

جمال عبدالصمد
المرآة لا تعرف المجاملة ولا النفاق
ينتابني شعور غريب، خاصة مع اقتراب موعد ميلادي بمنتصف شهر فبراير، حيث أشعر بتداخل العديد من المشاعر والأفكار، التي يأتي في مقدمتها الوقوف مع الذات لتقييم ما مضى والتخطيط للمستقبل، وقد تمر أمامي العديد من الموضوعات المهمة، ومنها الألقاب العديدة التي كان يتم مناداتي بها مثل: يا ابني، يا أستاذ، يا باشمهندس، وغيرها من الألقاب المتداولة بين أفراد المجتمع المصري، ولكن مع مرور الوقت ظهرت ألقاب جديدة ومنها: يا عمي "عمو"، يا حاج، ألقاب كانت بمثابة جرس الإنذار، الذي نبهني إلى أن مرحلة الطفولة قد مرت وتلتها مرحلة الشباب، أي أن أهم مراحل الحياة مضت وأنا في غفلة عما انقضى من عمري، وهذا ما دفعني إلى اللجوء إلى المرآة لكي استكشف ملامحي، قبل أن أتفاجأ بأنني على مشارف لقب يا "بركة".
نستخدم المرآة يوميا ونقف أمامها لأسباب عديدة منها: تهذيب الشعر، أو تظبيط الكرافت، أو من أجل إلقاء نظرة على المنظر العام قبل الخروج من المنزل، ولكن الآن روادتني فكرة النظر إلى المرآة والتعمق في صورتي وشكلي الذي تعكسه لي مرآتي، وجرى حديث بيننا لا يعتمد على الكلام، بل كانت لغته هي الصمت والاكتفاء بنظرة العين فقط، فالمرآة تقول الحقيقية ولا تعرف المجاملة أو النفاق.
الغريب أن في موعد يوم الميلاد هناك من يستعد للاحتفال بعامه الجديد، من خلال التخطيط لمكان إقامة الاحتفال وتحضير الزينة والحلوى وقائمة المدعوين وغيرها من التجهيزات الاستباقية لحدث عيد الميلاد، في حين أن كل عام يمر نقوم بإطفاء شمعة من شموع عمرنا التي لا يعلم عددها سوى الله عز وجل، ربما أننا في السنوات الأولى من الميلاد كان الأهل ينتظرون سنوات العمر تمر حتى يشاهدوننا ونحن نتخطى مرحلة الطفولة عاما تلو الآخر، وهم في حالة من البهجة والفرح ونحن نكبر وملامح الشباب تكسو ملامحنا، ولكن بعد مرحلة الشباب تتوالى الأعوام، حيث تجد تائها في دوامة الحياة، وهناك من يوقظه نور الشمعة قبل إطفائها.
رغم أن خطوات حياتك مكتوبة منذ ميلادك وقبل دخولك الدنيا، فإن كل منا يحمل أحلام وطموحات عديدة ومتنوعة، وهي بمثابة بوصلة الإنسان نحو تحقيق مستقبل أفضل، وأحيانًا تكون هي القوة الدافعة التي تدفعنا إلى بذل المزيد من الجهد والسعي نحو تحقيق أهدافنا، ولكن في ظل زحمة الحياة ومتطلباتها، نشعر أن أحلامنا وطموحاتنا جزء لا يتجزأ من حياتنا، ولكن يجب أن نسعى لتحقيقها بطريقة تتوافق مع ديننا وقيمنا وعادتنا وتقاليدنا، فعندما نجعل رضا الله هدفنا الأول فإننا نضمن سعادتنا في الدنيا والآخرة، فعلينا أن نجعل رضا الله تعالى هو الغاية القصوى.
ختامًا.. العمر ما هو سوى رقم، في حين أننا نصادف أرقاما كثيرة ومتنوعة فى حياتنا، لذلك يجب عليك أن تقف وتواجه نفسك وتحاسبها، هل هذه الأحلام تساهم في بناء مجتمع أفضل؟ كم ضاع من العمر؟ وأين ضاع؟ وكيف ضاع؟ وهل استطعت أن تستثمر هذا العمر فيما يرضي الله عنك؟ أم أهدرته فيما ينفعك في الحياة ويلحق الضرر بك في الآخرة؟
أخيرًا، أعلم جيدًا أن قطار العمر يمر سريعًا، ولا يعرف أحد منا عدد المحطات المتبقية، فعلينا جميعا أن نفيق من المتاهة التي نعيشها، وأن نسعى نحو ما يرضي الله عنا به قبل فوات الأوان.