عاجل
الثلاثاء 10 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
فن الدبلوماسية .. فروقات بين التفاوض والمناقشة

فن الدبلوماسية .. فروقات بين التفاوض والمناقشة

يتساءلُ الكثيرون عن الفروقات بَيْنَ التَّفاوض والمناقشة بمختلف عناصر ومناصب الأشخاص، سواء على المستوى الرَّسمي أو الشَّخصي ومدَى أهميَّة كُلِّ مفردة على حياة الشَّخص؟ تُعَدُّ البعثات الخارجيَّة هي المرحلة الأولى في المناقشات لغرضِ الوصولِ إلى مرحلة التَّفاوض وتوقيع الاتفاقيَّة؛ لذلك الاثنان هُمَا في مركبٍ واحد، ولا يُمكِن أن نصلَ إلى مرحلة التَّوقيع دُونَ المرور بمرحلةِ المناقشات، ثمَّ التَّفاوض لغرضِ الوصولِ إلى الأهداف المُخطَّط لهَا مطبِّقين كافَّة عناصر وسِمات التَّفاهمات الأوَّليَّة ضِمْن بوتقة المناقشات. فالمفاوضات والمناقشات هُمَا عمليَّتان مختلفتان على الرَّغم من أنَّهما يُمكِن أن يتداخلا في بعض الحالات.



 

واستنادًا إلى معجم «لسان العرب» لابن منظور، يُعرف النِّقاش هو عبارة عن حوار صحِّي بَيْنَ أكثر من طرفٍ حَوْلَ موضوعٍ أو أكثر بِغَضِّ النَّظر عن الاتِّفاق في وجهات النَّظر، ولكن ما يجمعهم هو محاولة الوصول إلى الحقيقة، أو حتَّى مجرَّد الحوار في حدِّ ذاته. أصْلُ كلمةِ المناقشة من الفعل نقَش الشَّيء أي الاهتمام وإظهار الشَّيء بأعلَى معاني التَّفاني والجَمال.. مِثال ذلك عِندما نقول «نقشة هذا القماش جميلة» وغيرها من الأمثلة.

 

المناقشة هي تبادُل الأفكار والمعلومات للوصولِ إلى فهمٍ أعمقَ أو لتوضيحِ وجهاتِ النَّظر، وغالبًا ما تركِّز عَلَيْها المدارس الدبلوماسيَّة لغرضِ التَّعرُّف على أفكار وآراء الطَّرف، سواء دبلوماسي أو رجال أعمال، لغرضِ الاستمرار بهدفِ الوصول إلى التَّفاوض، ثمَّ الاتِّفاق لِمَا فيه خير ومنفعة للطرفيْنِ. يُمكِن أن تكُونَ المناقشة فرصةً لاستكشافِ موضوعات مختلفة دُونَ البحثِ عن حلٍّ أو اتِّفاق، وتُركِّز على التَّبادُل الفكري فقط، وتقديم رؤى مختلفة وتحليل للقضايا والمُستجدَّات.. وأسلوبُ المناقشة مفتوح وأكثر حُريَّة في التَّعبير وأقلُّ رسميَّةً والتزامًا من التَّفاوض وهو غير مُقيَّد بهدفٍ، وإنَّما فقط أفكار وتفاهمات قد تكُونُ مختلفة ولا تصلُ إلى رؤية مشتركة، ولا تهدف بالضَّرورة إلى التَّوصُّل إلى تسويةٍ أو نتيجة مُحدَّدة. أمَّا التَّفاوض فهو يهدف إلى الوصولِ إلى اتِّفاق أو تسوية بَيْنَ الأطراف المتنازِعة أو المتفاوِضة. قد يتضمَّن ذلك تقديم تنازلات من كلا الجانبَيْنِ؛ للوصولِ إلى حلٍّ يُرضي الجميع، أو يتمُّ التَّأجيل لفترةٍ أخرى. وهناك وقتُ بدايةٍ ووقتُ نهايةٍ للتَّفاوض، وليس مِثل المناقشات حيثُ الوقتُ مفتوح وحسب رغبة الطَّرفيْنِ، كما يُركِّز التَّفاوض على الوصولِ إلى نتيجةٍ مُحدَّدة، مِثل عَقدِ صفقةٍ أو تسوية نزاع.. وغالبًا ما يكُونُ هناك طرفانِ أو أكثر يسعى كُلٌّ مِنْها لتحقيقِ أهدافه الخاصَّة.. وقد يكُونُ هناك طرفٌ ثالث بالمفاوضات كطرفٍ وسيط، ومكان يَتَّفق عَلَيْه جميع الأطراف (مكان محايد)، عكس المناقشات ليس هناك مكان محايد. ومن أهمِّ سِمات التَّفاوض أن يتضمَّنَ تبادُل العروض والطَّلبات، وقد يتطلب تقديم تنازلات أو تعديلات من الطرفيْنِ. يُمكِن أن يكُونَ هناك تفاوضٌ رسميٌّ أو غير رسمي، وقد يكُونُ هناك توقيع اتفاقيَّات بالأحرُف الأولى أو توقيع اتفاقيَّة نهائيَّة.

 

إنَّ جميع نظريَّات ومفاهيم التَّفاوض الَّتي تُدرَّس في الكُليَّات والمعاهد الدبلوماسيَّة في أغْلَبِ دوَل العالَم، وخصوصًا الغربيَّة مِنْها، تُركِّز كثيرًا على مبدأين أساسيَّيْنِ هُمَا (الاستراتيجيَّة والتَّكتيك) والَّتي تعتمد على التَّفاوض لجميع أنواعها. ولكن ليست هناك كُليَّات تدرِّس المناقشات العفويَّة الجادَّة أو عكسها. إنَّ أهمَّ مرتكزات الاستراتيجيَّة التَّفاوضيَّة هو أنَّها تُبنى على خريطة طريق ذات مُقوِّمات معلومة الأهداف مرسومة الأدوات والأساليب من قِبل هرَم الدَّولة؛ تماشيًا مع المصالح الوطنيَّة للبلد، بالإضافة إلى أنَّها تستند إلى الهدوء والحِكمة والتَّأنِّي في اتِّخاذ القرار وسعَة الصَّدر في تقبُّل الرَّأي الآخر بعيدًا عن التَّخندُق الحزبي والسِّياسي والدِّيني. إنَّ أهمَّ سِمات التَّفاوض هو التَّميُّز في إدارة الحديث بالأداء والطَّرح، لُغة الجسَد، نبرة الصَّوت وهدوء الأعصاب، الحنكة الكلاميَّة، بُعد النَّظر للموضوع، احتواء المقابلة والمطاولة والصَّبر في النِّقاش في الاجتماعات، الإلمام الكامل بكُلِّ مفردات الموضوع من ناحية عِلم اللُّغة القانوني العام وعِلم الكلمة وعِلم المعنى، لباقة اللِّسان والتَّوقُّف في الكلام عِند نقاط القوَّة في المفاوضات، الاستمرار بالتَّفاوض ضِمْن أدلَّة حقيقيَّة واقعيَّة ملموسة، أن تكُونَ لدَى المفاوِض القدرة الكافية على تحليل الطَّرف الثَّاني والرَّبط بَيْنَ المواضيع المطروحة للمناقشة، أن يكُونَ المفاوِض ذا عقليَّة لمَّاحة وأن يكُونَ سَلِسًا مَرِنًا ومع ذلك حاسمًا عِند اللُّزوم، وقَبل كُلِّ هذه السِّمات يجِبُ أن يكُونَ لدَى المفاوِض تخطيطٌ ودراسة مُسبقة للموضوع لغرضِ تحقيقِ أعلى المعايير.

 

وفي الختامِ، إنَّ عقليَّة المفاوِض تجعلُه يُفكِّر بدلَ الخصمِ، ويقوم بتحليل أفكاره والتَّنبُّؤ بما يريده الخصم، والتَّنبُّؤ بما يعتقد أنَّ الخصمَ يريدُه مِنَّا، ولكن عقليَّة الشَّخص المناقِش لا تحتاج إلى هذا التَّحليل بَيْنَ الأطراف المُتناقِشة حَوْلَ فكرة أو وجهة نظر مُعيَّنة.

 

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز