
فن الدبلوماسية وسمات القيادة النموذجية
البعثة الدبلوماسيَّة بالخارج تُعَدُّ هي الواجهة الحقيقيَّة للبلد، فإن لم يكُنْ هناك سِمات القيادة النّموذجيَّة في ساحة عملها سوف يكُونُ العمل روتينيًّا بلا فائدة ولا إنتاجيَّة ترجو مِنْها الدَّولة، بل وسوف يكُونُ عالة على البلد؛ لكَونِ هناك صرفيَّات بالعملة الصَّعبة تُصرف لهذه البعثة دُونَ أيِّ إنتاجيَّة مميَّزة بسببِ بُعدها كثيرًا عن مبادئ الإدارة الحديثة والقيادة النّموذجيَّة.
تتفاخر المدارس الدبلوماسيَّة ـ وخصوصًا الغربيَّة مِنْها ـ بضرورة دخول وإشراك جميع الكادر الدبلوماسي بحلقات ومحاضرات بمفردات وأجندة القيادة الإداريَّة الدبلوماسيَّة المميزة، وأهمُّ مفرداتها هي:(الثِّقة الكاملة بالنَّفْس، مفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي، مهارة التَّخطيط والتَّنفيذ والمتابعة والتَّحليل، الاهتمام بقرارات الصَّادرة من عُمق الخبرة، القدرة على حلِّ المعضلات وتكييف الصَّلاحيَّات والقانون للأهداف الاستراتيجيَّة، الرُّؤية الاستراتيجيَّة للموارد الماليَّة والبَشَريَّة، القدرة على اختيار فريق العمل المُتجانس، مهارة التَّخطيط والتَّنفيذ والمتابعة، وضوح الرُّؤية المستقبليَّة، وأخيرًا مبادئ العلاقات العامَّة الخارجيَّة والدَّاخليَّة والعلاقات الدّوليَّة والمصالح المشتركة. تذهبُ بعض المدارس الدبلوماسيَّة الأجنبيَّة إلى أنَّ سِمات القيادة النَّاجحة والنّموذجيَّة، سواء بالبعثات الخارجيَّة أو في مركز الوزارة أو الخطّ الأوَّل والثَّاني من الجهات الحكوميَّة والقِطاع الخاصِّ إلى ضرورة زجِّهم في حلقات لا تقلُّ عن (3) أشْهُر بمفاهيم البروتوكول الإتيكيت ومِنْها:(لُغة الجسد وفنّ المفاوضات، إتيكيت الجلوس والمشي، إتيكيت المصافحة والتَّعامل مع الآخرين، إتيكيت مستوى نبرة الصَّوت وإدارة الحديث، بروتوكول وإتيكيت فنِّ ومهارة المجاملة والأحاديث المحظورة، بروتوكول وإتيكيت حضور المآدب اللَّيْليَّة والنَّهاريَّة، إتيكيت تناوُل الطَّعام، إتيكيت اختيار ألوان الملابس والإكسسوارات، مهارة اختيار الهندام الخارجي، بروتوكول وإتيكيت مراسم توقيع الاتفاقيَّات، مهارة مرافقة الضيوف، إتيكيت اختيار العطور، إتيكيت إدارة الوقت، إتيكيت حفلات الشَّاي.. وغيرها من المفردات اليوميَّة الجوهريَّة الَّتي تعكس كاريزما القائد الضّرورة؛ لأنَّ العملَ الورقي والمخاطبات الرَّسميَّة لا تظهر في المفردات أعلاه، وبالتَّالي فإنَّ المدرسة الإنجليزيَّة تُركِّز على هذه النّقاط الجوهريَّة قَبْلَ البدءِ بأيِّ مفاوضات أو تفاهمات؛ لأنَّها تعكس ثقافة ومهنيَّة الشَّخص بمجال عمله؛ لأنَّ القائدَ ـ على سبيل المثال ـ إن لم يكُنْ هندامه الخارجي بأعلى درجات الذَّوق الرَّاقي ومستوى نبرة الصَّوت الهادئ، وكذلك في المَشي والجلوس وآداب الطَّعام.. وغيرها من المفردات الَّتي تؤسِّس صفات القائد والقيادة النّموذجيَّة وهي مكملة بلا منازع إلى خبراته الأكاديميَّة والمهنيَّة في مجال عمله الورقي اليومي.
تتفاخر بعض المدارس الدبلوماسيَّة وخصوصًا في مقاطعتَي (ويلز وإنجلترا) بصناعة مفاهيم وسِمات القيادة النّموذجيَّة، بل وتدخل في سباق بعضها البعض في استحداث أفضل السِّمات والمقرَّرات للقائد النّموذجي، حيث تعمل على تحفيز الجينات البَشَريَّة في بوتقة الإبداع والإنجاز بكفاءة عالية دُونَ ملَلٍ أو كلَلٍ ولا يحكمها جهاز البصمة الصَّباحي والمسائي المَقيت.
والقيادة ـ كما هو معروف ـ هي التَّأثير على الواقع لتحقيقِ أهدافٍ مرسومة، والظَّفر بأفضل النَّتائج وبأقلّ الإمكانات المطروحة في ساحة العمل، بالإضافة إلى تحفيز فريق العمل المتجانس الَّذي يعمل ضِمْن تكتيك واستراتيجيَّة مرسومة بعيدًا عن الاجتهادات والعلاقات الشَّخصيَّة.
إنَّ عناصر القيادة الّنموذجيَّة لا تعتمد على سِماتها ونظريَّاتها وأجندتها، وإنَّما تعتمد كثيرًا على كاريزما الشَّخص ومدَى استيعابه والتَّعامل مع هذه المفردات المُهمَّة؛ لأنَّ القراءة والاطِّلاع ممكن أيّ شخصٍ عادي أن يقرأَ ويفهمَ، ولكنَّ الفحوى في التَّعامل مع هذه المفردات القياديَّة والإداريَّة وكيفيَّة تطبيقها، ومِنْها: تخطيط فعَّال، تنظيم متكامل، قيادة فعَّالة، رقابة دقيقة، استخدام التكنولوجيا والمعلومات بشكلٍ فعَّال، القيادة في فريق العمل، إيجاد الرُّؤية والتَّوجيه، تحفيز الأعضاء، تحفيز الإبداع والابتكار، الإدارة في فريق العمل، تنظيم المهام والموارد، التَّخطيط والتَّنسيق، الرَّقابة والمتابعة، التَّكامل بَيْنَ القيادة والإدارة.
باختصار، القيادة والإدارة تكملانِ بعضهما البعض في فريق العمل لتحقيقِ التَّوازن بَيْنَ الرُّؤية الاستراتيجيَّة والتَّنفيذ الفعَّال للمهام، ممَّا يُسهم في النَّجاح الشَّامل لفريقِ القيادة النّموذجيَّة. والقيادة هذه المفردة اللُّغويَّة البسيطة الَّتي تؤدِّي دَوْرًا جوهريًّا، سواء إيجابيًّا أو سلبيًّا في الحياة الاجتماعيَّة والرَّسميَّة، وتبدأ كلمة القيادة وتأثيرها من الأُسرة أو العائلة البسيطة، وليس كما هو معروف لدَيْنا (المناصب القياديَّة الحكوميَّة) سواء على مستوى الإدارة أو بقيَّة الأقسام والدَّوائر كـ(الماليَّة، الاقتصاديَّة، الصحيَّة، العسكريَّة، القانونيَّة.. وغيرها من تشعُّبات المجال الحكومي) ونَفْس الشَّيء بالقِطاع الخاصِّ والمختلط. وقد أصدرتِ المدرسةُ الدبلوماسيَّة البريطانيَّة بعد الحرب العالَميَّة الثَّانية بصورةٍ عامَّة مبدأ (كُلُّ إنسان قائد في عمله) لغرضِ النُّهوض بلندن والمُدُن البريطانيَّة الَّتي تعرَّضتْ للقصفِ والدَّمار إبَّان الحرب العالَميَّة الثَّانية، فأصبح عامل التَّنظيف قائدًا في عمله، وكذلك المُعلِّم والسَّائق.. وغيرها من مختلف المِهن لِتنهضَ من جديدٍ بسرعةِ البَرق وتَبْني البلد بأفضل ما يكُونُ استنادًا إلى هذا المبدأ، وهو القيادة النّموذجيَّة بمعنى (الصَّلاحيَّات والمهام والحقوق والواجبات).
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت