محمد بغدادى
"بص للعالم بقلبك.. تلقى كل الدنيا جنبك"
أقام صناع العرض المسرحي "مش روميو وجولييت" بطولة النجوم علي الحجار، رانيا فريد شوقي، والنجم ميدو عادل، والفنان عزت زين والمطربة أميرة أحمد، من إخراج عصام السيد، بالمسرح القومي بالعتبة، أقاموا احتفالا بتخطي إيرادات العرض المليون جنيه بعد 72 ليلة عرض.
هذا الخبر المبهج يدعوك لتأمل الحالة المسرحية فى مصر، قدم الجيد يأتى إليك الجمهور بلا دعاية، وبلا صخب، جمهور المسرح حساس؛ حين يكتشف الجيد يسعى إليه، وتقوده خطاه إلى هناك بلا تردد، وكما عودنا المخرج الفنان عصام السيد على تقديم عروضه المتميزة، فهو يبحث عن طاقة نور فى عالم يحاول الجهل والتخلف أن يردنا إلى ظلام الكهوف السحيقة.
مسرحية "مش رميو جوليت" معالجة غنائية، استعراضية رمزية لنص من كلاسيكيات وليام شكسبير "رميو وجوليت"، وقام بإعداد النص المسرحي محمد السورى وعصام السيد، والعرض يستلهم من شكسبير فكرة الحب الذي ينتصر للخير والحق والعدل والجمال، وقدم الصياغة الشعرية الشاعر أمين حداد، بإيقاع سريع متلاحق بديلا للحوار، وبدا هذا واضحا في الفصل الأول، جعلنا نلهس لنتابعه، وتتلخص أحداث العرض في قضية كانت حاضرة منذ فترة قريبة، فرضتها جماعات التطرف السلفى، للتفريق بين شقي الأمة المصرية، بإثارة الفتنة الطائفية، بين المسلم والمسيحي، أبناء الوطن الواحد.
وتدور الأحداث داخل مدرسة (الوحدة)، عن علاقة زمالة بين اثنين من المدرسين، (يوسف / على الحجار)، و(زهرة / رانيا فريد شوقي)، وهما من أبناء حي شبرا العريق الذي يجمع بحب إنسانى المسيحي والمسلم في علاقة تاريخية من مئات السنين، ويستنكر هذه العلاقة بعض الطلبة المتزمتين، والمتأثرين بالفكر المتطرف، وتنشأ الخلافات والمشاجرات على خلفية، الرافضين والمؤيدن لهذه العلاقة البريئة الشريفة، يتدخل يوسف وزهرة لتوضيح الأمر، فيقابلا بالرفض والنفور، فيقرر (ناظر المدرسة / عزت زين) أن يشترك الطلبة المؤيدين والمتشددين فى عمل مسرحي واحد وهورائعة شكسبير (رميو وجوليت)، وعبر هذا العمل المشترك يتم تفكيك بنية الفكر المتشدد، ويستوعب الطلبة الدرس، وعلى خلفية الفن يتقبل الجميع هذه العلاقة البريئة، وتعود مدرسة الوحدة فى لحمة واحدة لترفض التطرف الذي يقوده تيار الجهل وعشاق الظلام.
وينشد الجميع فى نهاية العرض شعار الحب: "بص للعالم بقلبك.. تلقى كل الدنيا جنبك"، ويسود الحب بين الجميع، وتكتمل قصص الحب بين أبطال العرض من الطلاب (ميدو عادل / ودينا أحمد). العرض يقدم رسالة واضحة وصريحة للكل المتشددين، والمتطرفين، أننا لا يمكن أن نعيش فى وطن واحد إلا بالحب، العرض يحقق حلم المخرج الكبير عصام السيد الذي كان يحلم بعرض غنائي استعراضي راقص، يقدم فيه خلاصة خبراته في الإخراج، فهو عرض ناجح بامتياز، عرض يليق بفرقة المسرح القومي بقيادة الدكتور أيمن الشيوى، تألق فيه كل أبطال العرض يقودهم النجم والفنان على الحجار الذي كان يؤدي من قلبه كل كلمة مغناة أو مؤداة، وقدمت فيه رانيا فريد شوقي دورها ببساطة وتمكن، وبرزت خبرات المخضرم الفنان عزت زين، وأبطال العرض من الشباب الذين تألقوا كل في دوره، ميدو عادل، والمطربة أميرة أحمد، دينا النشار، طه خليفة، آسر على، طارق راغب، مايكل سيدهم.
وقدم المخرج عصام السيد عرضا أستعراضيا غنائيا كما يجب أن تقدم مثل هذه العروض ومعه المخرج المنفذ صفوت حجازي، ووضع الموسيقى والألحان أحمد شعتوت،وتفوقت شيرين حجازي بلوحات استعراضية متميزة، ولعب ديكور محمد الغرباوي بطولة موازية، بجوار أعمال الجرافيك المقدمة باحترافية والتي قدمها محمد عبد الرازق، مساعدا الإخراج حمدى حسن ومريم العدل، إضاءة المتمكن ياسر شعلان، وجاءت ملابس علا جودة ومي كمال كما ينبغي ببساطة واحتراف.
العرض في مجمله ممتع، ويعد نقلة نوعية في المسرحيات الاستعراضية الغنائية، قدم فيه أمين حداد تجربة جديدة في الصياغة المسرحية وبذل جهدا كبيرا في تحقيق هذه السيولة الشعرية "رستاتيف المتمكن".
وأعتقد أن هذا العرض يسجل في براءات الاختراع والتميز في سجل المخرج الكبير عصام السيد، الحافل بالأعمال المسرحية الهامة التي تمثل علامات بارزة في مسيرة الحركة المسرحية المصرية، فعلا بالحب وحده نستطيع أن نتجاوز كل الحديات.