عاجل
السبت 28 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مفهوم السلام العالمي.. "تصورات ورؤى"

مفهوم السلام العالمي.. "تصورات ورؤى"

لا شك أن هذا العنوان سيثير شجونا وهموما عند الكثيرين..  فمن منا لا يحلم بالسلام الذي ينبغي أن يسود العالم، من منا لا يمقت الحروب الطاحنة الدائرة هنا وهناك التي لا تبقي ولا تذر، التي تأتي على الأخضر واليابس والتي لا نجني من ورائها إلا الويلات، من منا لا يريد أن يعم الخير والعدل الجميع، من منا لا يحلم أن يأتي يوم يكون العالم كله، قلبه على قلب بعض كالجسد وكالنسيج الواحد إذا اشتكى أحد أعضائه يهتم بشكايته وبأوجاعه سائر الأعضاء.



من منا لا يريد الطمأنينة والراحة وهدوء البال؟ دوما ما نجلس أمام شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي نرى ونسمع حربا هنا وأخرى هناك، أطفال تشرد وتيتم، شيوخ عجائز تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، أمهات ثكلى حزنهم يقطع الأكباد، شباب، صبيان، نساء أرامل، أطفال يبكون ويقولون سنشكوكم إلى الله ونخبر الله عما فعلتم بنا.

 

 

بأي ذنوب قتلوا هؤلاء

مخيمات للاجئين تغرقها الأمطار لا يجدون ما يدفئهم اللهم إلا بعض الخرق البالية يشعلوها.

 

 

السلام اسم من أسماء الله تعالى، فدعوة الله السلام وتحية الله السلام، وجميع الأديان السماوية دعوتها السلام، فالسلام طريق للحب والمودة والعطف، فلم لا نلبي دعوة الإله ونعيش وننعم بالسلام؟!

 

لماذا لا نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض لنحقق السلام، هل هذا صعب التحقق؟

 

 

في اعتقادي وإيماني أنه ليس صعبا، وكيف لا يكون صعبًا؟ ننزع الحقد والغل والحسد والضغينة من قلوبنا ونحب بعضنا البعض ويرحم صغيرنا كبيرنا ويعطف كبيرنا على صغيرنا هذا على المستوى الفردي، والفرد بدوره عضو فاعل في مجتمعه، فلماذا لا يحاول أن يطبق هذه المعطيات على واقعه، يطرح الأنانية جانبا ولا يكون ذئبا لأخيه الإنسان ويحيي قيم المواطنة فالجميع مواطنون من الدرجة الأولى ويترك الطبقية والعنصرية، فالجميع لآدم وآدم من تراب، والجميع متساوون في الحقوق وكذلك في الواجبات فلا داعي لهذه العنصرية البغيضة. 

 

 

أما على مستوى الدول أو على الصعيد الدولي، دومًا ما نسمع مصطلح السلام الشامل، السلام العادل، مصطلح جميل ونحب أن نسمعه لكن هل من الممكن تحقيقه أم هي عبارات رنانة تأخذ العقول وتذوب لها الآذان حين سماعها، نريد سلامًا حقيقيًا لا استسلامًا، سلام تكافؤ القوى وتوازنها لا سلام تفرضه الدول الكبرى على الصغرى، جلوس إلى طاولات مفاوضات والكبير يملي إملاءاته على الصغير، قبيح أن نطلق على ذلك سلام.

 

 

أرى أنه استسلام، ومن يرعي ذلك فهو يضيع وقته لأنه بالحتمية والضرورة المنطقية سيكون سلاما هشا. 

 

 

إذا أردنا سلاما حقيقيا لا بد أن تطرح الدول- أو ما تسمى الدول العظمى- هيمنتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية؛ تطرح ذلك أرضا وتوظف تلك الطاقات لرعاية وتحقيق السلام للجميع. 

 

 

منذ بدء الخليقة وصراع مستمر بين الخير والشر هابيل وقابيل أحدهما يحمل بيده السلام والآخر يحمل بيده الشر، لكن ما استمر شر أبد الآباد، والغلبة في نهاية حلبة الصراعات ستكون لمن يحمل بيده أغصان الزيتون، ويحمل بشارات الأنبياء الذين كانت دعواتهم للسلام فهاهو عيسى المسيح عليه السلام دعوته في مواعظه على الجبل وترانيمه تحمل السلام، الله محبة والمحبة سلام، وهاهو محمد- ﷺ- راياته السلام وبشاراته السلام وتحيته السلام، وها هو موسى حينما يخاطب فرعون يقول له قولا لينا واللين سلام، لين الجانب سلام وليس استسلاما. 

 

وإذا ما تطرقنا إلى هذا المفهوم قديما فدعوة الفلاسفة منذ فلاسفة "الطبيعيين الأوائل" إلى كانط فيلسوف العصر الحديث؛ دعواتهم سلام، وأذكر على سبيل المثال الفيلسوف الرواقي زينون الرواقي ودعوته لإنشاء المدينة العالمية ودعوته إلى وحدة الجنس البشري لأن الكون كله يخضع لإله واحد ويحكمه قانون واحد هو قانون العقل الذي بدوره يدعو إلى المحبة لأن المحبة من الإيمان وإذا ما تحققت المحبة سيتحقق السلام.

 

 

وكذلك ما ذكره إيمانويل كانط في كتابه "المشروع الدائم للسلام العالمي"، ودعوته إلى إقامة مدينة عالمية تسودها الطمأنينة والهدوء، ومن قبله الفيلسوف الإسباني ريموند لول، الذي تحدث عن السلام، ومن قبلهما الفارابي في "المدينة الفاضلة"، وكذلك ابن رشد، وأيضا مصلحو العصر جميعهم دعواتهم إلى تحقيق السلام الشامل العادل الذي ينعم به الجميع، فهل هذا صعب التحقق؟ هل هذا صعب المنال؟

 

 

يا سادة نفتش في أنفسنا جيدًا، ونطرح هذه الأفكار على عقولنا ونستفتها ثم نعرضها على قلوبنا وعلى فطرنا الخيرة التي فطرنا الله تعالى عليها، فالإنسان بفطرته مفطور على الخير وحب السلام وكراهية الشرور.

 

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز