د. عادل القليعي
الإلزام الخلقي في القرآن الكريم.. من الإلزام إلى الالتزام
فلسفة الأخلاق طبيعتها وخصائصها 4-10
بعد إمعان النظر والقراءة المتأنية في فلسفة الأخلاق، والمدارس الفلسفية التي بحثت المشكلات الأخلاقية، كل حسب رؤيته وتوجهه ومعتقده الفكري، وقناعاته الشخصية.
ومن خلال مدارستي وقراءتي لبعض آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن الأخلاق وأحاديث النبي- ﷺ- ومنها الحديث المبارك الذي ذكره نبينا المعصوم تخلقوا بأخلاق الله، حتى وإن كان به ضعف فيؤخذ من قبيل الاستحسان، ومن فضائل الكلم.
وجدت نفسي أمام مشكل عويص، واقع معيش نحياه يعج بالمتغيرات والتقلبات على المستويات والأصعدة كافة، المستوى الثقافي، المستوي التعليمي، الجانب القيمي الأخلاقي، الجانب السياسي.
فرقة وتشرذم، تقاتل واقتتال وتناحر، إنسان العصر صار ذئبًا لأخيه الإنسان، يتحين الفرص حتى ينقض على أخيه- إلا ما رحم ربي- نزعات مادية، برجماتية متغولة.
انسحاق قيمي وتدنٍ أخلاقي وعبارات وألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان، مفردات غريبة أقرب ما تكون إلى لغة السوق أو أشد وحشة، فقدان للهوية والشخصانية، غربة واغتراب وافتراق، أصبح الإنسان عبارة عن آلة أو ترس في آلة كالثور الذي يجر ساقية يدور ويلف ويلف إلى أن يسقط في براثن الغربة عن نفسه وعن وطنه الأصغر ووطنه الأكبر، ليس له هم اللهم إلا جريا خلف سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه وجده سرابًا.
شباب يملأ المقاهي ويفترش الأرصفة والطرقات ليس لهم هم إلا العبث وإثارة الفوضى بين الناس وشراب المخدرات ومضايقة المارة من البنات وحتى السيدات اللاتي كبرن وطعن في السن لم يسلموا من هؤلاء.
لماذا وصلنا إلى هذا الحال، أقولها بمنتهى الأسى والحزن لأننا ابتعدنا عن منهجنا ومنهاجنا القويم، ابتعدنا عن الطريق المستقيم ابتعدنا عن الصراط المستقيم ونسينا قول الله تعالي (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، ونسينا قول الله (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدا).
والمسألة ليست عملية تعليمية فقط، وإنما إكمال منظومة التربية.
وأنتم يا علماء الدين عليكم دور وعظي إرشادي يتمثل في شرح مكارم الأخلاق، وشرح كتبكم المقدسة الشيخ في مسجده، والقس في كنيسته، والكاهن في معبده فروح العبادة الانتقال بها من مرحلة التنظير إلى التطبيق الفعلي والعملي في الواقع المعيش.
عليكم أن تقوموا بدوركم على الوجه الذي يرضي ربكم عنكم، وتوضحون أهمية الضمير كمصدر مهم من مصادر الإلزام، إذا ما التزم الإنسان بكل ما يمليه عليه ضميره ستسود الأخلاق وتنتشر الفضيلة، (أن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
ويا علماء الاجتماع، يا علماء النفس عليكم أن توضحوا للناس ما الذي سيحدث للمجتمع عندما تسود الفضائل، وما الآثار النفسية التي ستترتب عليها وما يترتب عندما تختفي الرذائل أو حتى تحجم.
يا أهل التفلسف، يا أهل الفكر، عليكم توضيح أهمية العقل والدور المنوط به في التمييز بين الخير والشر، الحسن والقبح، الجميل والجليل، لأننا جميعا سنقف هناك حيث لا بعد هناك، وسنسأل عن أعمارنا فيما أفنيناها، لماذا لم تنصحوا الشباب حبًا لهم وحبًا في الله؟ لماذا لم نتخلق بأخلاق الله تعالى؟ لماذا لا نتمثل صفاته وأفعاله تعالى ونطبقها على أنفسنا؟ لماذا لا نكون رحماء بيننا يرحم كبيرنا صغيرنا وصغيرنا يوقر كبيرنا ويعطف على شيخنا؟
لماذا لا نكون كرماء مع بعضنا البعض وليس الكرم بالجود بالمال فقط، بل بالمساعدة في كل شيء.
المعلم لا يبخل بعلمه على من يطلبه، وفي كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة والمستويات، لماذا لا يسود الحب بيننا والحب دعوة ربانية، لماذا لا ننزع خطاب العنصرية ونطرح التعصب والتحزب جانبا؟ لماذا لا نحيا في سلام والله هو السلام ودعوته هي السلام ودينه السلام؟
لماذا التناحر والتقاتل والتحارب؟ هل الإنسان بما هو كذلك خلق للحرب، خلق للكره، خلق للبغض والحقد؟
أم خلقه الله لعمارة الكون والاستخلاف في الأرض وتحمل المسؤولية كاملة مسؤولية التكليف خلقنا الله للحرية بمفهومها المنضبط القويم، لماذا لا نكون ربانيين بمعنى الكلمة نتخلق بكل خصال الخير التي دعا لها الله وأمر بها رسله أن ينشروها بين أقوامهم؟
وأختتم حديثي بحديث عن النبي- ﷺ- أن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بانٍ بنى بيتا وحسنه وجمله إلا موضع لبنة، يمر عليه الناس ويسعدون لرؤيته ثم يقولون لولا هذه اللبنة يا ليتها وضعت، أنا موضع اللبنة بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
فاللهم صلِّ وسلم وبارك على صاحب الخلق القويم.
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان
ورئيس قسم الفلسفة السابق