عاجل
الثلاثاء 21 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
المرايا لا تكذب .. ولكنا نتجمل

المرايا لا تكذب .. ولكنا نتجمل

كثير منا لا ينظر في المرآة إلا ليهندم نفسه ويمشط شعره، وهكذا حالنا طيلة أيام عمره، ولا مندوحة عن ذلك، نحب أن نكون حسني المظهر والشكل- ولا غضاضة عن ذلك- وقليل منا هم من يقف أمامها إلا إذا استوقفته هي قائلة له انتظر قليلًا..



انظر لنفسك من خلال نظرة متأنية.. انظر إلى شعر رأسك كيف اشتعل شيبًا، انظر إلى تجاعيد وجهك النضر الذي كان مفعمًا بالحيوية، ما الذي غيّر حالته وصار إلى هذه الحال؟ أهي السنين والعد الزمني أم هموم لازمتنا وأثقلت كواهلنا، أم انسحاق واغتراب عن ذواتنا اخترقنا فصرنا لا نستطيع التمييز بين الصواب والخطأ، الحق والباطل، الجميل والقبيح، المقدس والجليل، ما الذي جعلك أيها الإنسان كريشة في مهب الريح تتقاذفك الرياح من كل جوانبك، من كل أنحائك، فلا تستطيع أن تعرف في أي اتجاه تسير ولا تعرف أين مصيرك وسط هذه الظلمات التي هي بعضها فوق بعض، وسط هذا الضباب الكثيف الذي يخيم على ذاتك.

 

نعم أسئلة كثيرة تسألها لنا مرايانا، أهمها: أين أنت أيها الإنسان، هل حقًا أنت الإنسان المكرم الذي خلقه الإله وسخر كل شيء له، فلماذا ضيعت من بين يديك كل شيء، لماذا جعلت السنين ؟؟تخترمك؟؟ وتسرقك منك ولماذا تركتها تسلبك هويتك ووجودك الحقيقي وكيانك المعرفي، لماذا أيها الإنسان لم تعمل نعمة الله تعالى التي وهبها إياك، لماذا لم تعمل عقلك في اختياراتك، أيها الكائن الحي جمعت بين جنباتك أنطولوجيتك وابستمولوجيتك واكسيولوجيتك حقًا وخيرًا وجمالا، فماذا فعلت بكل ذلك، هل حقا أنت كائن وجودي، هل أنت موجود حقا وجودًا يجمع بين ماديته وروحانيته أم غلبت عليك شقوتك وسيطرت عليك المادية فصرت ترسا في آلة جمادية (صراف آلي)، حتى الآلة لا بد من تغذيتها بالأموال حتى تصرف، وأنت ماهية تغذيتك بين يديك وأنت تجهلها أو تتجاهلها، ماهية وجودك معارفك أيا كانت هذه المعارف المهم تعرف وتتعلم تعلم العلم الديني، لا أقول كن فقيها أو زاهدا أو ناسكا وإنما ما تقوم به وجودك، أن تتحول بشعائرك أيا كانت هذه الشعائر تتحول بها من العادات إلى العبادات، لا تلهث خلف سراب بقيعة تحسبه ماءً أيها العطشان فتجده سرابًا، لا تركض خلف تيارات بعينها فتعتنقها كأن تعتنق العلمانية أو الشيوعية أو الماركسية ونزعات اليأس الشوبنهورية أو النزعات التكفيرية التي توقعك في شراكها فتصير مكفرًا للناس يستوي عندك المؤمن والكافر والفاسق وأنت حتى لا تعلم الفرق بين هذه المسميات الثلاثة أو الإلحادية، فتطلق الكلمة على عواهنها لا تلقي لها بالًا فتهوي بك في براثن التبعية الإلحادية البغيضة.

 

لا يا صديقي الإنسان أشفق عليك من كل هذه الأهواء والميول وأنصحك وأقول لك كن ذاتك، صر ذاتك، ابحث عن ذاتك في ذاتك وبذاتك، إذا ما حققت ذاتك فستصل إلى الركن الأعظم بداخلك ستصل إلى الاكسيولوجيا، ستتحقق بداخلك القيم، قيم الحق، فلن تنطق إلا حقًا، تتحقق بداخلك الخيرية ومن ثم ستتحقق غاية مرامك من حياتك، ستتحقق لك السعادة الحقيقية، سلامة وطمأنينة الروح، وستصبح بذلك جميلا، وسترى الوجود من حولك كله جميلا وجليلا ومقدسا.

 

وقتها وعندما ستعاود الكرة وقوفًا أمام المرايا ستجد الحقيقة الحقة، وستعرف إما وإما، إما أن تكون إنسانًا تسعد بك ذاتك، وإما أن تكون شبه إنسان محطم الأركان.

 

فاختر لنفسك أيهما يا أخي تحب أن تكون.

 

نعم المرايا لا تكذب.. ولكنا نتجمل.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز