"قاضٍ": المعايير المزدوجة للغرب وأمريكا بين غزة وأوكرانيا
عبد الباسط الرمكي
تتساءل شعوب العالم عن الأسباب التي دعت محكمة العدل الدولية في جرائم الإبادة الجماعية أن توقف العمليات العسكرية لبعض الشعوب كأوكرانيا، وتمنعها عن شعوب أخرى كقطاع غزة بفلسطين ،مما دعا المفكر والمؤرخ القضائي القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة إلى إعداد دراسة متميزة بعنوان “انهيار المنظومة الأممية واختلال ميزان العدل الدولي ضد الشعوب المسلمة - قراءة في أحكام العدل الدولية النظيرة”، قام فيها الفقيه المصري بدراسة الحالات المماثلة للأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية للشعوب المسلمة التي تعرضت لحرب الإبادة ومنها مسلمو البوسنة والهرسك ومسلمي الروهينجا ومقارنتها بغيرها ،وتوصل إلى نتائج مذهلة تستحق الوقوف عندها في فكر هذه المحكمة ، وفي أزمة القانون الدولي وعجزه، وازدواج المعايير لدى الغرب ومنظومة العدالة ذاتها.
ونعرض للجزء الثاني من دراسة القاضي المصري في خمس نقاط عن المعايير المزدوجة للغرب وأمريكا : وقفوا مع أوكرانيا بينما وقفوا مع الغاصب الأثم إسرائيل ضد غزة المحتلة ، قدموا الأسلحة لأوكرانيا ، وباعوها لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة المحتلة ، فتحوا أبوابهم لضيافة النازحين من جحيم الحرب بأوكرانيا ، بينما لم يمتلكون قلوباً ترحم أو أفئدة تحنوا على آلاف الفلسطينيين بغزة المستمسكين بأرضهم مفضلين الشهادة عن فرارهم أو تهجيرهم قسرياً ، تفرض عقوبات صارمة على موسكو بينما تكافئ إسرائيل ضد الشعب العربي الأبي بفلسطين ، ووقاحة الغرب وصلت للتهديد بالانتقام من أي دولة تدعم الفلسطينيين عسكريًا، وبجاحه الرئيس الأمريكي جو بايدن تضلل العالم عن قصف مستشفيي ماريوبول بأنه "غضب العالم" وحكام العالم الغربي يصمتون وشعوبهم ينتفضون.
أولاً: المعايير المزدوجة للغرب وأمريكا " وقفوا مع أوكرانيا بينما وقفوا مع الغاصب الأثم إسرائيل ضد غزة المحتلة ".
يقول الدكتور محمد خفاجي الجميع يعلم أن سبب الحرب الروسية الأوكرانية هي محاولة أوكرانيا الانضمام للاتحاد الأوروبي والتملص من هوية الأمة السوفيتية العريقة ، فنالها شطر من هجوم روسيا التي تدافع عن الأمن القومي للأمة الروسية ، بينما إسرائيل دولة غاصبة تحتل الأراضي الفلسطينية وسبب الحرب هي ما فعلته حركة المقاومة الفلسطينية حماس من هجوم في سبيل طرد المستعمر المحتل للحصول على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، صحيح أنه وفقاً لقواعد القانون الدولي فإن احتلال روسيا لجارتها الأوكرانية غير قانوني ، كما أن احتلال إسرائيل الوافدة لجارتها الفلسطينية غير قانوني، إلا أن الغرب وعلى قمته أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي وقفت في حرب روسيا وأوكرانيا مع الدولة التي تتعرض للهجوم ؛ بينما وقفوا في حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة مع الغاصب المستعمر المحتل الأثيم ، أليست هذه معايير مزدوجة لعقيدة الغرب ضد العرب والفلسطينيين ! .
ثانياً: المعايير المزدوجة للغرب وأمريكا قدموا الأسلحة لأوكرانيا، وباعوها لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة المحتلة ووقاحة الغرب وصلت للتهديد بالانتقام من أي دولة تدعم الفلسطينيين عسكرياً، وبجاحه الرئيس الأمريكي جو بايدن تضليل العالم عن قصف مستشفيي ماريوبول بأنه "غضب العالم".
ويضيف الدكتور محمد خفاجى تتمثل المعايير المزدوجة لدى دول الغرب والاتحاد الأوروبي في أنهم قدموا الأسلحة لأوكرانيا التي تعرضت للهجوم من روسيا ، لكنهم باعوا الأسلحة لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة المحتلة ، بل وصلت وقاحة الغرب بالتهديد بالانتقام من أي دولة تدعم الفلسطينيين عسكرياً ، حتى بلغ الأمر منتهاه في إمعان الظلم ببجاحه الرئيس الأمريكي جو بايدن بقوله عن قصف مستشفيي ماريوبول بأنه "غضب العالم" ، بينما قادة العالم الغربي ظلت صامتة عندما أدى القصف الإسرائيلي والحصار إلى عجز ثلث مستشفيات غزة ، ثم نجد لسان الغرب يخرج بالمعايير المزدوجة تمايز بين البشر الذين يتعرضون للإبادة الجماعية، حيث أدان الغرب مذبحة بوتشا بأوكرانيا ووصفوها بأنها "إبادة جماعية"، لكنهم رفضوا مع إسرائيل تنفيذ ما صدر من محكمة العدل الدولية من فتات تدبير وقتي ، ورفضوا جميعاً حتى الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، حيث قُتل ما يقرب من 28 ألف شخص في غضون أربعة أشهر فقط ، إنها المعايير المزدوجة للغرب في أحلك سوادها .
ثالثاً : المعايير المزدوجة للغرب فتحوا أبوابهم لضيافة النازحين من جحيم الحرب بأوكرانيا ، بينما لم يمتلكون قلوباً ترحم وأفئدة تحنوا على آلاف الفلسطينيين بغزة المستمسكين بأرضهم مفضلين الشهادة عن فرارهم أو تهجيرهم قسرياً.
وتشير المعايير المزدوجة للغرب لم تتوقف على الأسلحة فحسب، بل امتدت أيضًا من معاملتها للنازحين الفارين من جحيم الحرب ، فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، فتحت أوروبا أبوابها أمام الملايين من اللاجئين الأوكرانيين، وكان مستوى الضيافة مصادماً للاجئين من العراق وسوريا وأفغانستان ، وهكذا لم يمتلك الغرب قلوباً ترحم أو أفئدة تحنوا على مئات الآلاف من الأشخاص الذين يريدون الفرار من جحيم قطاع غزة وكل أحلامهم يتنقلون داخل أراضيهم من مدينة لأخرى ، ورغم جحيم القصف الإسرائيلي يتمسك الفلسطينيون بأرضهم مفضلين الشهادة في سبيل الله والوطن والمقدسات عن فرارهم أو تهجيرهم قسرياً ، حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حينما وافق على مضض على استقبال عدد "50" طفلاً فلسطينياً مصابا اشترط أن يكون استقبال الأطفال "مفيداً وضرورياً" فأى قسوة تلك التي تمايز بين البشر ! .
رابعاً: المعايير المزدوجة للغرب فرض عقوبات صارمة على موسكو بينما تكافئ إسرائيل ضد الشعب العربي الأبي بفلسطين
ويؤكد أن المعايير المزدوجة لدى الغرب وأمريكا لم تقتصر على بيع الأسلحة لأوكرانيا ضد المهاجم وبيع الأسلحة لإسرائيل الغاصب المحتل ضد شعب عربي مسلم ، والتمايز في المعاملة بين الفارين من جحيم الحرب في كلتيهما بل امتدت المعايير المزدوجة إلى أن قامت واشنطن وبروكسل في حالة الغزو الروسي بفرض عقوبات صارمة على موسكو وعلى قمتها حظر النفط، والقيود التجارية والمصرفية، وتجميد أصول القلة الروسية والأفراد الخاصين من جميع الدول الذين يمكن أن يكونوا مرتبطين بهم ، وحظر بث قناة روسيا اليوم في أوروبا، - وهذا القرار قد اَلمنى أنا شخصيا لأنه حرم زوجتي الروسية من متابعة أخبار بلادها من أرض الكنانة - وما إلى ذلك من العقوبات حتى استهدفت دعوات المقاطعة للرياضيين والموسيقيين والفن الروسي الراقي وصانعي الأفلام والكتاب ، و ألغيت المعارض وألغيت الحفلات الموسيقية، فإن شيئاً لم يحدث من تلك الأمور من كافة دول الغرب ضد إسرائيل وعلى قمتهم أمريكا الداعم الرئيسي لإسرائيل ضد الشعب العربي الأبي شعب فلسطين .
خامساً: حكام العالم الغربي يصمتون وشعوبهم ينتفضون
ويوضح كشفت حرب الإبادة الجماعية التي اركبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة حكام العالم الغربي ، حيث كان الصمت سمتهم ، بينما انتفضت شعوبهم تعاطفاً مع الفلسطينيين بغزة، فالشعوب تتعاطف مع بعضها في المحن ، ومن الغريب والعجيب والفريد أن الشعوب الغربية هي التي تعاطفت مع قضية فلسطين دون الشعوب العربية التي تمر بأزمات نفسية عنيفة جعلتها تفتر وتفقد الشعور حتى عن التعبير، وظلت الشعوب الغربية على موقفها حتى الاَن في موقف أصاب العقل العربي في مقتل ويحتاج إلى عدة قرون للتداوي.
لذا فإن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "BDS" التي تأسست عام 2005 ، - وهي حركة فلسطينية عالمية لمقاطعة إسرائيل ، وتكونت من أغلبية المجتمع المدني الفلسطيني نتيجة فشل الحكومات والمجتمع الدولي في وقف الاضطهاد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني – حملت على عاتقها مطالبة الأحرار من شعوب العالم بدعم مقاطعة إسرائيل كشكل من أشكال المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية، وكشكل للتضامن العالمي مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة في حق تقرير المصير، كما دعت تلك الحركة إلى اتخاذ إجراءات انتقامية ضد تل أبيب وهو ما رفضته حكومات الغرب في ظل صمت حكومات دول العالم بسبب الخوف من تهديد أمريكا المباشر لمن يدعم منهم فلسطين ، لكن عدالة السماء سخرت شعوب العالم الغربي لتنتفض وتتوحد لأول مرة في التاريخ الإنساني ومازالت لصالح شعب فلسطين ، ومن داخل قلب دول الغرب ذاتها بما فيهم أمريكا المتهمة الرئيسية بالتواطؤ مع إسرائيل في حربها بإبادة سكان قطاع غزة .
وسوف نعرض لاحقاً للجزء الثالث من هذا الدراسة المهمة المتفردة.