![البنك الاهلي البنك الاهلي](/UserFiles/Ads/8372.jpg)
![لغة الكاميرا والتوثيق المعاصر.. المهرجان القومي للمسرح 2024](/Userfiles/Writers/5271.jpg)
د. حسام عطا
لغة الكاميرا والتوثيق المعاصر.. المهرجان القومي للمسرح 2024
مجموعات كبيرة هم قوة جديدة في المسرح المصري، راكموا خبرات تعليمية وجمالية وفكرية خاصة جدا، تدفعهم طاقة الشباب والرغبة في الإبداع إلى عالم المسرح وهم يحضرون بقوة إلى المشهد المسرحي، تجمعهم صفات مشتركة ما بين الفرق الحرة والمستقلة والتي تقدم نوعا من التعبير الحركي وهو عرض آخر ساعة قبل النوم، ثم عرض أرتيست تأليف وإخراج محمد زكي، وهو يتحدث عن حياة ومعاناة فنان، وغيرها من الاختبارات والمقتربات الجادة لفن المسرح، ومنها الأشجار تموت واقفة تأليف أليخاندرو كاسونا دراماتورج وإخراج مهند محسن الدسوقي.
كما يهتم المسرح الخاص أيضاً بالاقتراب الجمالي من الفنون المسرحية في الجريمة البيضاء ليسري حسان، بينما يرتفع طموح إبراهيم الفرن في فرقة ثقافة الأنفوشي نحو الحضيض لمكسيم چوركي، وتظهر أصوات جديدة واعدة في التأليف والإخراج لتعبر عن نفسها في مسرحية السد تأليف إسراء محبوب وإخراج محمد عفيفي، وعرض النقطة العميا الذي ذهب أيضا لمعالجة العطب وهي ذات الرواية القصيرة التي عالجتها مسرحية الجريمة البيضا، وتجربة لافتة للانتباه في التفاعل مع الشارع المصري في أوبرا العتبة وهي من كتابة وإخراج هاني عفيفي.
وتذهب فرقة مستقلة نحو كارل تشرشل في ضد النسيان، وهي كاتبة بريطانية لا تزال معاصرة، كما يذهب أحمد زكي بقصر ثقافة مدينة السلام إلى طقوس الإشارات والتحولات للمسرحي المؤلف العربي الكبير سعد الله ونوس. وغيرها من العروض التي يبرز بينها عرض القومي لعلي الحجار ورانيا فريد شوقي كأحد أهم الحضور لنجوم التمثيل في المهرجان وهو عرض خارج التسابق كما أعلن مخرجه. والملاحظة الأساسية أن القوة الجديدة في المسرح المصري تحضر بقوة، وتواصل الاهتمامات الجادة جماليــــــــا وفكريــــــــا بالأنواع المتعـــددة للمسرح.
في نوعه المصري المؤلف طازجاً، وفي الارتجال والذهاب للشارع، وفي الاهتمام بالنصوص الكبرى في المسرح العربي والعالمي، وفي تعدد جهات الإنتاج.
ولا شك أن هذا الاهتمام وذلك المسرح كما نعرفه هو استمرار لمسيرة أجيال عديدة، ولهذا نأمل دعماً لهذا الجيل الجديد القابض على جمر الإبداع أن يحصل على عوائد مناسبة من المتابعة الإعلامية حتى يستمر، مع إعادة النظر في حزمة من العوائد الماديـــــــة اللازمة لاستمرار هذه الطاقات في القدرة على العـطـــــاء. والتي ذكرت بعضاً منها، إلا أنه بمراجعة العروض المشاركة في المهرجان يمكن أن نراها بالفعل تسير في هذا الاتجاه الدافع للأمل. وفي إطار التفكير الثقافي يبدو المهرجان بزخمه وتعدد عروضه معرضا عاما للإنتاج المسرحي المنتمي للفنون المسرحية، والمعبر عن جيل جديد وقوة جديدة تأتي إلى المسرح، ولذلك فربما يمكن لوزارة الثقافة الاستفادة من هذا الإنتاج بسفره لجميع أقاليم مصر بالتبادل، كما يمكن أن تستمر العروض الفائزة في المسابقة الرسمية للمهرجان في موسم مسرحي قصير يسمى موسم عروض الجوائز، حتى تحظى تلك العروض بمشاهدات أكبر لصالح الجمهور العام، ولصالح ذلك النوع المسرحي وصناعه.
أما أكثر ما يدفع للمناقشة المتفائلة فهو الخبر الذي جاء في سياق عمل المهرجان بأن قناة الحياة تقوم بتصوير عروض المهرجان بشكل منتظم تمهيداً لعرضها وهو الأمر نادر الحدوث، حيث إن معظم الأنواع المسرحية المعروضة على الشاشة بعيدة عن المسرح بمعناه الجمالي والمعرفي، وهي تقوم على الضحك الخشن في معظمها وعلى الحبكات المسرحية البسيطة والتي لا يبقى منها أثر إلا أثر الضحك الذي يذهب سريعا.
وفي مسألة تصوير عروض المهرجان تفكير يحترم فكرة التوثيق ومسألة التفاعل مع الشاشات المتعددة، والمنصة الإلكترونية لوزارة الثقافة، والتي كانت فاعلة في فترة الإغلاق مع كوفيد 19 والتي نتمنى استعادة فاعليتها مجددا، كما أن التصوير يمثل الحفاظ على ثروة إبداعية لا تذهب إلى الصمت بعد إغلاق الستار.
وهذا التفكير وهو تصوير العروض المسرحية الجميلة بالمعنى النقدي يجب أن يمتد بشكل منتظم إلى عروض المسرح المصري بوزارة الثقافة طوال العام، إذ لا يجب انقطاع أثر العرض دون توثيقه وتصويره احترافيا ليبقى في ذاكرة الإبداع المسرحي المصري.
وفي هذا الأمر أي مسألة تصوير العروض المسرحية يجب الانتباه لملاحظتين أساسيتين تشكلان لي نوعا من الأرق النقدي المستمر، وأود الإشارة لهما بوضوح أما الملاحظة الأولى فهي ذات صلة بالعلاقة التاريخية للمسرحيات الشهيرة المصورة لعميد المسرح العربي يوسف وهبي، والتي أنجزت طابعاً إبداعياً في نسختها التليفزيونية، ولعل أبرز المخرجين المصريين الذين تجاوزوا مسألة نقلها للتليفزيون إلى علاقة بين لغة المسرح ولغة الشاشة هو المخرج الكبير الراحل منير التوني، الذي يجب أيضا تأمل إبداعه التراكمي في هذا المجال لأعمال الراحل المخرج الكبير كرم مطاوع، وهو أمر يستحق الدراسة لأن تصوير المسرح في مصر بدأ متأثراً مع جيل يوسف وهبي ومع حضور جيل الحداثة في الستينيات، بتجربة السير لورنس أوليفييه في تصوير مسرحياته وخاصة الشكسبيرات في بلاتوه هيئة الإذاعة البريطانية. B.B.C. مما يؤكد أننا نشهد تراجعا في المخرج المختص في تصوير الأعمال المسرحية، والتي يتم تصويرها بطريقة نقلها لكم، بينما أنجز محمد فاضل وحسين كمال وشكري أبو عميرة خطوات جمالية وتقنية يجب تأملها والبناء عليها في مسألة تصوير المسرح للتليفزيون.
أما الملاحظة الثانية فهي متعلقة بالمتغيرات المعاصرة في تكنولوجيا التصوير والكاميرات الرقمية وقدرتها المذهلة على التصوير من كل الزوايا وبدقة وبسهولة متناهية، مما يجعلنا مدفوعين وفقا للإتاحة التكنولوجية إلى تأمل العلاقة بين المسرح والكاميرا مجدداً، بالعودة لتفسير معاصر ممكن لمشروع المسرحية المؤفلمة أو المسرح في البلاتوه، والذي أطلقه خيال لورنس أوليفييه منذ سنوات بعيدة وعبر إرادة قوية تحدت الإمكانيات البسيطة آنذاك، وهي مسألة مبدعة جاءت لعقله الإبداعي لكونه أحد القلائل الكبار الذين جمعوا بين العمل في المسرح والسينما معاً.
وما يتبقـــى من تجربته المسرح في البلاتـــــوه هي في جوهـــــــر علاقة الكاميــــــرا بالمشهــــــد المسرحــــــي. هو ذلك الاهتمام القديم الذي يجب العودة إليه في ظل الإتاحات الهائلة التي حضرت مع الكاميرات وتقنيات التوليف الرقمية.
وفي ذلك يحب التذكرة وتجديد الإشارة للباب الكبير المفتوح في علاقة الكاميرا بالمشهد المسرحي، حيث مقدرة الكاميرا على نقل التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن لعين المتفرج أن تراها من صالة العرض المسرحي، بينما يمنح المسرح حيوية اللقاء المباشر بين الجمهور والممثل، والقدرة على صناعة التكوين المشهدي في الصورة المسرحيــة.
يبقى أيضاً في إطار دعم القوة الجديدة التي تحضر للمسرح المصري أن أشير إلى ضرورة إذاعة تلك العروض والترويح الإعلامي لها قبل عرضها على الجمهور العام، مع مناقشة نقدية عقب عرض العمل على الشاشة لاستعادة العلاقة بين المسرح والجمهور، أقصد ذلك النوع المسرحي المعرفي الجمالي، ولاستعادة دور النقد على نطاق جماهيري في شرح وتحليل وفهم المسرح الذي يستحقه جمهور مصر العظيم وجمهور الوطن العربي، وذلك حتى تعم الفائدة، وحتى لا يضيع جهد وإبداع وطاقة الجدد في أيام محدودة متتالية، ثم يذهب أدراج الرياح.
وكل التقدير للجهود المخلصة الساعية نحو الحفاظ على دور المسرح المصري التاريخي، سعيـــا نحــــو الحاضـــــــر الحي والمستقبل الأفضـــــــل.