عاجل
الجمعة 7 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مصر للبترول
مصر للبترول
مصر للبترول
مصر للبترول
البنك الاهلي
إحياء التراث.. أيام العز على مسرح البالون

إحياء التراث.. أيام العز على مسرح البالون

بعد مرور سنوات طوال على غياب فن الأوبريت عن المسرح المصري، يعود الفنان الشامل د. عبد الله سعد إلى التراث المسرحي المصري ليستخرج منه قطعة فنية ثمينة هي أوبريت أيام العز، الذي كتبه بديع خيري عام 1924 ولحنه الموسيقي المصري داود حسني.



ليضيء مسرح البالون مجدداً بنوع فني رفيع المستوى يعيد إحياء التراث في قالب معاصر. والأوبريت فن يناسب الذائقة المصرية التي تحب الجمع والمزج بين الموسيقى والرقص والغناء والتمثيل، ويضيف الأوبريت إلى نوعه المتميز صفة أخرى مستقرة لدى الذائقة المصرية أيضاً وهي الحس المرح.

وقد حقق الأوبريت على يد الشوام والمصريين والشوام المتمصرين، جاذبية كبيرة في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر في بيروت ودمشق ثم ازدهاره التاريخي في القاهرة حتى نهايات النصف الأول من القرن العشرين وصولاً لتطوره التعبيري والفني ودوره الوطني مع خالد الذكر سيد درويش.

أما نشأته الأصلية فقد كانت في أوروبا كما هو معروف كتصغير مرح وذكي وساخر لفن الأوبرا، وهو ما أصطلح عليه بالأوبريتا Operetta وتمت إعادة تسميته بالأوبريت في العربية كما هو متعارف عليه.

وهكذا وبعد عمل أكاديمي منتظم في كل من المعهد العالي للكونسرفاتوار والمعهد العالي للفنون المسرحية في مزج نادر بين الفنون المتداخلة يحقق عبد الله سعد نموذجاً تطبيقياً لتعدد الاهتمامات والمواهب ذات الصلة، فهو ممثل له أعمال تليق بصفته الأكاديمية وهي عديدة وأبرزها فيلم أمير الظلام مع الفنان الكبير عادل إمام وهي أحد أهم المغنيين في الأوبرا المصرية وغنى حول العالم، وأيضاً تخصص تخصصاً نادراً في الإخراج الأوبرالي، وأخرج عدداً من الأوبرات المتنوعة أبرزها أوبراً عايدة والتي قدمها مرات عديدة في مصر، كانت أحدثها 2018 على مسرح أبي الهول بسفح الأهرامات. 

كما أخرجها في إسبانيا لتعرض في مدريد وبلباو وبرشلونة 2007. 

وقدمها في الفضاء المفتوح 2011 في روما. وها هو يواصل مشواره الإبداعي نحو جمهور مختلف عن جمهور الأوبرا، في مسرح البالون ليذكرنا بجمال وأناقة وعمق بساطة تراثنا المسرحي المصري.

ومواصلاً دوره في الجمع بين العمل الأكاديمي بأكاديمية الفنون، مع العمل الإبداعي الميداني دالاً على طموح هذا الجيل ومساراته المهنية رفيعة المستوى.

وأيام العز هي تعبير عن عمق فهم الشاعر الكبير بديع خيري للنوع الأوروبي بعد إعادة إنتاجه عبر الذائقة الشعبية المصرية لتأتي في حبكة عاطفية ساخرة مبهجة ذات نهاية سعيدة. 

وتدور الأحداث حول قصة حب بين نور الدين أبن الثعلبي أحد الأعيان في زمن سلطان من سلاطين النصف الأول من القرن العشرين، وبما يعبر عن عشرينياته المصرية والتي كانت ظاهرة بوضوح في مفردات الشعر المغني ببساطته وسحره وعمقه وإنسانيته، وهذا هو بديع خيري العلامة التي يجب إعادة تأملها في الشعر المسرحي المعاصر، وبين حورية أبنة قاضي قضاة السلطنة، والتي يريد والدها أن يزوجها لأبن عمها، مما يهدد قصة الحب الجميلة، يمرض نور الدين باليأس وكذلك حورية، وبينما تتصاعد الأحداث عبر شخصية الحلاق وصبيه والذي يستخدمه نور الدين للتسلل إلى حرملك القاضي عبر مرسال هو جارية حورية. تتقاطع العلاقات مع وجود ليلى الجارية الجميلة التي اشتراها الثعلبي لتخرج نور الدين من حزنه، بينما طلبها السلطان كي يهديها جارية لأبنة القاضي، ومع المفارقات والقبض على نور الدين والحلاق وهروبهما وذهابهما للغابة وانتصارهما على العصابة وعلى سرحان الذي يدعي الشجاعة، وهو أبن أخ القاضي والد حورية، وتتصاعد الأحداث ليتم حل العقدة في قصر السلطان الذي ينتصر للحب ويزوج نور الدين لحورية، بينما يتزوج الحلاق من ليلى الجارية التي أحبته أثناء سير الأحداث. 

وتظهر في المسرحية مقدرة على صناعة حبكة بسيطة ذات إيقاع متصل يسمح بمشاهد تمثيلية تفصل ما بين المشاهد الغنائية التي لا تزال معاصرة برغم أن المبدع داوود حسني قد أنجزها في القرن الماضي.

ثم يأتي توزيع جديد لألحان الرائع الرائد داوود حسني على يد الموسيقار الكبير منير الوسيمي والذي بدأ عمله في الفن بالمسرح، وله في الدراما الموسيقية تاريخ حافل من المسرحيات التجريبية إلى أعمال كبار المخرجين بمسرح الدولة والقطاع الخاص عندما كان مزدهرا.

وقد تجاهل منير الوسيمي خبرته بالآلات الشعبية والموسيقى الشرقية، وذهب نحو التوزيع الأوركسترالي معتمداً على مجموعة النفخ النغمية الغربية تاركاً الحس الشرقي الشعبي للأصل التراثي مما أضفى مزجاً جديداً على الألحان الغنائية للأوبريت. 

وهو تفكير موسيقي طموح يعبر عن حقيقية منير الوسيمي الإبداعية المتجددة. ثم يلجأ مصمم المناظر محمد الغرباوي إلى صياغة تشكيلية تجمع ما بين الواقعية والصياغة الجمالية، وتستخدم المناظر المطبوعة، في رؤية تشكيلية ذات طابع معاصر، ولكن تبقى معالجة مشكلة الفراغ المسرحي الكبير لمسرح البالون، باستخدام المسرح كاملاً في كل المناظر، وهي المسألة المرتبطة برؤية المخرج.  والتي ربما كانت يمكن أن تكون أكثر يسراً إذا ما قام بتقسيم خشبة المسرح إلى أماكن متعددة، والاقتراب أكثر من الجمهور، كي تكون المشاهدة أكثر حميمية وهي المسألة الحرجة التي يجب الانتباه إليها عند تصميم المشاهد إخراجياً في مثل الفراغات المسرحية الكبيرة كمسرح البالون، مما يجعل المساحات الأكثر تحديداً قابلة لحيوية الزخم المشهدي في الاستعراضات وحركة الممثل وقدرات الإضاءة ودفء الاقتراب من صالة الجمهور، والتي تساهم في تدفق الإيقاع المسرحي. 

يبقى هذا العرض لفرقة أنغام الشباب ومديرها الفنان ماهر عبيد خطوة مهمة نحو استعادة التراث المسرحي المصري الغنائي الاستعراضي، وهو تفكير علمي وإبداعي للمخرج د. عبدالله سعد، ومجموعة العمل مروة عودة في الأزياء، إضاءة رضا إبراهيم، ومصمم الاستعراضات حسن شحاتة، كما يأتي العرض دالاً على أن مصر قادرة دوماً على أن تقدم الطاقات الشابة الجديدة التي تتحمل جهد النوع المسرحي الغنائي الاستعراضي والإبداع فيه وهم عزت غانم في دور الحلاق ومحمد صلاح في دور نور الدين وندى ماهر في دور ليلى وهي وجه جديد مبشر للغاية بطاقة حضور مسرحي واضحة، وعبير عبدالوهاب في دور حورية، وبالتبادل ريم علي وريهام مصطفى في دور كهرمانة وشريف قاسم في دور رئيس الخدم ومحمد زينهم في دور الضابط، وحسام العمدة في دور صبي الحلاق، ويساند هؤلاء أهل الخبرة من عشاق المسرح الفنانون الكبار أحمد صادق وهو الآن مزاج تمثيلي معتق، والفنان الكبير رضا الجمال وهو نجم من نجوم المسرح الغنائي المصري يجب الاحتفاء بتجربته وإخلاصه النادر للمسرح كفن جميل عبر تاريخه الطويل. 

والفنان سيد الشرويدي القدير حقاً في دور القاضي والفنان عذب الصوت ماهر عيد في دور سرحان. 

انضباط مسرحي نادر والتزام وجهد إبداعي ومهني لهذا الفريق من الممثلين القابضين على جمر الإبداع المسرحي.  تجربة ثرية تحتاج حقا إلى الإضاءة الإعلامية وإلى البحث عن طريق للدعاية الاحترافية والذهاب بها إلى الكتل السكانية المصرية العاشقة للفن رفيع المستوى في كل ربوع مصر الجميلة والتي لم تزل وستظل محبة لبهجة وحيوية المسرح الغنائي الاستعراضي.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز