د. عادل القليعي
أمتنا العربية قد تمرض لكن لن تموت
راع الغرب ما شاهدوه من تقدم وانتشار، فتوحات إسلامية هنا وهناك، مآذن ملأت الدنيا بأسرها، تقدم في كل المجالات، السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والعلمية، نهضة شاملة بكل ما تحمله هذه الكلمة في خلال مائة عام فقط، ما الذي فعله هؤلاء رعاة الغنم، شهد بذلك بعض المستشرقين المنصفين فها هو آدم ميتز يقول في كتابه "تاريخ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري": إذا أردتم أن تسألوا عن الفنون والآداب والعلوم والزخارف والموسيقى فاسألوا القرن الرابع الهجري.
شهد بذلك زيجرد هونكه في كتابه "شمس العرب تسطع على الغرب"، كذلك بروكلمان ومجلداته الرائعة "تاريخ الأدب".
قامت القيامة ولم تقعد إلى الآن "إنهم يكيدون كيدا"، وبدأت المؤامرات والمكائد وزرع الفتن هنا وهناك في أركان الدويلات الإسلامية.
وهاجت وماجت الحملات التبشيرية، ليس هذا وحسب بل وبدأوا حملاتهم التشويهية تارة في التشكيك في الألوهية والنبوة والطعن في الدين، محاولين زعزعة المعتقد في نفوس البعض من ضعيفي الإيمان أولئك الذين اخترمتهم الدنيا فشغلتهم عن الدين.
ثم الحروب التترية تارة، والمغولية تارة أخرى والصليبية، وبدأ الوهن والضعف يدب في الأمة العربية والإسلامية، بالبداهة المنطقية، قارنوا بين حال شابين أحدهما يبكي بكاء شديدا لأنه كان يستهم فأصاب تسعة من عشرة، وشاب يقف منتحبا لأن محبوبته ضرب لها موعدا فلم تحضر، هل بهذا الشاب ستنتصر الأمة؟
نعم تكالبنا على الدنيا، لهثنا خلف المناصب وجمع الثروات، آثرنا أنفسنا على قضيتنا الأساسية نصرة أمتنا العربية والإسلامية التي نصرها المعتصم بالله، وامعتصماه، التي نصرها صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس وسيف الدين قطز، والعز بن عبد السلام ورجالنا البواسل في حرب التحرير حرب أكتوبر المجيد التي تحطمت فيها الغطرسة الصهيونية إلا أنهم لا يزالون يكيدون المكائد، يا سادة هم يعلمون علم اليقين أن صراعهم صراع وجودي لا صراع حدودي.
قالتها إحدى الصحفيات الصهاينة عندما أعلن رئيس أمريكا القدس عاصمة لإسرائيل، ظننا أنها القيامة ستقوم في الصباح، فوجدنا خلاف ذلك، شجب وإدانة من البعض وبيانات هنا وهناك ولم يحدث شيء.
لكن ليس هذا الحل، الحل بأيدينا فما حك جلدنا مثل أظافرنا.
نعم أمة أصابها الوهن والضعف، جسد عليل ما الذي أصابه، كثرة كغثاء السيل، أمة تعدادها أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم، لكن أصابهم الوهن، لماذا، أصبحت الدنيا شغلنا الشاغل، تشتتنا، تشرذمنا، تحزبنا، فأصبحنا كل حزب بما لديهم فرحون.
لا أحد يجيب وقد كثر النحيب، الجميع يطلب رضى أباهم الذي هناك.
الفرصة لا تزال قائمة وأمتنا موجودة رضي من رضي وأبى من أبى، لكن نريده وجودًا حقيقيًا فعالًا، نريده جسدًا واحدًا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
هل من سبيل إلى الخروج من هذا النفق المظلم، أكيد يوجد بصيص نور، فليس ثم ليل إلا ويأتي بعده نهار.
هذا الأمل وهذا النور في العودة ثم العودة ثم العودة إلى كتاب الله تعالى وسنة النبي- ﷺ- ثم اتخاذ قرارات حاسمة ضد ما يحدث من خروقات وانتهاكات لأمتنا العربية والإسلامية.
ثم تفعيل دور الوعظ والإرشاد على المنابر، في مواعظ الكنائس، في الندوات، في اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية، بمقالات في الصحف.
إظهار قيمة أمتنا العربية والإسلامية، إظهار وإبراز للجميع كيف ضحى النشامي من قادتنا لنصرة هذه الأمة.
ليس هذا وحسب بل في حصص التربية القومية زرع في قلوب التلاميذ ماذا تعني كلمة وطن وكلمة أمة عربية؟
أيضا لا بد أن يكون هناك اتحاد عربي إسلامي تترأسه كل الدول، كل دولة تأخذ دورة بالانتخاب الحر المباشر.
نعم نحن في حاجة إلى وحدة وإلى طرح الأنا أرضًا وتفعيل الإيثار.
نعم جسدنا عليل لكنه ليس سقيمًا، أي علته ليس ميئوسًا من علاجها.
نعم أمتنا لا ولن تموت بإذن الله طالما هناك أخيار يحبون هذه الأمة ويخافون عليها شغلهم الشاغل نصرتها وقتها سنعود سيرتنا الأولى خير أمة أخرجت للناس، ووقتها سنستطيع أن نرفع رؤوسنا أمام بعضنا البعض وأمام أولادنا وأحفادنا.
وسنستطيع أن نقف أمام الله وسنجد إجابة عن أمانته التي أمننا عليها، وسنستطيع أن نرفع رأسنا أمام طفل قالها أريد أن أموت حتى أخبر ربي بما فعلتموه بنا، وقتها سنرفع رأسنا أمام طفلة صغيرة ترقص فرحا مبتورة الأيدي والساقين بأطراف صناعية لأنها لا تزال على قيد الحياة.
استقيموا يرحمكم الله ودعوا فرقتكم واتحدوا وتوحدوا.
أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان