عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فلسفة الأخلاق طبيعتها وخصائصها (2- 10)

سلسلة مكارم الأخلاق..

فلسفة الأخلاق طبيعتها وخصائصها (2- 10)

لا يزال حديثنا موصولًا عن فلسفة الأخلاق ودورها في إعادة التوازن وضبط إيقاع الفرد والمجتمع أخلاقيا والعودة بقيمه سيرتها الأولى وإزالة الغبار من على جوهرة القيم المصقولة لإعادتها براقة لامعة من جديد من أجل نهضة شاملة، نهضة أخلاقية ينعكس أثرها على الجميع.



توقفنا في الجزء الأول عند الحديث عن الميزتين اللتين تميز الإنسان بما هو كذلك عن سائر المخلوقات، العقل والإرادة.

 

يتعرض الإنسان لتجارب كثيرة في حياته تكسبه خبرة سواء خبرات سلبية أو خبرات إيجابية، كأن يخوض مثلا تجربة حب مراهقي، أو حب زميلته في الجامعة، وقد تنتهي هذه العلاقات نظرًا لظروف ما سواء اجتماعية وعدم القدرة على نفقات الزواج، أو لضعة النسب، من جانب الطرفين، فيحدث الافتراق الذي قد يؤدي بالطرفين إلى الاضطراب النفسي، وقد يودي إلى الإدمان، أو حتى قد يؤدي إلى الانعزال عن الآخرين وفقدان الثقة بمن حولهم، وهذا قد يقود إلى الرذيلة والمنكرات بالضرورة، أو على أقل تقدير شعور بالدونية فيصب المحب وابلًا من اللعنات على مجتمعه الطبقي، ويحدث ما لا يحمد عقباه من الوقوع في براثن الخطيئة.

 

والعكس قد يخوض الإنسان تجربة، وحياتنا كلها خبرات وتجارب، ناجحة كأن يذاكر ويجتهد ويجد النتيجة، النجاح والتوفيق، فيشعر بالسعادة العارمة ويقوده ذلك إلى الانطلاق إلى الإمام، لا العود القهقري إلى الخلف، كالحالة السلبية.

 

لكن إذا أخذنا المسألة من زاوية تخصصية، من خلال وجهة نظر مفكري الأخلاق، فإن المسألة قد تختلف بعض الشيء، بمعنى الخبرات الأخلاقية هنا تكاد أن تكون مختلفة، وسأضرب مثالًا على ذلك، هب أن شخصًا ما متجه إلى منزله بعد يوم عمل شاق وفي وقت متأخر بالليل، وهو يقود سيارته وفجأة، نظر فوجد شابًا ملقى على الأرض غارقًا في دمائه صدمته سيارة طائشة يقودها شاب أرعن، صدمه وانصرف لا يأبه بصنيعه، فحمله على كتفه وذهب به إلى المشفى ليتلقى الإسعافات اللازمة وسلمه للمشفى وأراد الانصراف إلا أن الشرطي احتجزه إلى أن يفيق المصاب من غيبوبته ليتأكد أنه لم يكن هذا الشاب سبب الحادث، هب أن المصاب فارق الحياة، ماذا ستكون مآلات الأمر، هل بعد هذا الموقف سيقدم الشاب الصالح على فعل ذلك مرة أخرى. أعتقد ستتأرجح الإجابة بين لا لن يفعل، وبين نعم سيفعل وسيكون لكل فريق مبرراته التي سيقدمها، هذا التأرجح هو روح فلسفة الأخلاق، دراسة أسباب القبول، وكذلك أسباب الرفض.

 

وهذا يقودنا إلى تعريف الأخلاق، فقد اختلفت الرؤى والتوجيهات لإيجاد تعريف جامع مانع للأخلاق، فهناك من قال هي علم العادة، لكن من المستحيل أن نربط الأخلاق بالعادة، فالعادة من الممكن أن تصدق مرات، وقد لا تصدق مرات أخرى.

 

وهناك من عرف الأخلاق بأنها علم الخير الذي يقودنا إلى الفصائل لنقتنيها، وعلم الشر لنتعرف على الرذائل ونتجنبها. وثم تعريف ثالث، هو دراسة ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان، ومن هنا فإن الأخلاق ليست علمًا وصفيًا تصف ما هو كائن بل تهتم بدراسة ما ينبغي أن يكون، ومن ثم فهي علم معياري، وهو يختلف عن علم النفس الذي يهتم بدراسة النفس الإنسانية، أما الأخلاق فتهتم بتهذيب وتربية النفس الإنسانية، وهناك مؤلفات لفلاسفة بهذا المسمى، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لأحمد مسكويه، رسالة أيها الولد للإمام الغزالي، وأيضًا رسالة تهذيب الحدث والصبيان لمسكويه، وأدب الدنيا والدين للإمام الماوردي.

 

كذلك نجد كلمة الأخلاق وردت في القرآن الكريم بمعنيين، الأول، مدح الرسول الأكرم "وإنك لعلى خلق عظيم"، والثاني وصف سير الأولين من الأمم التي سبقتنا "إن هذا إلا خلق الأولين".

 

إذن الأخلاق تهتم بدراسة سلوك الإنسان في تعامله مع الآخرين سلبًا أو إيجابًا، سلبًا لتعالج مواطن الخلل التي أصابته ووصلت به إلى هذه الحال، وإيجابًا حتى نرى كيف نستفيد منه ومن محافظته على نفسه وسط هذه الأجواء المشحونة بالمتناقضات والمتغيرات.

 

لكن ثم سؤال: ما هي الأسباب التي تؤثر في سلوك الإنسان وتحوله من حال إلى حال؟! هل للوراثة دور في ذلك، هل لعوامل البيئة، هل للعوامل الاجتماعية دور في تشكيل السلوك الأخلاقي للإنسان؟!

 

هل ثم علاقة بين الأخلاق والعلوم الإنسانية الأخرى؟!

كل هذه التساؤلات سنجيب عليها في الجزء الثالث من هذه السلسلة.

تابعونا

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية

رئيس قسم الفلسفة السابق – آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز