عاجل
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
المنتدى الإعلامي السعودي.. ومصر والمملكة الثالثة

المنتدى الإعلامي السعودي.. ومصر والمملكة الثالثة



بين مصر والمملكة العربية السعودية، شراكة استراتيجية تاريخية حتمية، تزداد أهمية في عالم يموج بالمتغيرات الجيوسياسية، تفرض تحالفات لضبط موازين القوى.

 

 

مصر، العُمق الحضاري، والقدرة العسكرية، والقوة البشرية الثقافية والتأثير السياسي، والموقع الجغرافي الرابط بين قارتي إفريقيا وآسيا.

والمملكة العربية السعودية، الثقل والرمزية الدينية، باحتضانها الحرمين الشريفين، المكي والنبوي، والقدرة الاقتصادية والزعامة الخليجية، والفرص المستقبلية في ظل سياسة التنوع الاقتصادي ومستهدفات استراتيجية 2030.

 

 

مصر والسعودية جناحا الأمن القومي العربي، شراكتهما الاستراتيجية ضرورة حتمية لمواجهة تحديات الواقع، وتحقيق آفاق المُستقبل، لما للشقيقتين من رؤية استراتيجية لتطوير شامل بمستهدفات زمنية 2030.

 

 

إلى الرياض كانت زيارتي، بدعوة كريمة من إدارة المنتدى السعودي للإعلام بنسخته الثانية، بمشاركة نخبة من الإعلاميين المصريين، مؤسسيًا ومهنيًا وأكاديميًا، ما يعكس عُمق العلاقات الوثيقة بين إعلاميي البلدين الشقيقين، والإدراك الواعي لأهمية ودور الإعلام في تعزيز الأمن القومي العربي، وثوابت الدول الوطنية والشراكات الاستراتيجية.

 

 

ناقش المنتدى قرابة 35 فعالية على مدار يومين، ما بين تحديات الإعلام الراهنة، ودور الإعلام في مواجهة الشائعات، إلى منافسة منتجي المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى آفاق ومُستقبل الإعلام الرقمي، وغيرها من الفعاليات المهنية، لتحديات آنية وآفاق مستقبلية.

 

 

خارج قاعات الجلسات، كانت هناك ثمة فعاليات أخرى، ومبادرات اكتشاف المواهب الإعلامية، ومعارض للصحف التاريخية التوثيقية، في المُقدمة كانت "أم القرى"، طارحة عددها الأول هدية لرواد المنتدى، وصور تاريخية تعكس الثقافة والبيئة ومراحل التطور السريع مع توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز آل سعود 1924.

 

تصفحت العدد الأول من "أم القرى"، الأسبوعية، الصادر الجمعة 15 جمادى الأولى 1343، الموافق 12 ديسمبر 1924، في أربع صفحات، متضمنًا "البلاغ"، أو البيان الأول للملك عبدالعزيز، الذي تمكن من استعادة حكم مكة المكرمة.

 

العدد كنز لصحفي هوايته الغوص في أعماق نشأة الصحف، وعلاقتها بالسياسة، والدور السياسي للإعلام في تثبيت أركان الدول، وعلاقة السياسة بالإعلام.

 

 

المحلل لمضمون ذلك العدد الأول من صحيفة "أم القرى"، يكتشف العلاقة الوثيقة بين مولد الصحيفة المتزامن مع تأسيس المملكة الثالثة الموحدة، وما لها من دور سياسي، داعم وناطق باسم الملك عبدالعزيز آل سعود.

 

 

ويكتشف الاهتمام المُبكر للملك عبدالعزيز- رحمه الله- بالصحافة، وهو الاهتمام الذي دائمًا ما يوليه الحكام العظماء أصحاب المشاريع السياسية العملاقة، في مُختلف البلدان، على مر الأزمان وحتى حاضرنا المُعاش، مع تزايد نمو وتطور وسائل الاتصال والتواصل.

 

 

كان سعر الاشتراك السنوي في الصحيفة الوليدة "نصف جنيه سنويًا، فيما عدا سوريا والعراق من جزيرة العرب، وفي الخارج ثلاثة أرباع الجنيه عن النسخة"، هكذا دوّن على رأس الصفحة الأولى للعدد الأول من السنة الأولى، وبذلك كانت العملة السائدة حينها في الجزيرة العربية هي الجنيه.

 

 

الصفحة الأولى قُسمت طوليًا بالتساوي، بين تعريف الصحيفة لنفسها وسياساتها وأهدافها، وبين الخطاب السياسي الأول لحاكم مكة المكرمة الجديد، "بلاغ"، أي بيان "عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود"، هكذا وقّع بلاغه لمن خاطبهم، بلا أي ألقاب، لا إمام ولا ملك ولا سلطان، محددًا هدفه من القدوم ورجاله إلى مكة، مخاطبًا أربع فئات بحنكة سياسية تطمئن كل من له صلة واهتمام ومصلحة في استقرار الأوضاع في الأراضي المُقدسة.

 

ماذا قالت الصحيفة لجمهورها المُستهدف؟

 

استهلت الصحيفة كلمتها الافتتاحية، باسم الله الرحمن الرحيم، شارحة هدفين رئيسيين لصدورها، الأول: "لتكون واسطة للتفاهم بين العالم الإسلامي، وهذه الفئة من العرب المسلمين، فتظهر ما عند القوم، ليعرف الناس حقيقة الأمر".

 

 

والمقصود بالفئة هنا الملك عبدالعزيز آل سعود، والمؤيدون له، المقاتلون معه، لتوحيد البلاد، فهي تحدد دورها في الوساطة بينه وبين القراء محليًا ودوليًا، لتعريفهم بحقيقة الأمر، في اللحظات الحاسمة في حياة الأمم، يروج خلالها الخصوم الشائعات، لزعزعة الثقة في الحكام الجدد والمُستقبل.

 

وهو الدور الذي ما زال صانعو الشائعات يستخدمونها، استفادة من مواقع التواصل الاجتماعي التي سهّلت الوصول لأمواج مليونية من البشر للعبث بوعيهم، في حرب نفسية، تشكك الجماهير في سياسات قادتها، وتمتد لاستهداف العلاقات بين الدول الحليفة والشعوب الصديقة.

 

انتقلت الصحيفة لبيان الهدف الثاني: "نشر ما من شأنه أن يبصّر الناس فيما يصلح أمرهم في الدنيا والآخرة، وأن ندعو جميع من أحب خطتنا لمناصرتنا، ونطلب من جميع من يرى في أمرنا ما يأخذه علينا أن يكتب لنا بما يرى، فإن أقنعنا بالحجة وأبان لنا خطأنا رجعنا عنه، وإن أقنعناه بما عندنا رجع إليه، والخير نريد ونتمنى من الله الهداية والتوفيق".

 

 

وهنا نلاحظ أن الصحيفة ناطقة باسم المملكة السعودية الثالثة، تستخدم خطاب نحن، "ندعو من أحب خطتنا لمناصرتنا"، مخاطبة العقل، لكسب المؤيدين والأنصار في لحظات استقطاب سياسي محتدم، وهي اللحظات التي لا يتوقف تكرارها على مدار التاريخ مع كل حدث جلل، تكون فيه مصائر الدول والشعوب على المحك.

 

ماذا قال مؤسس المملكة السعودية الثالثة في "بلاغه" للناس عبر الصحافة؟

 

في النصف الثاني من الصفحة الأولى طوليًا، تحت عنوان: "هذا بلاغ.. وزعنا بأمر سلطاني الاثنين الفائت البلاغ الآتي.. من في مكة وضواحيها من سكان الحجاز الحاضر منهم والباد".. وهو بيان أو بلاغ من الملك عبدالعزيز آل سعود الذي تمكن ورجاله الستون من القضاء على حكم "الحسين ورجاله"، محددًا- بعد الحمد لله والثناء على نبيه سيدنا محمد ﷺ- أسباب حملته في خمس نقاط، تستهدف بذكاء شديد طمأنة المؤثرين في خمس دوائر.

 

الأول: أفصح فيه عن هدفه، والأسباب التي دفعت به وقواته للإطاحة بحكم الحسين والذين معه: "تطهير هذه الديار المقدسة من الأعداء أنفسهم الذين مقتهم العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، بما اقترفوه من الآثام في هذه الأرض المُباركة وهم (الحسين) وأنجاله وأبناؤه".

 

 

والثاني: بعد الجزم بفساد العدو ومقت العالم الإسلامي له، انتقل لطمأنة العالم الإسلامي بمشاركته في تحديد آلية اختيار الحكومة ونظام الحكم، والآلية التنفيذية لذلك: "سنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة بعد هذا، شورى بين المسلمين، وقد أبرقنا لكافة المسلمين، في سائر الأنحاء أن يرسلوا وفودهم لعقد مؤتمر إسلامي عام يقرر شكل الحكومة التي يرونها صالحة لإنفاذ أحكام الله في هذه البلاد المطهرة".

 

والثالث: التأكيد أن صحيح الدين سيكون مصدر تشريع الأحكام، "إن مصدر تشريع الأحكام لا يكون إلا من كتاب الله، ومما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام أو ما أقره علماء الإسلام الأعلام بطريق القياس أو أجمعوا عليه بما ليس في كتاب ولا سنة، فلا محل في هذه الديار إلا ما أحله الله ولا محرم إلا ما حرمه الله".

 

الرابع: طمأنة لمراكز القوى المؤثرة في الرأي العام، وهم "العلماء"، أو سير العمل في الحرم من "موظفين" و"مطوفين"، لمنع أي تكتل يقاوم التغيير أو أي خلل في سير الخدمات بالحرمين الشريفين: "كل من كان من العلماء في هذه الديار أو من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين، ذا راتب معين فهو له كما كان عليه من قبل، إن لم نزده فلا ننقصه شيئًا، إلا رجل أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه، فذلك ممنوع مما كان عليه من قبل، وكذلك كل من كان له حق ثابت في بيت مال المُسلمين أعطيناه حقه ولم ننقصه شيئًا.

 

الخامس: قاعدة عامة لتطمئن الرعية إلى قاعدة العدل: "لا كبير عندي إلا الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا ضعيف عندي إلا الظالم، حتى آخذ الحق منه، وليس عندي في إقامة حدود الله هوادة…". وُقّع "البلاغ" من "عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود"، دون أي وصف سابق ولا لاحق، بيد أن الصحيفة في أخبارها التالية كانت تذكره بالسلطان.

 

 

وهنا يتضح دور الصحافة والإعلام في نقل وجهات نظر الحكومات للشعوب، والعكس نقل مشاغل واهتمامات الجمهور للحكام.

 

وقد امتد اهتمام كل حكام الدول المدركين لدورهم ومهامهم، بوسائل الإعلام وتطويرها، وقد سار ملوك المملكة الثالثة على درب جدهم، في تعظيم قدراتهم الإعلامية.

 

ماذا تغير في السعودية؟

 

تشهد السعودية تطويرًا ملحوظًا، يستهدف تنويع مصادر الدخل الاقتصادي لتخطي فرضية الاعتماد على النفط، مصدر دخل رئيسيًا، إلى استغلال موارده في تنويع مصادر اقتصادية متنوعة، تنقل المملكة لمربع الاقتصادات الكبرى العشرين عالميًا، صرح بذلك المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح، الذي أضاف- خلال فعاليات المنتدى- أن الاقتصاد السعودي تجاوز حجمه السنوي من 600 مليار دولار إلى تريليون دولار.

 

 

وربما تشترك السعودية مع مصر، في أهداف تحقيق التنمية الشاملة، وفق استراتيجية 2030، لكل من البلدين، فمصر تشهد نهضة تنموية غير مسبوقة، مضاعفة رقعة عمرانها، وتوسعت في خريطتها الزراعية بمستهدفات 2 مليون فدان، وتطور منظومة الزراعة والري، وتحلية المياه، وضاعفت قدراتها على إنتاج الطاقة وتهيئة مناخ الاستثمار وطوّرت وأنشأت الموانئ والطرق الداعمة لأهداف التنمية.

 

ومن ثم التعاون بين الشقيقتين، يُسهم في تعزيز قدرتيهما على حماية الأمن القومي العربي، ودعم استعادة الدول الوطنية العربية التي شهدت شروخًا لقوتهما في بسط نفوذهما على الأرض.

 

وتشترك مصر والسعودية في تحقيق نجاحات في مواجهة التطرف، فمصر انتصرت على الإرهاب، وفككت التنظيم الدولي للإخوان، الرافد الأساسي للتطرف خلال العقود الماضية، في حين نجحت السعودية في إحداث تحولات اجتماعية وثقافية وفكرية تعزز من الانفتاح على العالم ومواجهة الأفكار المتشددة.

 

الدولة التي لم يكن بها دار سينما حتى سبع سنوات مضت، بات بها اليوم 13 دار سينما، وبالأمس شاهدنا أول مسرحية شعرية غنائية بالمملكة العربية السعودية، على المسرح الأحمر الفخم، بقاعة المؤتمرات جامعة الملكة نورا، بعنوان "معلقاتنا امتداد أمجاد"، وهي مسرحية شعرية تنطلق من المعلقات السبع الأشهر في تاريخ العرب لامرئ القيس وعنترة بن شداد وطرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، وزهير بن أبي سلمى والأعشى، يسير فيها الشعراء المعاصرون على قافية المُعلقات في حبكة درامية، استدعيت فيها شعراء المُعلقات بريشة رسامة سعودية، وإذا بهم يخرجون من الصور خلال معرضها، ليبدأ الحوار معهم وشرح لهم ماذا حدث في العصر الحديث بجزيرة العرب، وكيف نشأت وتطورت المملكة.

 

 

وكما يشارك في هذا العرض المسرحي شباب وفتيات سعوديات، وكورال احترافي، فإن حضور المرأة بات لافتًا في كل أنشطة الحياة، وتنظيم المنتدى، والعمل في المطارات، بما يعكس تمكين الفتيات الشابات في المملكة، التي تحدث تحولات مجتمعية جذرية في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

 

بالأمس كان الاحتفال الثاني بيوم التأسيس، الذي صدر به مرسوم من الملك سلمان 2021، ليذّكر السعوديين بيوم تأسيس الدولة السعودية الأولى 22 فبراير 1727م، وهو أول كيان سياسي لآل سعود عاصمته الدرعية، ويختلف عن اليوم الوطني في أن الأخير يحتفل بإعلام المملكة العربية السعودية الموحدة 1932، وبينهما كانت المملكة الثانية التي استعادها الملك تركي بن سعود، لتبدأ مسيرة المملكة الثالثة 1924م، لتواصل التطور والتنمية.

 

كل عام والأشقاء بالمملكة العربية السعودية بخير وسلام ورخاء، وكل عام ومصر والسعودية في شراكات استراتيجية حتمية تزداد عُمقًا وترابطًا وتعاونًا في مختلف المجالات في مواجهة التحديات على كل الجبهات.

 

 

 

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز