عاجل
السبت 28 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
ما جدوى دراسة الفلسفة؟! "2"   

ما جدوى دراسة الفلسفة؟! "2"   

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وعلمه البيان ومنحه نعمًا لا تعد ولا تحصى، وأهمها نعمتا العقل والإرادة.



وبما أنه إنسان فدأبه وديدنه وشغله الشاغل السؤال الذي يقوده إلى القلق الوجودي الذي يجعله دومًا في حيرة، فيستقرئ الطبيعة سائلا إياها ما هذا الجمال؟، ما هذه الهيرمونية والتناغمية والسيميترية التي نشاهدها، وبالضرورة والحتمية المنطقية لا بد وأن يتساءل عن موجدها، هل أوجدت نفسها فيقوده شيطان عقله الماكر إلى الذهاب إلى التكوين الطبيعي والتراتب العلي بين الأسباب والمسببات.

 

وقد يهدأ بعض الوقت هدوءا نسبيا ثم يعود شاكا فيما هداه إليه هذا المكير القابع بداخله، فيشك أن ثم قوى خفية تقف وراء تكون هذه الظواهر الطبيعية التي يشاهدها، فينقاد إلى عالم الأساطير الميثولوجيا، لكن يعود ويفكر هذا دأبه، ويستمر في طرح الأسئلة على ذاته وقد يسأل من حوله على استحياء حتى لا تكال له الاتهامات، بالمروق تارة، والزندقة تارة أخرى، والعته والجنون تارة ثالثة، فيفضل الانطواء على ذاته، ويعود ويطرح التساؤلات لمَ، ومتى، وأين، وكيف، لمَ هذه الحياة، ومن أوجدها، وأين مواقعنا منها، ولمَ حيرتنا، وكيف نشأ الكون، وما المصير؟، نسمع كلمة القيامة والساعة والبعث والجزاء والملائكة والجنة والنار، منذ ولدنا ومن قبلنا من أجداد أجدادنا من ملايين أو قل إن شئت بلايين السنين ولم يحدث شيء يأتي أقوام ويرحلون ويأتي بعدهم آخرون وآخرون وآخرون ولم يحدث شيء اللهم إلا تغيرات تحدث وتطرأ على الحياة التي نحياها فليس ثم ثبات، الكون في اطراد وتحول وصيرورة على الدوام.

 

 

نعم كثيرة هي التساؤلات التي قد تقود الإنسان إلى المرض العضوي والمرض النفسي، قيصبح شاكا، أو معتقدا اتجاهات فكرية معينة لعله يجد ضالته المنشودة، إلى أن يزال لبسه وشكه وتتكشف له الحقائق أو بعض الحقائق من تلقاء نفسه، إنه مهما أوتي من كياسة ورجاحة عقل فعقله قاصر عن الإدراك كاملا لتبقى معجزة التفكر قائمة، وليبقى سر الله الأعظم في هذا العالم الأصغر الإنسان الذي يحيا في كون أكبر وهو العالم، وتبقى المعجزة الربانية (العجز عن الإدراك إدراك والخوض في الذات إشراك)، ويبقى سر الأسرار في قول النبي محمد ﷺ (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

 

 

ومن هذا المنطلق ربط رينيه ديكارت بين الفكر ووجود الإنسان عندما قال أنا أفكر، أنا موجود، وإن كنت أخالفه في مذهبه هذا فأنا أفكر إذن أنا لست موجودا وجودا ماديا، وإنما يحلق بي الفكر في فضاء عالم مجرد يسبح بي في ملكوت آخر، عالم يطلق عليه الفلاسفة عالم الماوراء، عالم الميتافيزيقا، نعم فكرة الكوجيتو الديكارتية تحلق بنا في سماء البحث عن جوهر الجواهر بعد أن يستقرئ العقل البشري، الجواهر الثانوية والجواهر الأولية، فيحاول الوصول إلى جوهر الجواهر الضامن لكل حقيقة (الله).

 

نعم هذا العالم الذي سعى إليه حتى إيمانويل كانط بعقلانيته الصارمة إلى أن وصل إلى عالم الأشياء في ذاتها، الأشياء المفارقة الترانستندالية، المعارف القبلية ناقدا الظواهرية الفينمولوجية الهوسرلية.

وهذا ما عبر عنه العقل الهيجيلي في حديثه عن المطلق أو الموناد الأعظم عند ليبنز الذي ينظم الكون فى تناغم وهيرموني منقطع النظير.

إن طبيعة العقل الإنساني بحاث دوما وأبدا في قلق وحيرة وكثير التساؤل وتلك سنة كونية وجبلة جبل الإله عليها البشر، وهذا دور الفلسفة والفائدة المرجوة من دراستها تهذيب هذا العقل وتربيته فكريا، ليس هذا وحسب، بل وتمسك بزمامه حتى لا يشطح ويميل للهوى وهوس الشيطان الماكر الذي يسكنه.. وللحديث بقية.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز