عاجل
الأربعاء 2 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
الشرق الأوسط والشر الأقصى!

الشرق الأوسط والشر الأقصى!

تكتب هذه السطور والمنطقة بأكملها تنتظر نجاح الجهود «المصرية- القطرية» المشتركة فى إنقاذ الهدنة فى قطاع غزة وتفويت فرصة الهروب إلى الأمام التي يريدها «نتنياهو» لإنقاذ وضعه فى الداخل الإسرائيلى وليس له سبيل إلاّ استمرار الحرب والصراع والدمار لكى يصل الشرق الأوسط إلى مرحلة الفوضى الكاملة، وهنا يسهل تمرير كل الأفكار؛ بل المخططات الرامية إلى شرق أوسط جديد بجغرافيا جديدة وأوزان نسبية جديدة تضمن التفوق الكاسح لإسرائيل على محيطها الإقليمى لمدة قرن من الزمان على أقل تقدير.. وهذا هو الشّر الأقصى الذي يجب على الشرق الأوسط أن يغلق أبوابه أمامه الآن.



 

أقول الشرق الأوسط متعمدًا لأن الأمر سيتجاوز المنطقة العربية وسيمتد إلى تركيا وإلى إيران.. القضية الفلسطينية وإن كانت تتصدر الاهتمام العالمى الآن لأبعاد مختلفة منذ خروج أفكار ترامب من مرحلة الخيال إلى مرحلة التصريح.. وما أحدثه التصريح من تباين حاد، والرفض القاطع من قِبَل مصر والسعودية والأردن، ثم المجموعة العربية والإسلامية بأكملها، وسريعًا ما وجد هذا التباين والرفض صداه الدولى فى أوروبا والصين وروسيا.. ولروسيا فصل سياسى حاضر فى الذهن الأمريكى يسعى لاحتوائها وفك الارتباط بينها وبين الصين التي تعد الخصم الاستراتيجى الأول فى هذه الحقبة الزمنية للولايات المتحدة.

ولكن.. السؤال: هل بالفعل تَفاجَأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمواقف مصر والأردن برفض تهجير أهل غزة وانتزاعهم من أرضهم؟.. هل تفاجَأ ساكن البيت الأبيض برفض السعودية التطبيع مع إسرائيل فى حال عدم قيام دولة فلسطينية؟

الإجابة قاطعة: «لا»، لم يتفاجَأ وكان يعرف رد الفعل المتوقع من مصر والعرب لأسباب كثيرة أبسطها تجربته السابقة فى إدارته الأولى عندما حاول تمرير ما يُعرَف بـ «صفقة القرن»، وقد أدرك حينها أن الأمر يشكل بالنسبة للأنظمة العربية كلها «شرعية وجودية» ومسؤولية تاريخية، وأن العلاقة بين الشارع العربى والحكومات والأنظمة العربية فيما يخص القضية الفلسطينية لها «عقد اجتماعى» منفصل.. كلما تم التمسك بثوابت الحق الفلسطينى وجدت الحكومات شعوبها سَندًا وعضدًا لها، والعكس صحيح وحاضر وللتاريخ فصول كثيرة فى هذا الأمر، وهو ما دفع أنظمة «خارج الإقليم العربى» لاستثمار خصوصية هذه القضية فى وجدان الشعوب للاتجار بها والسعى الدائم لامتلاك موطئ قدم فى هذا الملف وامتلاك «كروت» تساعد هذه الدول على ملفاتها التفاوضية مع الولايات المتحدة والغرب.

حسنًا إذا كان الأمر كذلك فماذا أراد ترامب من هذه الصدمة؟

من الصعب التعرف على ما يدور فى عقل ترامب، لكن من السهل قراءة الأبعاد الواضحة فى شخصيته وهى «الهجوم الدائم» و«الإنكار الدائم» و«عدم الاعتراف بالهزيمة».

خذ هذه المحدّدات ستجدها مدخلاً لمنهج ترامب فى التفاوض وهو «الضغط المستمر» و«إلقاء عبء إيجاد حلول على الأطراف الأخرى» بهدف تحقيق مطلب ليس مطروحًا على طاولة التفاوض وهو «فن الصفقة»، وهو المنهج التكوينى لترامب الذي يبتعد تمامًا عن الأطر السياسية المعروفة.

وإذا أخذنا هذه المحدّدات للشخصية وانعكاسها على منهج التفاوض؛ فقد يكون هدف ترامب الحقيقى هو ما تم رفضه فى «صفقة القرن».

لقد رفضت مصر ورفض العرب فى إدارة ترامب الأولى مقترحه بأن «تبتلع» إسرائيل الضفة الغربية و«القدس» وأن يكون للفلسطينيين بعض الأجزاء الخارجية للقدس مع بعض أجزاء الضفة مربوطة بجسر مع قطاع غزة، وتعلن دولة فلسطينية منزوعة السيادة.

وبموجب هذه «الصفقة المسمومة» ستكون هناك حركة قوية لرءوس الأموال حسبتها شركات ترامب التي انتقلت إلى البيت الأبيض بنحو 50 بليون دولار من أجل 179 مشروعًا، وقد تضاعف الرقم الآن بعد الخراب والدمار الذي لحق بقطاع غزة من جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، وما كان يراه ترامب صعبًا فى فترة حكمه الأولى يعتقد الآن أنه وارد التنفيذ؛ وبخاصة ما يتعلق بنزع سلاح «حركة حماس» أو قُل المقاومة بشكل عام.

وصفقة الأسلحة الأخيرة التي منحتها أمريكا إلى إسرائيل وقوة القنابل الذكية التي حصل عليها جيش الاحتلال تستهدف الوصول إلى أعماق الأرض بما يحقق ما فشل فيه نتنياهو خلال حرب الإبادة.

وجد ترامب غايته فى تطرُّف نتنياهو وهو يعلم أن المسار الراهن يصب مباشرة فى مصلحة قوى الفوضى والتطرف ويعيد تحكم إيران فى عدد من الأوراق، وهو ما يُعزّز الجحيم الإقليمى الذي سيدفع الإقليم إلى فوضى شاملة يسهل من خلالها تمرير ما يتم رفضه الآن.

هذا الخيال «الترامبى» وإن كان اصطدم بالموقف المصري والعربى المشرّف والإدارة التاريخية الوطنية بامتياز للرئيس السيسي لأبعاد الأزمة بهدوء وحكمة وثقة.

فضلاً عن الحسم السعودى الذي جاء فى توقيته منذ بداية الأزمة..

فإنه سيصطدم بالدولة العميقة فى الولايات المتحدة التي لن تضحى بإرثها فى مقابل أحلام ساكن البيت الأبيض. 

.. وللحديث بقية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز