أيمن عبد المجيد
دعوات الفوضى ومخطط التشويش الإعلامي والأسئلة الجوهرية في قضية علاء عبد الفتاح
في ريف مصر وصعيدها، وأحياء مدنها العتيقة، يهضم شعبها سنوات خبرتهم الحياتية، في أمثال شعبية، تُمثل خلاصة الحكمة.
"من لا يرى من الغربال أعمى"، والغربال هو أداة فصل الغث عن السمين، فهو أداة لغربلة القمح والأرز لفصل حبوبه، التي ينتج منها الغذاء النافع عن الشوائب غير النافعة، ولتحقيق ذلك يتكون الغربال من شبكة بها فتحات تنفذ منها الحبوب، ومن ثم الضوء وتسمح بالرؤية، ومن لا يرى منها مؤكد فاقد البصر والبصيرة.
اليوم يحتاج المصري الأصيل مخزون حكمته، مستعينًا بغربال واقعه وتاريخه القريب لفصل الغث عن السمين، للنظر من بين ثقوبه إلى الأحداث؛ ليكتشف حقيقة ما خلفها وأصحاب المصلحة بها، متجاوزًا ستائر الزيف التي يحاول البعض إسدال الأسود منها على كل إنجاز لإخفاء صورته الحقيقية، وعلى كل قضية لتزييف الصورة الذهنية عبر الأكاذيب.
المدقق في تفاصيل المشهد، خلال الأيام الماضية، يكتشف بسهولة أن هناك مؤامرة على هذا الوطن، خيوطها متشابكة ومتداخلة، ففي الوقت الذي كانت تستعد فيه البلاد لاستضافة العالم في قمة هي الأهم لكوكب الأرض، خرج عملاء الأجهزة الاستخباراتية المعادية، المنتمون لجماعة الإخوان الإرهابية محرضين الجماهير على الخروج للشوارع لإثارة الفوضى.
وفي الوقت الذي تتوجه فيه أنظار العالم أجمع إلى مصر، لمتابعة ما سيناقشه 110 من رؤساء الدول والملوك ورؤساء الحكومات، وما ستسفر عنه مفاوضات الدول الأطراف من نتائج تنفذ على الأرض لتخفيف آلام البشرية، خاصة في الدول الفقيرة والنامية بإلزام الدول الثرية بتمويل مُيسر للمشروعات التنموية، خاصة الطاقة والأمن الغذائي والمياه، لرفع كفاءة الدول على تلبية متطلبات شعوبها، يخرج من يسعى للتشويش الإعلامي على الحدث، مستقويًا بالخارج على وطنه.
الهدف هو التشويش الإعلامي على النجاح الكبير لمصر في استضافة قمة يحضرها 40 ألفًا من قادة العالم ومنظماته وهيئاته الحكومية وغير الحكومية، و3321 صحفيًا وإعلاميًا يتحدثون كل لغات العالم.
وهنا تعالوا ننظر معًا:
دعوات التحريض على التظاهر وإثارة الفوضى أطلقها عملاء تنظيم الإخوان الإرهابي الهاربون في تركيا وبريطانيا، بما لهم وتنظيمهم من تبعية مباشرة لأجهزة استخباراتية معادية لمصر.. ومن يدقق يُشاهد الآتي:
إعلاميًا..
١- حرص اعضاء الجماعة الإرهابية في دعواتهم التحريضية، على استخدام مصطلح "ثورة المناخ"، وهنا الهدف التشويش الإعلامي والذهني، لصرف تركيز المتلقي، خاصة الشباب، رواد مواقع التواصل والجماهير غير المصرية من متابعة استعدادات استضافة "قمة المناخ"، إلى متابعة مدى الاستجابات لتلك الدعوات التحريضية.
وهنا الهدف محاولة خفض القيمة المعنوية، التي تعكس تنامي قدرة الدولة المصرية، على تنظيم أكبر حدث عالمي من حيث الأهمية والمشاركة الدولية، فضلًا على محاولة التأثير السلبي على نسب المشاركة بمحاولة الإيهام بأن إحداث توترات أمنية، قد تحدث نتيجة هذه الدعوات، بأن تخرج سفارات لتحذر رعاياها، وقد فشل المتآمرون وشهدت القمة أعلى نسب مشاركة.
٢- إنتاج مواد إعلامية معادية تستخدم فيها وسائل الإنتاج الغنائي والموسيقي، يكشف أنهم ممولون ومدعومون فنيًا وتكنولوجيًا، من أجهزة معادية، وميليشيات إلكترونية حرصت على اعتلاء الترند في الواقع الافتراضي، لخلق صورة ذهنية مشوهة لدى المتلقي تُناقض الواقع.
٣- امتدت الخطة إلى مرحلة العمل داخل قمة المناخ ذاتها، بمحاولات التشويش وجذب عدسات الوكالات والفضائيات العالمية من متابعة عشرات الفعاليات التي تناقش قضايا تمس بشكل مباشر حياة الملايين من البشر، ويمثل حسمها مسألة حياة أو موت لشعوب دول بأكملها، إلى مؤتمرات صحفية لسناء سيف، شقيقة علاء عبدالفتاح الذي يقضي عقوبة قضائية بعد إدانته في جرائم بحكم نهائي بات.
وهنا كان التشويش الإعلامي على الفعاليات، مستندًا لتقديم معلومات كاذبة لوسائل الإعلام الدولية، بزعم أنه مواطن بريطاني الجنسية، خلف قضبان السجن بسبب رأي معارض للسلطة في مصر، كتبه على مواقع التواصل.
ومحاولات جذب عدسات الكاميرات، زادها سخونة، التصريحات السابقة لـ"ريشي سوناك"، رئيس وزراء بريطانيا الذي تولى السلطة منذ أقل من شهر، عن أنه سيبذل جهدًا للإفراج عن علاء عبد الفتاح، دفعت إدارات الوكالات إلى توجيه مندوبيها للاهتمام بهذه القضية.
فوجدنا فعاليات خارج موضوع قضية المناخ، تُثار وتحظى باهتمام اعلامي ومحاولات سياسية للتدخلات الخارجية في شآن داخلي، وبعيدًا عن الحكم القضائي وطبيعة التهم فلا تعليق على أحكام القضاء، فهناك أسئلة المواجهة الحقيقية بشأن ما دعا إليه:
١- كتب علاء عبد الفتاح على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي للتغريدات القصيرة "تويتر" ما نصه: "محدش هيعمل تنظيم مسلح يغتال ضباط الداخلية بشكل عشوائي ويخلصنا؟ ما كلنا عارفين إن مفيش واحد فيهم مش مجرم".
والسؤال الرئيسي هنا: هل ما كتبه علاء عبد الفتاح رأي سياسي معارض لحاكم ونظامه، أم تحريض على تشكيل تنظيم إرهابي لاغتيال ضباط الشرطة، يضعه تحت طائلة القانون الذي يؤثم التحريض على القتل ويُعاقب القضاء مرتكبيها بعقوبات رسمها القانون؟
- وهل قوله "كلهم مجرمين"، ألا يُمثل تحريضًا يبرر دعوته للقتل، ويُمثل جريمة سب وقذف، يُعاقب مرتكبها بأحكام قضائية؟
السؤال الثاني الأهم:
في تدوينة له على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" قال علاء عبد الفتاح: "ما دام مش عارفين نطول الضباط، ما نشوف خلية إرهابية تقتل عيالهم وتعذب أمهاتهم".
فهل ترى منظمة العفو الدولية، منظمة المؤتمر الصحفي بمؤتمر المناخ، التحريض الصريح على قتل الأطفال واختطافهم، انتقامًا من آبائهم، وترهيب الأمهات، حرية رأي وتعبير، أم جريمة في جميع قوانين دول العالم يعاقب مرتكبها جنائيًا بأحكام قضائية؟
- والسؤال للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف: ألا يمثل التحريض على تشكيل تنظيمات مسلحة خارج نطاق القانون لتنفيذ عمليات قتل عشوائي، وقتل أطفال واختطاف وتعذيب أمهات، انتهاكًا لحقوق الإنسان المضار من هذا التحريض في أن يعيش حياة آمنة؟
هل التحريض على القتل والتعذيب حرية أم أنكم- كما قال بيان مصر الذي رد عليكم بحزم- اعتمدتم على مصادر معلومات كاذبة؟
- نتفهم حرص كل أسرة سجين جنائي على سلامته والأمل في حصوله على العفو الرئاسي وفق القانون عن الجزء المتبقي من مدة عقوبته، وندعم كل مطلب يستند للقانون ويسلك المسارات القانونية، ولكن نرفض الاستقواء بالخارج لفرض إرادة على مصر، أو الإساءة للقضاء، فقد رسم الدستور والقانون وسائل استئناف الأحكام ونقضها ومنح صلاحيات لرئيس الجمهورية وفق ضوابط قانونية للعفو قبل انقضاء المدة.
- الدعم المشروع بالقانون وعبر مؤسسات الدولة القضائية وجهود لجنة العفو الرئاسي، التي تتعاون مع مؤسسات الدولة الوطنية، وليس عبر استقواء بالخارج واقتناص زخم مؤتمر دولي وتاريخي لابتزاز الدولة.
بالعودة إلى دعوات التظاهر التي انطلقت قبل القمة وحدد لها اليوم الجمعة ١١ فبراير.
أمنيًا..
المدقق يعي جيدًا أن الهدف منها استنزاف قدرات الأجهزة الأمنية وتشتيت انتباهها ما بين خطط تأمين المؤتمر والوفود التي بينها 110 رؤساء دول وحكومات، وغيرهم، بما تجاوز 40 ألف ضيف، وبين التعامل الجدي مع دعوات إثارة الفوضى، أملًا في أن يصيب مصر مكروه يعوق ما يستهدف تحقيقه من إنجاز غير مسبوق.
خاب ظنهم بشأن استضافة المؤتمر، وشهدت الخمسة أيام الأولى- التي تخللها الافتتاح والشق رفيع المستوى- أعلى مستويات التنظيم والتأمين الاحترافي، حيث الأمن والأمان في مدينة السلام بلا أي مظاهر توحي بتكثيف أمني، وهنا الاحترافية، والدولة بفكر الجمهورية الحديثة التي تستخدم التكنولوجيا. ففي السابق يسيء للصورة الذهنية تناثر الأكمنة التي يصطف فيها جنود مدججون بالسلاح فيشعر الضيف بأن خطرًا داهمًا يحدق به، استوجب التكثيف الأمني، بينما التنظيم الاحترافي شمل تأمينًا احترافيًا تامًا، وبمظهر راقٍ.
واقتصاديًا..
نجحت في توقيع مذكرات تفاهم لإنشاء مشروعات بقيمة 15 مليار جنيه، وتدشين المرحلة الأولى من مشروع عملاق لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالعين السخنة لتصبح مصر في المستقبل القريب منتجة لـ8% وحدها من الاحتياجات العالمية، وعن الإنجاز الاقتصادي للقمة وأثره على المواطن سنفرد مقالًا خاصًا بإذن الله.
ويبقى اليوم الذي سيمر، بإذن الله، بكل سلام وأمان واستقرار، بوعي شعب مصر بحقيقة المؤامرات، وصدق ما يتحقق على أرض الواقع من إنجازات، والمساعي الحقيقية لإحداث إصلاحات جذرية في البنية الاقتصادية تؤهل الدولة- وإن كانت تحمل المواطنين اعباء إضافية- لمواجهة الأزمات العالمية، لبلوغ مرحلة التحديات إلى استقرار اقتصادي ورفاهية لشعب مصر وأجياله القادمة.
الوطن غالٍ، وأمن واستقرار شعبه كنز ثمين، لا يُدرك قيمته إلا من يفقده، لذا على كل صاحب ضمير حي أن يواجه ويضع لبنة في حصون الوعي، فالحرب لن تتوقف.
حفظ الله مصر.