طارق الشناوى
مؤامرة كونية!!
دائما ما يردد أولاد البلد هذا التعبير (هات من الآخر)، أعتقد أن سر استمرار المبدع فى أى مجال، تكمن فى قدرته على أن يصل ببساطة لعمق المشكلة و(يجيب من الآخر). بين الحين والآخر ألتقى بكتاب ومخرجين وممثلين والشكوى التي أستمع إليها واحدة (لا نعمل)، يلقون باللائمة على الآخرين، الذين يتجاهلون عامدين متعمدين موهبتهم وتاريخهم، وكأنهم بصدد مؤامرة كونية تعددت أطرافها للنيل منهم وتعطيل مسيرتهم، لم يقل أي منهم مثلا، هل أنا لا أزال فى كامل لياقتى الإبداعية، وأفلامى ومسلسلاتى، لها جمهور ينتظرها، هل أعدت تحديث أدواتى؟ دائما سلاح الدفاع الأسهل هو الإيمان بوجود مؤامرة، تحاك ضدهم؟
سألوا أنتونى كوين: ما هى أحلى أفلامك؟ أجابهم: أردؤها، وعندما قرأ الدهشة على الوجوه، أضاف لأننى أتعلم منها الكثير.
الصراحة هى المفتاح السحرى الذي أضعناه، وفى الكثير من شؤون حياتنا، نبدأ أولا بإنكار الخطأ، وهكذا يأتى خط الدفاع الأول لمواجهة المشكلة، مستبعدًا أساسًا وجود مشكلة.
قبل نحو 23 عامًا عندما قدم المخرج شريف عرفة فيلمه الثالث مع علاء ولى الدين (ابن عز)، كان قد سبقه بفيلمان رائعان (عبود ع الحدود) و(الناظر)، والأخير تحديدًا أضعه بين قائمة الأفضل فى تاريخنا السينمائى الكوميدى.
كان الترقب لـ(ابن عز) كبيرًا فهو سيحقق القفزة الثالثة لعلاء، إلا أن الشريط خيب الآمال، كنا ندرك تفاقم الصراعات المتعلقة بإنتاج وتوزيع الفيلم، وانتقلت المعركة للإعلام أيضًا، وكانت الحجة جاهزة، الفيلم يُضرب من خارجه وكلنا شهود، إلا أن شريف عرفة حسم الأمر مبكرًا، عندما أعلن أنه يتحمل بمفرده مسؤوليته كمخرج عن الهزيمة.
أتذكر فى مطلع الثمانينيات وداخل مهرجان الإسكندرية السينمائى، كان موعدنا مع ندوة فيلم (العربجى)، تأليف وحيد حامد وإخراج أحمد فؤاد، الفيلم بعيد تمامًا عما ألفناه مع وحيد، قرأ وحيد فى العيون الغضب والاستهجان، وقبل أن يبدأ المؤتمر أدار دفة الحوار إلى الوجه الآخر للحكاية، ونظر إلى المائدة التي نجلس عليها متفحصًا الوجوه، يبحث عن مسؤول المهرجان الذي اختار الفيلم للعرض الرسمي، قال وحيد: (المشكلة ليست أن يقدم الفنان أيًّا كان موقعه فيلمًا رديئًا، وهذا وارد جدًا، السؤال الأهم هو كيف يتسلل هذا الفيلم أو غيره للمهرجان، حاسبوا المسؤول الذي اختاره)، ولم يلق أبدًا باللائمة على أحد غيره، لا مخرج ولا ممثل ولكن تساءل: كيف يمثل السينما المصرية، فيلم بهذا المستوى؟
الفنان الذكى يمتلك المرونة لكى يعرف بالضبط أين يقف، ولهذا ظل وحيد حتى رحيله وحيدا على القمة، لم يبحث عن شماعة، بل (جاب من الآخر) واعترف بعدم جدارة فيلمه أساسا بالمشاركة فى المهرجان.
الفشل لو استوعبنا مفرداته، من الممكن أن يصبح بداية طريق النجاح، إلا أن هناك من يبدد طاقته فى مواجهة أشباح لا يراها أحد غيره، معتقدًا أن هناك مؤامرة كونية يتعرض لها، وكلما ازداد فشله زادت قناعته بأن الكون كله يتآمر ضده!!.
نقلاً عن مجلة روزاليوسف