عاجل
الجمعة 23 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
سيدتي أنا.. المسرح القومي بين البهجة والتفاعل مع الواقع

سيدتي أنا.. المسرح القومي بين البهجة والتفاعل مع الواقع

المسرح القومي المصري يقدم عملًا مسرحيًا مبهجًا عن رائعة برنارد شو الكاتب الأيرلندي الأشهر الحاصل على جائزة نوبل بيجماليون.



وهو لا يقدم النص الأصلي للكاتب الكبير كما هو بل يقدم معالجة عنه بعنوان سيدتي أنا.

 

وهي معالجة مختلفة تمامًا عن المعالجة الستينية المصرية الأشهر التي كتبها بهجت قمر ولعب بطولتها الفنان الكبير فؤاد المهندس والفنانة شويكار.

 

ورغم اختلاف المعالجتين لكن المقارنة بينهما تفرض نفسها، فالنسخة التي قدمها فؤاد المهندس والتي أعاد تقديمها أحمد السقا كما هي، ليقدمها في موسم الرياض 2022 هي نسخة تستخدم معالجة بهجت قمر مع تحديث مختلف في عناصر العرض المسرحي، وهي أيضا مسألة قد طرحت نقاشا حولها بمنطق ضرورة تناول القطع الفنية الراسخة ذات الطابع الرمزي مثل نسخة المهندس بعيدًا عن إعادة الإنتاج والتقديم.

 

وجديد بالذكر أن حالة التلقي الجماهيري والاستقبال لم تصل إلى حد الولع الكبير بالنسخة الأصلية للفنان فؤاد المهندس، والتي أبدع فيها الملحن حلمي بكر إبداعًا موسيقيًا نادرًا، في استخدام الآلات الموسيقية الغربية لتقديم الألحان الشعبية المصرية.

 

ومقارنة سيدتي أنا التي يعرضها المسرح القومي الآن بنسخة فؤاد المهندس تأتي لتطابق النهاية بنجاح قصة الحب بين بطل المسرحية الذي يدرب الفتاة الفقيرة على الحياة الراقية، وهي نهاية سعيدة لقصة حب تنشأ بينهما.

 

بينما لا تحدث تلك النهاية بذات الطريقة في مسرحية بيجماليون لبرناردشو، وهي المسرحية الأصلية.

 

إذ إن شو، وهو يصور الصراع الطبقي، في المجتمع الإنجليزي المخملي عام 1913، ليقدم لنا أستاذ الصوتيات هنري هيجنز الذي يعمل أستاذًا في علم الصوتيات ويريد أن يجعل من فتاة بسيطة تبيع الورد اسمها إليزا دوليتا سيدة من سيدات الطبقة الراقية.

 

وهو لا يصل بها إلى ذات النهاية، التي وصل إليها د. آدم، وهو الاسم الذي أطلقته نسخة القومي المعروضة الآن على هنري هيجينز بطل برناردشو الأصلي.

 

الأحداث كلها في معالجة المخرج والدراماتورج محسن رزق في سيدتي أنا هي أحداث تدور في مدينة لندن، وإن استخدمت العامية المصرية بجميع دلالاتها المحلية جدًا وإشاراتها إلى واقع مصري معاصر عبر المفردات العامية المصرية المستخدمة الآن. بينما تدور الأحداث في لندن في 1913.

 

وهو ما خلق إحالة باللغة إلى أن ذلك ربما يدور في لندن لكننا نستخدم معه لغة مصر العامية المعاصرة الآن.

 

واللهجة العامية هنا أخذت الجميع إلى الضحك والتسلية وابتكار مشاهد ضاحكة للشخصيات الجانبية، بل تصل في بعض إشاراتها القليلة إلى حد صادم للجمهور. واعتمد العرض على مهارات الممثل الفرد والتي كثيرا ما تؤدي إلى إيقاف تقدم الحدث الدرامي لصالح الضحك البعيد عن الموقف والقائم على مهارات الممثل المهرج.

 

كما اعتمد العرض على صيغة غنائية استعراضية مبهجة، وهي التي منحته إيقاعه الأساسي الممتع ولعل مساحة الاستعراض والغناء تأخذ المعالجة الدرامية في اتجاه تصنيف للمسرحية الغنائية الاستعراضية أكثر من كونها معالجة درامية فقط لنص شو الأصلي.

 

أما بيجماليون الأصل، وهو الذي أطلق برناردشو اسمه على المسرحية الأصلية التي عالجتها سيدتي أنا، فهو كما جاء في حكاية الشاعر الروماني أوفيد، وهي الحكاية الأكثر شهرة عن بيجماليون، أنه نحات عظيم يكره النساء، فصنع تمثالًا من العاج يمثل امرأة جميلة، ووقع في حبها بعد أن زينها باللباس الغالية واللؤلؤ.

 

ثم في عيد فينوس إلهة الجمال والحب دعا أن تحيي التمثال فأحيته، فلما عاد من العيد قابلها ورأى تمثاله ينبض بالحياة فتزوجها. 

 

لكنه ندم بعد ذلك، فالخيال والفن يبقى أجمل من الواقع بكثير.

 

وتلك الأسطورة كانت هي مصدر استلهام توفيق الحكيم لمسرحيته الشهيرة بيجماليون، التي تدور حول تلك العلاقة بين عالم الفن والواقع.

 

وهي تختلف عن معالجة شو ومعالجة سيدتي أنا التي تعتمد على رصد الفوارق الطبقية، وإن كانت سيدتي أنا قد ذهبت في اتجاه أعمق لعلاقة البنت بأبيها، تلك العلاقة الأكثر تعقيدًا ووضوحًا في سيدتي أنا، عن هذا النوع من الآباء الذين يبتزون الأبناء، إلا أن نسخة سيدتي أنا تدفع بالأب إلى عالم ثراء واسع مفاجئ عبر علاقته مع أمير مجنون محب للمرح والسهر.

 

وبينما يكون الحفل الهدف الذي يتم إعداد إليزا له كفتاة راقية هو حفل إحدى السفارات، نجده في معالجة سيدتي أنا حفل تقيمه ملكة إنجلترا في مبالغة لقدرة د. آدم على إحداث هذا التغيير، وإن بقيت مفارقة الأصل الطبقي والادعاء قائمة على إحداث الضحك.

 

ولا شك أن عناصر العرض المسرحي وعلى رأسها المناظر والملابس وأعمال الجرافيك المبهرة؛ قد رسمت عالمًا خياليًا أنيقًا وجميلًا لمشاهد الشارع والقصر وغيرهما في المسرحية، مع مقدرة واضحة على سرعة تغيير المناظر، ومهارات في جعل التغيير ذاته ممتعا كجزء من عملية اللعب الإيهامي المسرحي، والذي يستخدم صوت الراوي (بيكو) وهو في سيدتي أنا شقيق د. آدم عالم الصوتيات، وهو الذي يحكي الحكاية قبل رفع الستار، ويخرج من شخصيته التمثيلية ليكمل الحكي أثناء العمل وكأنه صوت العارف بالسر، ويبدو هذا الاستخدام لصوت الراوي استخدامًا جديدًا على بساطته، وتأتي الأشعار والأغنيات على رقتها وسهولة مفرداتها المعاصرة في معالجة موسيقية غنائية تجمع بين إتاحة الفرصة للممثلين للغناء التوقيعي، وللغناء بمعناه الدرامي للمجموعة، وكذلك يأتي الاستعراض على بساطته مساهما في إدماج الأبطال في الاستعراض وقادرًا على صناعة رؤية جمالية واضحة، وإدماج الراقصين كمساهمين في الحدث الدرامي، وهي مسألة تعبر عن إجادة فنية، تظهر في عناصر العرض الاحترافية والتي يديرها مخرج يعرف كيف يضبط أدواته المسرحية ويصنع إيقاعا مسرحيا ممتعا.

 

المسرحية تقدم داليا البحيري في شخصية إليزا كممثلة مسرحية قادرة على الجمع بين التمثيل والاستعراض والغناء، في وهج نادر وبجهد كبير لا يمكن الدخول إليه إلا بتدريبات شاقة.

 

إلا أن داليا تملك ذلك الحضور المسرحي الفني وكذلك الفنان نضال الشافعي في شخصية د. آدم، حضور ومقدرة مسرحية حقيقية للغاية، ولعل فريد النقراشي في دور الأب بكل هذه الإجادة البدنية ورسم ملامح الشخصية والقدرة على ضبط الإيقاع العام للشخصية هو بمثابة ميلاد نجم جديد يقدمه العرض للمسرح المصري.

 

ولعل الإخلاص المهني لممثلي العرض أمرا يبدو واضحًا في مهاراتهم الفردية وقدراتهم على التواصل.

 

سيدتي أنا تقدم فريق من المبدعين المحترفين ننتظر منهم الكثير في المناظر د. حمدي عطية، أزياء د. مروة عودة، أشعار عادل سلامة، موسيقى والحان محمود طلعت، استعراضات مصطفى حجاج إضاءة عز حلمي، دراماتورج وإخراج محسن رزق الذي ننتظر منه إبداعات قادمة أكثر تفاعلًا مع الواقع المصري واقترابا منه.

 

كي يتحول هذا الإتقان المهني إلى علاقة تفاعلية مع العالم المادي خارج حدود المسرح، وهو أحد أهم الشروط الجوهرية للإبداع المسرحي.

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز