عاجل
الثلاثاء 14 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
ما جدوى دراسة الفلسفة؟!

ما جدوى دراسة الفلسفة؟!

كثيرة هي التساؤلات التي طرحت حول هذا الموضوع، ما الفائدة المرجوة من دراسة الفلسفة، ما الذي سيستفيده الواقع المعيش، ما الذي قدمه الفلاسفة لخدمة قضايا أممهم؟



 

ماهية اهتمامها بالإنسان حجر الزاوية في المعادلة الكونية؟! نعم أسئلة حائرة تحتاج إلى إجابات غير تقليدية. ليس هذا وحسب بل وجهت اتهامات خطيرة لمن يقوم بدراستها، فاتهم بالزندقة والكفر والإلحاد والهرطقة والمارقة.

 

بل وحيكت كل التدابير الخبيثة للإطاحة بالفلاسفة فمنهم من أحرقت كتبه ونفي، ومنهم من أصيب بحالة من اليأس نتيجة تجاهله المتعمد، ومنهم من أعدم وغير ذلك من صنوف الاضطهاد اللامنطقي واللافكري، وهذا بدوره كان سببا رئيسيا في نكبة الأمم.

 

سؤال مهم جدا اختلف طرحه بصيغ مختلفة لكن جميعها مغزاها واحد وهدفها واحد، ألا وهو ما الفائدة المرجوة من دراستها؟ تعالوا معي نتعقلن المسألة برمتها ونعرضها على عقولنا بدءا من محاولة تقديم تعريف للفلسفة تعريف غير التعريفات التقليدية الكلاسيكية التي حفظناها عن ظهر قلب.

 

الفلسفة خطاب العقل ولا أقول خطاب للعقل، لكن أي عقل، العقل الفعال لا أقصد نظرية الفيض والصدور الأفلطونية التي تلقفها بعض أئمة المشائية الإسلامية محاولين إلباسها الثوب الإسلامي، أفلحوا أم لم يفلحوا ليس هذا موضوعنا هنا. وإنما مقصدي بالعقل الفعال، العقل المتقد التواق البحاث عن الحقيقة الذين يوظف كل طاقاته وإمكاناته من أجل إذابة جليد اللامعرفات والكشف عن مجاهلها بما لا يفقده هويته المعرفية، محاولا جل اهتمامه أن يوظف المعرفات للوصول إلى كنه وحقيقة اللامعرفات.

 

 ومن هنا يبرز الدور الحقيقي للتفلسف وتتحقق المعادلة الصعبة ولا تحدث القطيعة بين المعرف واللامعرف، بين الحسي والمعنوي، بين الابستمولوحيا والانطولوجيا والاكسيولوجيا.

 

وهذا ما تحققه أو تريد تحقيقه دراسة الفلسفة.. إحداث نوع من التواصل بين المعرفات التي هي وجود حقيقي ملموس إلى الوصول إلى العالم المفارق الترانستدالي، عالم الحق والخير والجمال.

من الذي يقوم بهذا الدور الخطير ، بالضرورة والحتمية المنطقية العقل بنشاطاته الذهنية المختلفة الذي من خلاله تتحقق القراءة الفلسفية لجدلية العلاقة بين الذات الدراكة والموضوع محل الإدراك.

 

وهنا يأتي دور الإنسان، فإذا ما ذكرنا العقل فلابد أن نذكر الإنسان الذي تميز به.

 

إذن هذه أول ميزة تميزت بها الفلسفة عقلنة العقل الإنساني، بمعنى جعل الإنسان في حال تساؤل على الدوام وهذا يكسب حياته حيوية وحركية وديناميكية حتى وإن كان سبب ذلك قلقا وجوديا فهو قلق محمود لا مرذول، قلق توهجي اتقادي للقريحة، يجعل الإنسان في حالة شغف للوصول إلى الإدراك.

 

وثم ميزة أخرى تميزت بها دراسة الفلسفة، إعطاء الفرصة كاملة للإنسان لاكتشاف ذاته وإعادة قراءته لنفسه ومن ثم يستطيع أن يكون فكرة عن سيكولوجية التعامل مع بني جلدته، ليس الإنسان وحسب، بل سيستطيع أن يتواءم مع كل مكونات هذا الوجود الذي يحياه ويحيا به فيعامل الإنسانية ممثلة في شخصه وهذا بعد قيمي أخلاقي فالتعامل ها هنا على مستوى العقول.

 

ويتعامل عقلا مع الطبيعة فلا يقطع شجرا ولا يؤذي حيوانا بل ويستنطق الحجر ناحتا إياه ويستبصر ويعتبر السماء بكل مكوناتها وهذا بعد فيزيقي ميتافيزيقي فيدرك أن هناك مبدعا أبدع هذه الترسيمة الكونية التي نراها.

 

وهناك ميزة ثالثة لدراسة الفلسفة معالجة القضايا التي يعج بها واقعنا المعاصر مثل قضايا التنوير والتجديد قضايا المواطنة وكذلك مشكلة الحرية المشكلة الخلقية المشاكل الثقافية ولا تخفى علينا جدلية العلاقة بين السلطة والمفكر، الحوكمة، جدلية العلاقة بين الفلسفة والدين المشكلات الاقتصادية المشكلات الطبية  دور المفكر فى النهوض حضاريا بالأمة وكيف يوظف فكره للتخديم على هذه القضية.

 

كثيرة هي مشكلات الإنسان منذ أن خلقه الله تعالى يسبح في بحور من المعضلات، فما أن يجد بصيص نور لحل إحداها، تهاجمه الأخرى وهكذا ومن ثم بات الأمر ملحا لإيجاد حلول لكل هذه المشكلات.

 

- أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز