د. عادل القليعي
تناغم النفس مع الروح!
كثيرا ما يخلو الإنسان مع نفسه منفردا محاولا قدر استطاعته أن يحقق تناغما وجوديا بين نفسه وروحه، محلقا في رحاب فضاء ينطلق خلاله من عالم الملك إلى عالم الملكوت يغيب عن كل شيء ماديا حوله مدركا ذاته متحصنا هبات صفائية نورانية، فتفيض عليه فيوضات الباري فيحدث مراده، ويحدث هذا التعانق بين النفس والروح، فالنفس طبيعتها تواقة إلى عالم الأرواح، أبدا تحن إليكم الأرواح، ووصالكم ريحانها والراح.
فقد صدق الشيخ الرئيس ابن سينا عندما قال، هبطت إليك من المحل الاأفع، ورقاء ذات من أنت إنسان كم عمرك عمري لا يعد بحركات الزمان ودوران الأفلاك، وإنما بما فعلته في الزمان وما فعله بي الزمان. أين موطنك في كل قلوب العارفين ، في كل قلوب المحبين ، في كل ضمير حي موطني. ديانتك أدين بدين الحب أنا توجهت ركائبه ، فالدين ديني والإيمان إيماني ثقافتك وهل ثم فرق بين فكرك وثقافتك نعم ثقافتي قارئ جيد يحاول فهم حقيقة الأشياء، يحاول فهم طبيعة وسيكلوجية الإنسان ، يحاول فك طلسم الوجود المادي لينطلق منه إلى الوجود الحق. ثم فرق بين المفكر والمثقف ، المثقف يحاول الفهم . أما المفكر يحاول الإدراك والاستفسار ليخرج بمعادلة كونية تستقيم بها حياتنا المعيشة. طموحاتك وأحلامك. طموحاتي وأحلامي، أن نحقق تصالحا إنسانيا مع بني إنسان، أن نرقى بفكرنا لنصل من خلاله إلى الإدراك، إدارك العالم المفارق، عالم الحق، الخير، الجمال، لنتحققه ونتمثله ونعود إلى ذواتنا محملين بهذه القيم بغية تطبيقها في واقع قد يظن البعض أنه مأزوم مهزوم، انسحق فيه الإنسان، الذي يسلم بذلك عليه أن يراجع نفسه مرات ومرات، وإلا فلتغادر ذاته ذاته ويتجرد من إنسانيته، لماذا، لأنه مجرد حصوله على هذا اللقب إنسان أصبح إنسانا لابد أن تتجسد فيه جميع خصال الإنسانية وليخرجها لتمشي على الأرض بين بني جنسه محاولا إصلاح ما يراه من خلل، يرأب جميع الشروحات والتصدعات التي أصابت الإنسانية ، من أنانية مفرطة، سلبية، لا مبالاة، إمعية انقيادية ، فلا ينبغي لانسان كرمه الله تعالى وأهداه نعما كثيرة واهمها العقل والإرادة أن يكون مسلوبا الإرادة ، مقهور ، منسحق قيميا واقعا في براثن الخطايا والرذائل.
طموحاتي أن يفهم الجميع معنى الصديق والصداقة المبرأة من كل زيف وخداع والمنزهة عن كل نقص وشائبة، صداقة مودة ومحبة واخاء وإخلاص، صداقة لا تزول بزوال المؤثر، أقصد لا تقوم على المصلحة والمنفعة، صداقة خالصة لله تعالى.
طموحاتي نشر الفكر والثقافة في ربوع العالمين، نشر العلم الذي ينمحي معه الجهل، نشر النور في أرجاء المعمورة الذين ينير الدروب والطرقات ويحول الظلام ، ظلمات الجهالة إلى النور.
طموحاتي تحقيق العدالة والإخاء والمساواة وإعلاء جميع القيم الإنسانية وأهمها قيمة المحبة، فالإله محبة، فلماذ لا نحب بعضنا بعضا ، لماذا لا نطرد الكره من نفوسنا، نطرح الحقد والحسد والضغينة أرضا، لماذا لا نطرد النفاق من حياتنا، لماذا لا نكون جميعا عباد الله إخوة متحابين متواصلين يكشف كل منا لأخيه ما يدور بخلده وينقي سريرته ، لماذا لا نحقق تواصلا فكريا تواصلا دينيا، تواصلا سياسيا ، لماذا لا يكشف بعضنا لبعض الحجب. طموحاتي كثيرة ولكنها ليست شخصية حتى وإن كانت شخصية فهي مشروعة. طموحاتي أن نرقى ونرقى إلى أعلى مراتب الرقي الرباني الذي يحدث معه السعادة الأزلية التي لا تنقطع أبدا، سعادة تتحقق من خلالها فضيلة الرضا. نعم طموحاتي كثيرة لا تتوقف لماذا، لأني إنسان والإنسان بطبيعته السعي الدءووب نحو تحقيق هدفه سواء هدف فردي أو هدف جماعي لأنه بطبيعته ينفر من حياة العزلة ويحب أن يحيا في جماعة من خلالها يمارس نشاطاته المختلفة. لأني إنسان يود أن تعانق ذاته روحه في تصالح سرمدي طموحاتي أن أصل بفكري وإن كان طموحا شخصيا ولكن شخصانيته تتخللها مصلحة عامة، طموحي أن أصل بفكري الإسلامي الوسطي الحر المستنير إلى العالمية، ونشر هذا الفكر في كل الدنيا ليعلم الجميع أن ديننا دين محبة وسلام وتسامح ، دين قيم لم ينتشر يوما بحد سيف وإنما دعوتنا سلام وتحيتنا سلام.
طموحي أن يصل فكري إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا وامريكا وأن خطاباتنا وتجديدنا الديني مبناه الأساسي العقل لأن الله تعالى أمرنا بالتعقل والاعتبار وقبول الآخر والتعامل معه دون حقد أو خطابات كراهية أو عنصرية بما يدحض فريات بعض الغرب من القول بالإسلاموفوبيا، فديننا يرفض الإرهاب الأسود الغاشم بكل صوره، بل ويدافع بكل ما أوتي من قوة سواء قوة إيمانية نقلية متمثلة في القرآن والسنة، مدعومين بقوة العقل، عن حرية الإعتقاد وحرية الدين، والأديان جميعا لله والأوطان للجميع. (أفانت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين) (لا إكراه فى الدين) وها هو رسولنا الأعظم ماذا فعل مع كفار مكة ، قال قولته المتسامحة التي أصلت لقيمة التسامح، اذهبوا فأنتم الطلقاء. وها هو أحد الصحابة في فتح مكة يقول اليوم يوم الملحمة، اليوم يوم المعركة، ويرد النبي ﷺ ، بل اليوم يوم المرحمة. فديننا دين الرحمة والمغفرة والعفو عند المقدرة. هل هناك أسئلة تود طرحها حتى تحدث المعانقة نعم أخبرني يا أنا كيف تقضي يومك. نعم أقضي يومي كائنا بسيطا لا تظنون أني أقضي يومي ناسكا متعبدا، فتارة ناسكا متعبدا، وأخرى بين كتبي ومكتبتي وتارة ثالثة لاهيا، ورابعة قلقا متحيرا، قلق وجودي ينتباني ،وخوف من المجهول، خوف من الموت، درست وبحثت وكتبت في فلسفة الموت ، وأدركت وتيقنت أن الموت تمهيدا لحياة أخرى لا ندريها هل سنفوز فيها، أم سنخسر.
أقضى يومي متأملا دوما شاخصا ببصري إلى السماء لعلني أجد ضآلتي المنشودة، وهي الحقيقة حقيقة الإيمان، حقيقة القلب، حقيقة العقل، حقيقة العواطف وكيف قسمها الإله، حقيقة هذا الوجود في صيرورته، في تحوله. اقضى بعض يومي متأملا فى هذه الملهاة الكوميدية، التراجيدية ، أراقب وجوه بني جنسي إذا ما ضحكوا وعلت أصواتهم بالضحك على ما تضحكون، متعجبا كل هذه الهموم المحيطة بكم وتضحكون، حقا الإنسان يجمع في وقت واحد بين الضحك والبكاء، الحب والكره، الخير والشر، الحسن والقبح ، الجميل والجليل، كما أنت متناقض أيها الإنسان. ويبقى السؤال هل من الممكن فك شفيرة المعادلة الصعبة؟! هل من الممكن تعانق الذات مع الروح؟!
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان