د. عادل القليعي
الأبعاد الاجتماعية والنفسية لفضيلة الصوم
في مقال سابق تحدثنا عن الأبعاد الدينية والأخلاقية لفضيلة الصوم، ووضحنا أن الصوم شرعه الله تعالى في كل الشرائع التي سبقت الإسلام، وفرضه الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل وجعله فرض عين لا فرض كفاية وجعله ركنا أساسيا من أركان الإسلام.
وتحدثنا عن الأبعاد الأخلاقية، وكيف أن الصيام تهذيب للنفس وترويض لها على إتيان الفضائل.
نعم جميعنا يعلم أن الصوم فريضة وفريضة مهمة شرعها الله تعالى في كل الشرائع السماوية، وأداؤها كل حسب شريعته التي شرعها الله تعالى وبلغها رسله.
وبما إنها فريضة فهي فضيلة، بمعنى هل الله تعالى سيشرع أمرا إلا إذا كان هذا الأمر فيه صلاح الإنسان وهدايته وتوفيقه، فهي فضيلة وأعدها - إن جاز لي- من رؤوس الفضائل وأمهاتها لارتقائها بالإنسان ولسموه الأخلاقي والقيمي، والاجتماعي لأنه عضو في مجتمع متدين بطبعه أيا كانت طبيعة هذا الدين، فالجميع يدين للديان بالعبودية والألوهية والربوبية.
وكذلك لسموه الروحي، بمعنى فضيلة تحلق بالإنسان في فضاء أوسع وأرحب تجعله يرقى مراقي الملائكة الذين لا يأكلون ولا يشربون، أرواحهم دأبها وديدنها جوهرية العبادة المتمثلة في قوله تعالى (يسبحون الليل والنهار لا يفترون).
ليس هذا وحسب وتحقق له هدوء نفسه واستقراراها، نعم استقرارها وكبح جماحها.
جميعنا يعلم الآيات الكريمة التي وردت في الصوم سواء الصوم الحسي أو الصوم المعنوي، وكلاهما يرتقيان بالإنسان ويهذبانه، الصوم والامتناع عن الطعام والشراب، صوما حسيا، لتصح به الأبدان، صوموا تصحو، وكذلك صوما معنويا تذليل النفس وتعويدها على الطاعة وتربيتها فلا معاصي لا علانية ولا سرا، وإياكم من ذنوب الخلوات فهي المهلكات. (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة، أذكر منها (الصوم جُنة بضم الجيم). لكن معالجتي لهذا الموضوع لن تكون بطريقة علماء الدين، وإنما برؤية المفكر الإسلامي الذي يجعل العقل سلاحه مدعوما بمعطيات ومسلمات الإيمان. من باب وهذه وجهة نظري- أن ليس ثمة تعارض بين العقل والنقل، فكلاهما أثران من أثر الكمال ولا يتعارضان. فما هي الأبعاد الاجتماعية والنفسية لفضيلة الصوم. أما الأبعاد الاجتماعية فهي: ١- التكافل الاجتماعي، بمعنى الشعور بالآخرين ممن لا يمتلكون حتى قوت يومهم، فيشعر بهم الغني ويعطيهم مما أعطاه الله تعالى. امتثالا لقوله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا)، لماذا؟! لأن الله أمرنا بذلك، (إنما نطعمكم لوجه الله).
٢-صدقة الفطر التي هي فرض عين على كل عاقل بالغ راشد، وفي إخراجها تكافل اجتماعي فليس من المعقول أن تلبس أنت وأولادك جديدا وجارك فقير لا يجد وليس من المعقول أن تراه تعيسا وأنت سعيد، لذلك فرضها الله تعالى وعضدها النبي صلى الله عليه وسلم، اغنوهم عن السؤال في هذا اليوم.
٣- الإنسان بطبيعته اجتماعيا ينفر من حياة العزلة ويحب العيش في جماعة، وهل هناك اجتماع أفضل من اجتماع القوم على مائدة واحدة تلتف حولها الأسر، يتبادلون حديث الذكريات مع الآباء والأمهات والأجداد والأبناء والأحفاد والأهل والأقارب والجيران.
الغائب يرجع من سفره ليجلس مع أهله ويفرح ويمرح معهم، ما أجملها هذه الفضيلة الاجتماعية التي تلملم شمل البيوت الصغيرة في بيت كبير هو بيت العائلة.
هذا بالنسبة للأبعاد الاجتماعية، يتبقى حديثنا عن الأبعاد النفسية وهي كثيرة أذكر منها ما يلي:
١- يرى علماء النفس أن في الصوم راحة نفسية تتحقق للإنسان ففي عدم امتلاء المعدة وتهيجها بأنواع الأطعمة المختلفة يحقق اعتدالا مزاجيا للإنسان، فالمعدة بيت الداء ومنها الداء النفسي، جميعنا يعايش ما يسمى بتهيج القولون العصبي الذي يغير الحالة النفسية للإنسان فيجعله يثور ويغضب، فكيف نكبح جماح هذا الثور الهائج بداخلنا، عن طريق الصوم فالصوم وجاء ووقاية.
٢- سيداتي وسادتي ألا يتحقق الهدوء النفسي من خلال الملتقى الجماهيري في الصلاة وخصوصا صلاة التراويح والتهجد والتسابيح، ألا يشعر الإنسان بأنه يعيش في عالم آخر، عالم روحاني مفارق يسعد فيه أيما سعادة، أليس في ذلك ترويح للنفس وترويضها على الطاعة، ألا يحقق ذلك طمأنينة وهدوء بال وخلوا من المخاوف. ما أجملنا ونحن ننتظر صلاة الفجر وتواشيح وتسابيح منشدينا وأصواتهم الجميلة. ما أجملنا ونحن ننتظر الإفطار ونحن نستمع لرفعت وعبد الباسط والمنشاوي والطبلاوي والطاروطي. ما أجمل شباب الأحياء وهم يوزعون التمور على المارة، أليس ذلك يشعرنا براحة نفسية. ثم دموعك وأنت تسمع الدعاء من الإمام أو حتى وأنت تصلي منفردا، ألا تشعر بحالة نفسية غريبة، كأنك في عالم آخر وفي معية أخرى، معية الله تعالى، وتشعر بقربك منه وقربه منك.
٣-ثم فرحة الاستعداد للعيد ومظاهر الاستعداد من شراء ملابس جديدة، وكعك العيد، وانتظار رؤية الهلال، ما أجملها ليلة العيد وزحام ليلة العيد، وكوكب الشرق تغني يا ليلة العيد، والكل يردد ويغني معها في البيوت في الشوارع، على المقاهي، في النوادي، في المواصلات، والناس سهارى حتى صلاة العيد، ما أجملها تكبيرات العيد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. فالحمد لمن لله الذي هدى الناس لذلك وما كانوا ليهتدوا لولا أن هداهم الله. ما أروع فريضة وفضيلة الصيام.