمد على عدَّة أُسُس ونقاط منها: التعامل برفق وحكمة واحترام، إظهار الاهتمام والتقدير، الابتعاد عن النقد والتجريح، الابتعاد عن المبالغة والتكبر وحُب الأنا، اختيار بدقة الكلمات الهادئة والرقيقة واللطيفة، لغة الجسد في غاية الأهميَّة والَّتي تعكس حُسن النيَّة والاحترام المتبادل، عدم الابتسامة والاستهزاء بالمقابل بسبب رأي معين، وهناك أنواع كثيرة لفن المجاملة منها: (مناسبات حكوميَّة، مناسبات اجتماعيَّة، مناسبات دينيَّة).

تتفاخر المعاهد الدبلوماسيَّة بأن المجاملة الدبلوماسيَّة تختلف اختلافًا كليًّا عن فن المجاملة الاجتماعيَّة، فهي عبارة عن رسائل إيجابيَّة مباشرة أو غير مباشرة بطريقة لبقة وأنيقة في ظل الأُطر الدبلوماسيَّة المتعارف عليها، حيث تعتمد على عدَّة نقاط أهمها: الاحترام المتبادل، تخفيف التوترات بَيْنَ الأطراف، توطيد العلاقات على مختلف مجالاتها، اختيار لباقة الكلام وقانونيَّة الجُمل وسياقات الحديث وبعيدًا عن الإساءة أو التقليل من شأن الطرف الآخر، المرونة والتسامح وتقبل وجهة النظر مع الجميع، الحياديَّة وهو الموقف المتوازن، تسلسل الأفكار وفن إدارة الوقت.

الكثير يتساءل عن مهارة وأهميَّة فن إدارة الحديث بفن المجاملة؟ وما هي أهدافه وسِماته؟ وصراحة هذا يحتاج لأكثر من مقال للوقوف على أفضل أنواع الحديث، ولكن خلاصته بأنه يتطلب مهارات متميزة وذات كفاءة بالتواصل مع المُجتمع بطريقة تحافظ على التوزان، وتُعزِّز العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل بعيدًا عن المصلحة الشخصيَّة ذات أهداف معينة ومحدود، ويؤدي حُسن اختيار الكلمة والجُمل اللطيفة الدبلوماسيَّة في تحقيق ما يرنو له الشخص وبمستوى عالٍ جدًّا من اللياقة اللغويَّة والحرفيَّة في استخدام (علم المعنى، علم الكلمة، علم النحو). وتُعَدُّ التوقفات اللفظيَّة وعدم السرعة بالكلام هي أساس المجاملة الشفويَّة، ناهيك عن المجاملات المكتوبة الَّتي هي مفتاح الدخول إلى عقل وقلب الطرف الثاني.

علماء اللغة يؤكدون على عدَّة نقاط جوهريَّة في إدارة الحديث، ولكَيْ تكونَ المجاملة نموذجيَّة تليق بكاريزما القائد أو المرأة القياديَّة ومنها: فن الاستماع، علم الكلمة، التأني بالإجابة والرد، الابتعاد عن الأنانيَّة وتقاطع ومقطعة الكلام دون إذن، تجنب الاصطدام بالأفكار، الهدوء في التعامل مع وجهات النظر المختلفة، الذكاء العاطفي وسرعة البديهة.

من أهم استمراريَّة المجاملة بطريقة نموذجيَّة هو تجنب الأحاديث المحظورة، وهذا ما نُدرسه في محاضرات الأكاديميَّة الدوليَّة للدبلوماسيَّة والإتيكيت ومنها: (الأديان والمذاهب، علماء الدِّين ورؤساء القبائل، رجالات السياسة وقادة الدولة، الأمور الماليَّة الشخصيَّة، الأمور الأمنيَّة والاستخباراتيَّة والمخابراتيَّة والعسكريَّة، الأمور العائليَّة والشخصيَّة.. وغيرها من الأمور الَّتي تمس الشخص وخصوصًا النساء «ناحية العمر والوزن والحالة الاجتماعيَّة»).

ختامًا.. فإنَّ فن المجاملة وإدارة الحديث يُعَدَّان من أهم المهارات الدبلوماسيَّة الَّتي ترتقي بكاريزما الشخص ويكون قائدًا رسميًّا واجتماعيًّا مؤثرًّا إيجابيًّا في وسطه وبيئته الَّتي يعمل فيها وقدوة يقتدى بشخصيته من جميع جوانبه.

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز