عاجل
الإثنين 4 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

الكاتب عبد الرحيم كمال بمنتدى القاهرة: لم أخسر رهاني على خيال المشاهد وموروثه

ندوة الكاتب عبدالرحيم كمال بمنتدى القاهرة
ندوة الكاتب عبدالرحيم كمال بمنتدى القاهرة

- جبن الكاتب واقعيًا ممكن لكنه لا يصح في الكتابة.. والتزام الأدب والدراما بالتاريخ فقط كتابة ميتة



 

تحوَّلت الفعالية الثانية لمنتدى القاهرة الثقافي إلى لون من ألوان "الحضرة الزكية"، التقت فيها كواكبُ لامعةٌ في الطرب والإنشاد والموسيقى حول أحد نجوم الكتابة الروائية ودراما الشاشة، هو الروائي والسيناريست عبد الرحيم كمال، الذي تكشف عن طبقات من الحكمة الصوفية والتوقد الذهني والتدفق الفكري، عبر محاورة شيقة أدارها بعناية وانتقاء شاعر المجاز والاعلامي سامح محجوب.  

 

بدأت الفعالية التي احتضنها مركز الإبداع الثقافي بدار الأوبرا المصرية، وحملت عنوان "عبد الرحيم كمال.. بين الأدب والدراما" بكلمة لسامح محجوب أشار فيها إلى نشأة الحكي والسرد كممارسةٍ لإنسانية الإنسان، لا يعتمد فيها السارد على حكايات التاريخ بقدر اعتماده على الخيال والميثولوجيا. 

 

وأكد أن الدراما والسرد المصري يحظيان بمكانة كبيرة في عقل ووجدان الثقافة العربية، و"أن الدراما في العقود الأخيرة أثبتت قدرتها على توجيه دفة المجتمع نحو خلاصه، وأضاءت الكثير من الشموع في طريقه المعتم".

 

نبوءة الدراما المصرية

 

ولفت "محجوب" إلى أن الدراما المصرية عاشت عصورًا ذهبية عبر صُنَّاعها، وأن بئرها لم تجف "فجرابها لا يزال يستجيب لمهارة الحواة والموهوبين لا سيما إن جاءوا من خلفية الأدب، وأحد هؤلاء الحواة الجدد هو الكاتب والروائي عبد الرحيم كمال، الذي يمكن وصفه ــ بلا أدنى مبالغة ــ بأنه نبوءة الدراما المصرية في وقتنا الراهن".

 

وقال "محجوب": إن عبد الرحيم كمال "ضخ في عروق أعماله الدرامية جدل الحيرة وفلسفة التساؤلات، وبث فيها روح الإنسان القلقة وصراعه مع الحاضر، ونبشه في التاريخ بحثًا عن هوية ما، في زمن التشوهات الكبرى كقيمة إضافية لأعماله التي بات ينتظرها الناس بشغف".

 

الاستفزاز الأول 

 

ووسط إصغاء تام من الحضور الذي شعر بأنه أمام محاورة فلسفية ممتعة، طرح "محجوب" على ضيف المنتدى عددًا من الأسئلة الموجهة بعناية وبغرض الكشف عن حياته وطقوسه ورؤيته للكتابة التي تنوعت بين الكتابة الروائية والقصصية والمسرحية والدراما التليفزيونية والسينمائية، فكانت البداية بسؤال عن الاستفزاز الأول لموهبة الكتابة لدى عبد الرحيم كمال، الذي أجاب بأن الاستفزاز الأول تمثّل في الجغرافيا والمكان، حيث نشأ في الصعيد في قرية صغيرة تنتمي إلى مركز أخميم القديم في محافظة سوهاج، تقوم بمحاذاة النيل وفي ظهرها الجبل، لم تدخلها الكهرباء حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، فكانت مرتعًا للخيال و"الحواديت" الغريبة عن الجن والعفاريت! مشيرًا إلى الدور الذي لعبته الأم في هذا الاستفزاز عبر حكاياتها الشفيهة الكثيرة، وحفظها وترديدها للسيرة الهلالية منغمة على الرغم من عدم معرفتها بالكتابة والقراءة.

 

ولم يستثن عبد الرحيم كمال والده من هذا الاستفزاز الأول، فقد كان الوالد شاعرًا يكتب القصائد العمودية ويمتلك مكتبة صغيرة. 

 

أمَّا الاستفزاز الثاني فهو الانتقال من تلك القرية إلى القاهرة، عندما بلغ السادسة من عمره. وهو الانتقال الذي صادف يومًا مميزا هو 7/7/1977، ففي الطريق كان هناك تفتيش أمني مكثف للسيارات، بسبب مقتل الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق على يد الجماعة التي عرفت فيما بعد باسم "التكفير والهجرة"، ومن ثم نشأ تساؤل في ذهن الطفل: كيف يكون القتلة مسلمين ويقتلون شيخًا مسلمًا؟ كان السؤال غريبًا ومحيرًا إلا أنه أصبح بمثابة بذرة الوعي التي ستتحول إلى شجرة من الأسئلة فيما بعد. 

 

انتقلت الأسرة إلى القاهرة فتحول المكان الرحب الذي ألفه الطفل في منزل العائلة بسوهاج إلى شقة سرعان ما اكتشف فيها الطفل أن عليه أن يخفض صوته احتراما للجيران، وعندما التحق بالمدرسة اصطدم خياله البكر باختلاف اللهجات، وخوف والده على أبنائه من الخروج إلى الشارع أثناء الإجازة المدرسية إلا قليلا، ومن ثم تضافرت هذه الظروف ليتجه عبد الرحيم نحو القراءة ليس إدراكا لموهبة ولا حبًا في القراءة ذاتها! ولكن كبديل عن الخروج والفسح. وهناك وجد نفسه أمام كتب والده ذات العلاقة بالتاريخ والتصوف والشعر.

 

التراجع عن الشعر

 

كما حمل السؤال الثاني الموجه إلى عبدالرحيم كمال كشفًا عن منطقة لم يسلط عليها الضوء كثيرًا في حياته الإبداعية، وهي علاقته بالشعر، فأشار إلى أن البداية عند بعض الناس غالبًا ما تكون بكتابة الشعر، وكانت بدايته كذلك، حيث بدأ بكتابة القصائد والأغاني والزجل منذ الصف الأول الثانوي وأثناء الدراسة الجامعية، وعندما اختلط بالمثقفين في وسط البلد، واستمع منهم إلى الشعر، أحس بالخوف والإحجام واكتشف بأن الشعر ليس مجاله! وقال: إن الشعر "شيء عظيم جدًا ولا ينفع أن ينتسب إليه أي شخص".

 

 وأشار إلى أن الشعر يلي الموسيقى التي يضعها في المرتبة الأولى، وأنه ـ أي الشعر ــ هو الأب الشرعي لكل شيء في الكتابة، فالدراما نفسها بدأت شعرًا و "الشعر هو الحاجة الرهيبة العالية المجردة العظيمة ومن ينتسب إليه يجب أن يكون على قدره".

 

تراجع "كمال" بتواضع حقيقي ــ وفق تعبيره ــ عن كتابة الشعر إجلالا لمكانة الشعر ذاته، وانزعاجًا من أن يكون قريبًا من شيء يرى نفسه أقل منه بكثير، ومن ثمَّ فقد استعاض عن الشعر بتحويل طاقته الشعرية إلى الحكايات التي يكتبها، قائلاً: لقد كانت البداية شعرًا ثم انتقل إلى القصة القصيرة لفترة طويلة.

 

وعلى الرغم من تراجع عبد الرحيم كمال عن كتابة الشعر إلا أن الشعر يطل عليه أحيانا في صورة أغنية أو "ما يبوح به للمقربين"، وهو ما لم يغفله برنامج الفعالية الذي تضمن غناءً وإنشادًا لثلاثة من الموسيقيين والمطربين والمنشدين "أحمد بدوي ومحمد عبد الحميد وتامر نجاح" راحوا يصدحون ببضع مقطوعات من بوح عبد الرحيم كمال فتكشف غناؤهم عن شاعرية الكلمة المغموسة بوجد المتصوف وشجن الأنغام، وأنغام الشجن. 

 

طبخة التاريخ والمتخيل

 

وعن كيفية ضبط المسافة بين المتخيل والتاريخ في كتاباته بما لا يخل بالمضبطة الرسمية للتاريخ قال عبدالرحيم كمال: هذه المسافة أو المساحة تكاد تكون معروفة، ولها أصولها، فلا ينفع أن أغير في نهايات الشخوص، إلا إذا أعلنتُ من البداية أن الرواية تاريخية خيالية، وفي المقابل لا يجب أن يلتزم الكاتب التزامًا حرفيا بالتاريخ؛ لأنه لا يوجد تاريخ صاف، ومن وجهة نظر محددة كي ألتزم به؛ ولكي ألتزم بالتاريخ فكتاب التاريخ موجود وفيه ما يغني؛ ولذلك فإنني أحترم فكرة "من وحي التاريخ" لأنها تحقق شيئًا مهمًا جدًا هو أن تكون لديَّ مادة تاريخية مع مساحة للتأويل ولسرد أشكالٍ أخرى لا تخالف الحقائق الثابتة، فالفن هنا هو استلهام التاريخ وليس المطابقة التي لا توجد في الأصل". 

 

وأكد "كمال" أن التعامل مع المصادر التاريخية فقط يعتبر كتابة ميتة، كما أن التعامل مع الخيال فقط كتابة كاذبة، وأن الموضوع يحتاج إلى ميزان خاص من احترام التاريخ وعدم الالتزام به في الوقت نفسه، بشرط عدم الإخلال بالوقائع الأساسية، ومعالجتها من خلال روح ورؤية خاصة، فالتعامل مع التاريخ نقلًا ليست له علاقة بالفن كثيرًا، والتعامل مع التاريخ باستهانة وبناء الموضوع كله على الخيال هو سوء أدب!

 

وحول عدم خشيته من فقد المشاهد لأعماله نتيجة لما تزخر به من أسئلة وحوارات فلسفية: قال عبد الرحيم كمال: "الجمهور المصري والعربي عمومًا ذواق، والرهان على غرائزه محفوف بالمخاطر، لكن الرهان على خياله وموروثه رهانٌ لم أخسره على الإطلاق، وعلى العكس فإن أعقد الجمل التي تبدو غامضة ومركبة أو كلامًا لمتصوفة تصل إلى المشاهد بسلالة تبهرني، وربما اسرع مما وصلت لي أثناء الكتابة، فأنا هنا لا أخاطب أذنًا ولا غريزة، ولكنني أخاطب في المشاهد شيئًا قديمًا يمكن تسميته العقل الجمعي أو الروح أو موروثه الروحي القديم الذي لم يتغير، وهي أسرع وسيلة بين الفن وبين الجمهور.

 

سقف الكتابة

 

وفي رده على سؤالٍ عن وجود سقف للكتابة لديه ككاتب قال عبد الرحيم كمال: "مهنة الكاتب مركبة، لكن الكتابة والخوف لا ينفعان، فمن الممكن أن يكون الكاتب جبانًا في الحقيقة، إلا أنه لا يصح أن يكون جبانًا وهو يكتب".

 

واستشهد "كمال" بالروائي المصري نجيب محفوظ، مؤكدًا أن محفوظ يكاد يكون الوحيد الذي كسر التابوهات الثلاثة "الجنس والسياسة والدين" بأدب شديد، ودون أن يُلْحظ لأنه فنان وموهوب، مؤكدًا أن كسر الأشياء بفجاجة أقبح من الجبن في كسرها. 

 

وعقب المحاورة التي تخللها الغناء والإنشاد لأكثر من مرة من أشعار عبدالرحيم كمال بدأت مداخلات الحضور التي اتسمت بالتعبير عن تقدير خاص لضيف الأمسية، وتضمنت طرح بعض الأسئلة التي أجاب عنها الضيف ببساطة وتلقائية كأنه قد أعد لها من قبل، ليختتم المنتدى انعقاده الثاني مسجلا في مضبطته واحدًا من أهم اللقاءات التي يمكن أن يشهدها خلال سنته الأولى.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز