عاجل
الثلاثاء 18 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية شعب مالي القديم 

أقام هذا الشعب واحدة من أعظم ممالك في تاريخ غرب أفريقيا، ويمكن القول بأنه اختلفت الفرضيات، وتباينت بشكل واضح حول الحقبة الزمنية التي تم تأسيس "مملكة مالي" خلالها، ولهذا فليس من المستغرب أن نجد تواريخ مختلفة من مرجع لآخر حول ذلك الأمر، بل وحول الفترات الزمنية التي حكم خلالها حكام مالي القدامى. غير أن المؤكد أن تلك المملكة كان قد أقامها شعب "الماندنغو"، وهذا الشعب يشكل واحدًا من أكبر المجموعات القبلية الأفريقية، إن لم يكن أكبرها بالفعل، ومن هذا التجمع القبلي الكبير خرجت العديد من القبائل والبطون الأفريقية الصغرى لاسيما في بلاد السودان الغربي. 



ولايُعرف على وجه اليقين متى نشأت "مملكة مالى"، ولعل ذلك يرجع في المقام الأول نظـرًا لشـُح ما ورد في ثنايا المصادر والروايات التي تحدثت عن تاريـخ تأسيس هذه المملكة، وكذلك الفترات الزمنية المبكرة لحكامها الأوائل، رغم أنها كانت واحدة من أقوى وأعظم  الدول في تاريخ السودان الغربي، وتقع  دولةُ مالى حالياً غربي قارة أفريقيا، وتبلغ مساحة مالى حالياً قرابة مليـون و240 ألف كيلومتر مربع. 

ولقد ورد اسم مملكة مالي بالعديد من التسميات في المصادر التاريخية، ولعل من أبرزها: "مل"، وكذلك عُرفت باسم "ملل"، و"مليت" بحسب بعض المصادر الأخرى، وكذلك مملكة الماندي أو الماندنغو..الخ. وقد كانت تخوم وآراضي "مملكة مالى"-  قديماً- تقـع  فيما بين آراضي بلاد الكانم والبرنو  شرقًـا، وحتى سواحل "المحيط الأطلسى" (البحر المحيط) غربًا، وجبال البربر شمالاً. 

وكان  يعيش في هذه المملكة العديد من "المجموعات الإثنية" Ethnic Groups، وكان أغلبها من ذوي الأصول الزنجية، وكانت تعمل بحرفة الزراعة، ومن أبرز تلك المجموعات الإثنية: البامبارا، والمالينكى، وكذلـك الدوجون، والفولاني فى منطقة واداى، أو حوض نهر النيجر. كما يعيشُ بها بعض القبائل البدويـة ذات البشرة البيضاء مثل:  جماعات "الطوارق"  Tuareg، والمورز  Moors، والعرب فى الشمال. وتعتبر "مملكة مالي" مـن أقوى الممالك التي تأسست في بلاد السودان الغربي، وكذلك كانت من أوفرها ثراء، وغنـى.

وتذكر المصادر أن تأسيس المملكة التي أسسها شعب مالى كان على يد أحد الشـعوب الزنجية القديمة، واسمه: شعب "الماندنغو"، ويعني هذا الاسم باللغة المحلية: "أولئك الذيـن يتكلمون لغة الماندى".

وتطلـق قبائلُ الفولاني (الفولان) على هذا الشعب اسم: "مالي"، أما في لغة البربر، فهم يُطلقون على الشعب تسمية شعب: "مـل"، أو "مليت"، وبحسب شعوب وممالك بلاد الهوسا (الحوصا)، وهم الذين يسكنون فى شمال نيجـيريا، وجنوب النيجر (حاليًا)، حيث كانوا يسمونهم: "شعب الونجارة"، أو "الونقارة". وترجع نشأة مملكة مالي بحسب البعض لحوالي الفترة فيما بين القرنين (4-5هـ/10-11م)، حيث بدأت بذور مملكة مالى فى اقليم "الماندنغو" (الماندنغ). 

وعن تأسيس هذه المملكة، يقول "مارسيل  جوييم"  Marcel Guilhem : "إن النواة الأولى لإمبراطورية مالى هى اقليم "الماندنغو، وهو يعرف أيضًا باسم "الونجارة" (أو الونقارة)، ويقع فى أعالى نهر النيجر فى اتجاه مدينة بماكو (في مالي حاليا)، وعلى الحدود مع غينيا..". 

وفي حوالى سنة 442هـ/1050م، اعتنق ملكُ مالى (واسمه فيما يقال برمندانة) الدين الإسلامي، ومن ثم ذهب إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج، ومنذ ذلـك الوقت صار ملك الماندنغو يحمل لقب: "السلطان". 

وفى سنة 628هـ/1230م، اعتلى عرش مالى الملك "سندياتا" (1230-1255م)، وهو يُعـرف باسم "سوندياتا كيتا"، وكذلك اشتهر في المصادر بتسمية "مارى جاطة"، وتلقب ملك مالي باسم "جاطة"، ويبدو أن هذا الاسم كان تصحيفًا لتسمية: "كيتا"، وهو اللقب المحلي لهذا الملك نسب لقبيلة كيتا المعروفة في بلاد السودان الغربي، في رأي المؤلف. 

وتمكن هذا الملك من أن يجعل مالي الصغيرة حيث كانت قبل أيامه، لتصبح امبراطورية كبرى في غرب أفريقيا. 

وكان من أسماء مملكة مالي التسمية المعروفة باسم: بلاد التكرور (أو التكاررة)، أو التوكولور بحسب النطق الأوروبي، وهذا الاسم- أي التكرور- هو الذي أطلق على هذه البلاد، وغيرها من الممالك في غرب أفريقيا، لاسيما في روايات مؤرخي عصر المماليك (648-923هـ)، وهو ذات الاسم الذي أطلق في ذات المصادر المملوكية المتأخرة على سلطنة صنغي الإسلامية والتي برز دورها بشكل كبير بعد أن سقوط وانهيار المملكة القوية التي كانت سابقة لها، وهي مملكة مالي. 

وكانت بلاد التكرور تشتهر بالذهب، وعن هذه البلاد يقول القلقشندي: "ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي: أن في طاعة سلطانها (أي سلطان التكرور) بلاد مغارة الذهب". وأشار المؤرخ القلقشندي (المتوفى سنة: 821هـ) في "صبح الأعشى" إلى أمر لافت بخصوص هذه البلاد (أي بلاد التكرور): "وهم بلاد همج، وعليهم إتاوة من التبرـ تحمل إليه (لسلطان هذه البلاد) في كل سنة، ولو شاء أخذهم، ولكن ملوك هذه المملكة قد جربوا أنه ما فتحت مدينة من هذه المدن، وفشا بها الإسلام، ونطق بها داعي الآذان، إلا قل بها الذهب، ثم يتلاشى حتى يعدم، ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار، فرضوا منهم ببذل الطاعة، وحمل قُرر عليهم، وذكر نحو ذلك في التعريف..". 

ويُعد المؤرخون الملك "سندياتا كيتا" بمثابة مؤسس  المملكة، وأقام "سندياتا كيتا" جيشاً قويًا في بلاده، اعتمد عليه فى توطيد أركان حكمه. واستطاع أن يحقق نصرًا عسكرياً كبيراً سنة 633هـ/1235م على شعب "الصوصـو". وهم سكان مملكة  تقع غـربي آراضي مملكة مالى، تمكن حكامها من اسقاط غانة في حوالي سنة 1203م، وصارت بعدئذ تابعة لحكام مملكة الصوصو. 

ويُطلق على الملك "سندياتا كيتا" تسمية ذات دلالة، وهي: "الأسد الجائع" Lion Affame. إذ كان هذا الملك طموحًا بلاحدود، وأراد أن يجعل مالى أكبر الممالك في غرب أفريقيا. وكان "سومانجورو" (سومنجورو) Soumangourou  ملك الصوصو، انتصر على حكام شعب الماندنغو، وقتل أحد عشر ابناً لملكهم. ولم ينج منهم سوى الابن الثانى عشر، وهو ذاته "سندياتا"، وهو الذي تمكن بعدئذ من الثأر لإخوته، وانتصر على شعب الصوصو فى "معركة كيرينا"Kirina، وكان وقوع هذه المعركة في حوالي سنة 1235م. 

وبرز دور مملكة مالى فى هذا الوقت، واتسعت تخومها. ثم اتخذ "سندياتا كيتا" (ماري جاطة) عاصمة جديدة لبلاده تدعى: نيانى Niani أما العاصمة القديمة فكان اسمها: "جارب". واحتلت مملكة مالى فى ذلـك الوقت مكانـة غانة، باعتبارها أغنى مركز تجاري فى بلاد السـودان الغربى، ثم أخذ التجار يأتـون اليـها من شمال أفريقيا، وبلاد المغرب، وكذلك كان التجار يأتون من مصر لاسيما في أواخـر حقبة القـرن 7هـ/13م. 

ومن المعروف أن الاستقرار والأمن كانا يعُمان أرجـاء المملكة، وكان "سنديـاتا" (ماري جاطة) بدأ يشعر بالرضا لما وصلت إليه تخـوم دولتـه، ولهذا تـوقف هذا عن القيام  بأية مغامـرات عسكرية جديدة  وتحديداً بعـد سـنة 638هـ/1240م، ويقال إنه اكتفى بإرسال قـواد جيشـه على رأس بعض الحمـلات العسكـرية، إذ كانوا مُدربين جـيدًا على فنون الحـرب والقتال. 

وازدهرت- آنـذاك- العـديد من المدن والمراكـز التجاريـة، والثقافيـة، حيث نالت شهـرة كـبيرة فى مالـى خاصة، وفي بلاد غرب أفريقيا بصفة عامة إبان حقبة العصـور الوسطـى، مثل: تمبكتـو (تنبكت)، وجاو،  وجنى..الخ. 

 

ثم مات الملك "سنديـاتا كيتا" (ماري جاطة) في سـنة 653هـ/1255م، ثم ارتقـى عـرش المملكة من بعـده عدة  ملوك، حملوا لقـب "منسا"، وكذلـك يكتـب باسم: "منسـى" (بفتـح الألـف وسُكـون النـون وفتـح السـين المهملة)، وهـو لقب محلي، يعنى في لغتهم: "السـلطان". 

ثم خلـف الملك "سـندياتا كيتا" علـى العـرش ملك جديد يـُدعـى باسم: "منسا ولى"، وهو الذي حكم في الفترة التي تمتد فيما بين (653-669هـ/1255-1270م)، وقيل كان اسـمه: (منسا أولى). وهذا الاسم في الغالب تصحـيف لاسـم "علـى"، ومن ثم فاسمه الأصح: منسا علي، وهو ما يشير إلى توغل الإسلام في هذه البلاد آنذاك. واسـتمرت حـركة التوسـع فى عهده، حيث إنه اسـتولى على منطقة الونجـارة، تشـتهر بمناجـم الـذهـب. كما اسـتولـى "منسا ولـى" على مدينتـى بامبـوك وبـندو، وهما اللتان تشتهران بالذهب، لاسيما مدينة بامبوك. 

وصار التوسع سياسة اتبعها ملـوك مالى بعد ذلـك حتى أيام السـلطان "منسـا موسـى" (712-738هـ/1312-1337م). ولقد اشـتهرت "مملكـة مالـى" القديمة- من جانب آخر- إبـان "العصور الوسطى"Middle Ages  باسـم ذائع ارتبط بـها بقـوة، وهو اسم "بـلاد التكـرور"، لاسيما بـين العـامة من أهـل مصـر أيام حكم "سلاطين المماليك" (648-923هـ/1250-1517م). 

وعن ذلـك يقـول العُمـرى (المتوفى سنة: 749هـ/1348م): "ويغلـب علـى سلطان مالـى عند أهـل مصـر سـلطان التكـرور، ولو سمع هـذا أنف، لأن التكـرور إقليم من أقاليـم مملكتـه،  والأحـبُ اليه أن يقال له صاحب مالى، لأنه يعد الأقليم الأكبر، والتكـرور مدينـة من مدنـها". 

وعن أهمية الذهب، وتجارته في مالي، يقول جـ. نياني: "الذهب، الملح، النحاس، أسهمت هذه المنتجات بدور بالغ الأهمية في الاقتصاد المالي، فقد كانت مالي تمتلك مناجم عديدة من الذهب مما جعلها أكبر منتج لهى في العالم القديم، وكانت تستغل ذهب بوريه، وهي مقاطعة متاخمة للماندي، قصر سكانها نشاطهم على هذا المعدن. 

وكانت بمبوك (بامبوك)، وغالام الواقعتان على ضفاف السنغال الأعلى، هذا فضلاً عن منطقة "نياني"، تنتج الذهب. وكما في عهد "كايا ماغان" كان "المانسا" ينفرد بملكية قطع الذهب، ومناجم الذهب. وكانت مالي تستخرج الذهب أيضًا من مناطق الغابات في الجنوب. وكانت بيغو في بلاد البرون (غانا حاليا) مركزًا كبيرًا لتجارة الكولا والذهب والنحاس".

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز