عاجل
السبت 24 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

"فورين بوليسي": إعادة توزيع القوى العالمية لصالح الشرق يؤشر لعصر جديد في العلاقة بين أوروبا وآسيا

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن النمو السريع للاقتصادات الآسيوية وإعادة توزيع القوى العالمية لصالح الشرق يؤشر لعصر جديد في العلاقة بين أوروبا وآسيا، خاصة وأن ما بدأ كتحول في القوة الاقتصادية لصالح آسيا يمتد الآن إلى المجالات الجيوسياسية والعسكرية والتكنولوجية.



 

ورأت المجلة أن أوروبا أصبحت بالفعل مسرحا عسكريا للجهات الفاعلة الآسيوية، حيث إن عمليات التسليم واسعة النطاق للطائرات بدون طيار والذخيرة ومكونات الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية والصين تساعد روسيا في قتال القوات الأوكرانية، فيما تفيد تقارير عن وجود مستشارين عسكريين إيرانيين على الأرض في أوكرانيا، على الرغم من أن الحكومة الإيرانية تنفي ذلك . كما تعد بكين –وفقا للمجلة- من أكبر المؤيدين لجهود موسكو الحربية اقتصاديا، ومن خلال تسليمها مكونات أسلحة، حتى وإن كانت حريصة حتى الآن على تجنب العقوبات الغربية.

 

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه خلال الأسبوع الماضي، وصل جنود صينيون إلى غرب بيلاروسيا، على بعد أميال قليلة فقط من حدود بولندا - الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)- للمشاركة لمدة 11 يوما في تدريبات عسكرية مشتركة مع بيلاروسيا يطلق عليها اسم هجوم النسر 2024، وهو ما تعتبره المجلة طموحات عسكرية لبكين في أوروبا تتحرك نحو تحقيقها ببطء وثبات.

 

ولفتت إلى أن حقيقة مشاركة القوات الصينية، لأول مرة، في مناورات على بعد أميال قليلة فقط من الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي، تؤكد مدى تبادل أوروبا وآسيا للمواقع، حيث أصبحت أوروبا هدفا استراتيجيا لآسيا. ومع تزايد قوة الصين والهند وغيرهما من الدول الآسيوية الصاعدة، فإن هذه الدول ترى على نحو متزايد أوروبا باعتبارها مسرحا لطموحاتها الجيوسياسية.

 

وترى "فورين بوليسي" أنه مع اضطراب الاتحاد الأوروبي بسبب الانقسامات الداخلية وفشله في العمل كفاعل استراتيجي متماسك في مواجهة الحروب والصراعات المتعددة في منطقته، فقد انقلبت الطاولة، بمعنى أنه في حين كانت القوى الآسيوية الضعيفة ذات يوم هدفا استراتيجيا لأوروبا، فسوف ينعكس الأمر الآن.

 

ودللت على أن قوة وتأثير آسيا ودولها في مقابل تراجع أوروبا، تجلى مؤخرا في لجوء العديد من القادة الأوروبيين ــ الذين فشلوا (على حد وصف المجلة) في منع ووقف غزو روسيا لأوكرانيا ــ إلى الرئيس الصيني شي جين بينج على أمل أن يقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنهاء حربه. والواقع أن "شي"، الذي تم استقباله بحفاوة بالغة في باريس وبلجراد وبودابست في وقت سابق من هذا العام، يتلذذ –وفقا للمجلة- بقدرته على اللعب على جانبي الحرب في أوروبا. ولكن ما يدركه الزعيم الصيني بوضوح هو أن مساعدة موسكو على النجاح في أوكرانيا وأماكن أخرى في أوروبا من شأنه أن يسهل على بكين تأمين التفوق في آسيا. كما أنه إذا كان الغرب مقيدا بالتهديد الروسي في أوروبا، فإن قدرته على الوقوف في وجه التحدي الصيني في آسيا سوف تتضاءل حتما. 

 

وبالنسبة لدولة آسيوية كبرى أخرى كالهند، فإنها لم تدن الغزو الروسي، وبدلا من الاصطفاف مع الغرب بشأن أوكرانيا، ظلت نيودلهي توبخ أوروبا على افتقارها إلى فهم مخاوف نيودلهي، واستمرت في شراء ومعالجة كميات كبيرة من النفط الروسي (وإعادة بيع جزء منه إلى أوروبا) في إطار تعزيز تعاونها وعلاقاتها مع موسكو.

 

ونبهت المجلة إلى أنه رغم ذلك، فإن مصلحة الهند في أوروبا تختلف عن مصلحة الصين. فنيودلهي تعتبر أوروبا شريكا مستقبليا للتعاون الاقتصادي والاستراتيجي ــ وهي لا ترغب في رؤية أوروبا منفصلة عن واشنطن أو ضعف أي منهما، حيث تحتاج إلى القوتين لتحقيق التوازن مع الصين في آسيا. وفي الوقت نفسه، تنظر نيودلهي إلى موسكو باعتبارها عنصرا مهما في التوازن الجيوسياسي في آسيا. 

 

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه في حين كانت "فرق تسد" القاعدة القديمة التي تبنتها القوى الاستعمارية الأوروبية لفرض سيطرتها على آسيا، فالملاحظ أن القوى العظمى في آسيا بدأت اليوم تتعلم هي الأخرى فن استكشاف خطوط الصدع الأوروبية، لتحقيق تطلعاتها في القارة العجوز.

وأكدت المجلة أن مشاركة آسيا في أوروبا ليست جديدة، حيث لعب الآسيويين دورا رئيسيا في الصراعات الأوروبية التي تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر. وعلى النقيض من الماضي، لن تكون آسيا مجرد أداة سلبية تستخدمها أوروبا كما حدث في الماضي. والواقع يشير إلى أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا كشفت حقيقة أن أوروبا تكافح حاليا للتعامل مع الانحدار الديموغرافي، وتقلص الجيوش، وتراجع قوة الإرادة، مما يجعل مشاركة الدول الآسيوية في الأمن الأوروبي في المستقبل أكثر ترجيحا، ولكن مع مراعاة مصالح آسيا الاستراتيجية.

 

ووفقا لـ "فورين بوليسي" فإن الطموحات الجيوسياسية لآسيا في أوروبا وحولها تمتد إلى ما هو أبعد كثيرا من أوكرانيا. فعلى سبيل المثال، تلعب إيران ودول أخرى دورا متناميا في جنوب القوقاز، وشرق البحر الأبيض المتوسط، والقرن الأفريقي. كما تعمل رؤوس الأموال الصينية وغيرها فضلا عن المرتزقة الروس بسرعة على طرد الفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين من معاقلهم الاستعمارية السابقة في أفريقيا، وهو الأمر الذي يستدعي التنبه له، وعدم الاستخفاف به.

 

وفي هذا الصدد، حذرت المجلة الأمريكية من أن أوروبا لديها تقليد طويل من الاستخفاف بآسيا. فعلى سبيل المثال، في كتابه الصادر عام 1968 بعنوان "الدراما الآسيوية: تحقيق في فقر الأمم"، زعم الباحث السويدي جونار ميردال أن آسيا لا تستطيع أن تتطور اقتصادياً في ظل قيود بنيوية متعددة. وبعد أقل من عقدين من الزمان، أصبح صعود آسيا الاقتصادي واحدا من أكثر الاتجاهات العالمية تأثيرا.وأصبحت آسيا حاليا متصدرة في إنتاج أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية. كما أن قارة أوروبا تأخرت عن آسيا في مجال الإبداع وتتخلف عنها في إنتاج بعض السلع التكنولوجية المتقدمة. 

 

وعليه، فإن خيارات تعامل أوروبا مع آسيا مرتبطة في الأساس بتخلص أوروبا من استعلائها التاريخي على الشرق واحترام صعود القوى الآسيوية، مع ضرورة إدراكها أن آسيا حاليا ليست موحدة، وأن الانقسامات والمواجهات الصريحة هناك كثيرة ــ بما في ذلك بين الصين واليابان، وكوريا الجنوبية واليابان، وفيتنام والصين، وكمبوديا وفيتنام، والهند والصين، ويجب عليها التعامل مع ذلك بحكمة إذا أرادت استعادة مكانتها على رقعة الشطرنج العالمية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز