

أيمن عبد المجيد
دعوة الرئيس السيسي التاريخية ورسائل مصر لإنقاذ البشرية
"أما آن الأوان لهذه المعاناة أن تنتهي؟"، رسائل مصرية بليغة، تعكس عمق حضارة أم الدنيا، ورؤية جمهوريتها الجديدة، عبّر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته بالجلسة الافتتاحية للشق الرئاسي من قمة المناخ، المنعقدة بمدينة السلام شرم الشيخ.
رئيس أم الدنيا عبّر عن مشاغل شعوب العالم بكل أمانة وطرح على مسامع قادة الدول الأسئلة الصعبة
الرئيس تحدث بلسان مصري عربي إفريقي مُبين، ليس باسم إفريقيا فقط، بل باسم البشرية، معبرًا بصدق عن مشاغل شعوب العالم، طارحًا أسئلة الشعوب الصعبة، على مسامع 110 من رؤساء الدول والحكومات المجتمعين في قمة COP27.
بكل وضوح قال الرئيس السيسي: "إن الملايين اليوم تتابع قمتنا، كما تابعت قمتنا العام الماضي، من نساء ورجال وشباب وأطفال، مزارعين وعمال، وأصحاب أعمال، بشر من سائر أنحاء كوكبنا يشتركون في مصير واحد ومستقبل واحد، منهم من يتواجد معنا في قمتنا داخل القاعة أو خارجها ومن خلال الشاشات".
هؤلاء الأربعون ألفًا، المشاركون في القمة من 193 دولة حول العالم، والملايين المتابعة للقمة عبر وسائل الإعلام؛ يطرحون أسئلة صعبة لكنها محقة بها، وهنا تبنى الرئيس السيسي طرح تلك الأسئلة على آذان زعماء دول العالم: السؤال الأول الذي طرحه الرئيس يتعلق بمدى ما قُطع من مسافات على طريق بلوغ الأهداف التي عملت من أجلها 26 قمة سابقة، قائلًا: هل نحن اليوم أقرب إلى تحقيق أهدافنا من عام مضى؟
بيانات قيادات العالم عكست الإرادة السياسية للانتقال من التعهدات للتنفيذ.. فهل تستطيع قهر التحديات؟
بينما السؤال الثاني موجه للقادة أنفسهم بشأن تنفيذ تعهدات العام الماضي، قائلًا: هل استطعنا خلال عام منصرم أن نتحمل مسؤولياتنا كقادة للعالم في التعامل مع أخطر قضايا القرن وأشدها تأثيرًا؟
ليأتي الرئيس السيسي للسؤال، الذي وصفه بـ"الأهم الذي يتعين أن نوجهه لأنفسنا": هل ما نطمح إلى تحقيقه من أهداف يقع في نطاق الممكن؟
ليجيب الرئيس السيسي: "بلا شك، إنه ليس مستحيلًا، ولكن إذا توافرت الإرادة الحقيقية والنية الصادقة لتعزيز العمل المناخي المشترك، وترجمة ما يصدر عن اجتماعاتنا من نتائج إلى واقع ملموس".
وهنا يواجه الرئيس السيسي العالم بمشاغل الشعوب، مؤكدًا أن الحلول ليست مستحيلة، شريطة توافر: الإرادة والنية الصادقة والقدرة على تحويل نتائج القمة من قرارات مكتوبة وشعارات إلى واقع ملموس، وهو ما يتلخص في كلمة: "التنفيذ"، التي تعد هدف القمة الرئيسي.
لقد ذكّر الرئيس الزعماء المشاركين في القمة، بأن الملايين حول العالم، الذين يعانون الآن، أكثر من أي وقت مضى، من كوارث مناخية تتسارع وتيرتها وتزداد حدتها يومًا بعد يوم، في شتى أنحاء كوكبنا، مخلّفة وراءها آلاف الضحايا والمصابين والنازحين، ومسببة خسائر مادية بالمليارات، وكأن العالم قد أصبح مسرحًا لعرض مستمر للمعاناة الإنسانية في أقسى صورها؛ يستوجب "علينا أن نتوقف لنطرح نحن على أنفسنا تساؤلًا ملحًا: أما آن لهذه المعاناة أن تنتهي؟".
نهاية معاناة البشرية تلك، تكمن- وفق رؤية مصر، التي عبّر عنها الرئيس السيسي بكل وضوح في كلمته- في تحقق إرادة القيادات السياسية، وصدق النوايا وبناء الثقة المتبادلة، لتحويل ذلك لواقع، من خلال توجيه القيادات وفودهم التفاوضية بالتحلي بالمرونة، والتوسع في استراتيجيات التعهدات الوطنية بخفض الانبعاثات والتكيف، واتخاذ قرارات تنفيذية على أرض الواقع بشأن التمويل، لتحمل الدول الثرية كثيفة الانبعاثات مسؤولياتها تجاه دعم احتياجات التنمية منخفضة الانبعاثات والتكيف في مواجهة المخاطر والأضرار.
فما زال هناك أمل في إنقاذ البشرية، لكنه، كما قالها الرئيس السيسي بوضوح: "إن الأمل الذي أحدثكم عنه اليوم ليس أمل التمني، بل هو أمل العمل، والقدرة على الفعل".
وهذا الفعل يواجه تحديات جمة وغير مسبوقة، تتمثل في حالة الاستقطاب السياسي الحاد، الناجم عن الحرب الروسية في أوكرانيا، وانعكاسات تلك الحرب الاقتصادية على قدرة الدول على الإيفاء بالالتزامات الوطنية والتعهدات التمويلية.
وهنا كان الرئيس معبرًا بكل صدق وقوة عن مصر أم الدنيا، التي تسعى دائمًا لحقن الدماء، ونشر السلام، فمصر تُدرك أن الحروب خراب ودمار ومعاناة للشعوب.
فما لبث أن اختتم الرئيس السيسي كلمته، وقبل أن يترك المنصة، وبعث بدعوة سلام داعيًا إلى توقف الحرب الروسية- الأوكرانية، قائلًا: "لنوقف الحرب، هذا الخراب وهذا الدمار، نحن كدول اقتصادها ليس قويًا لا نتحمل آثار هذه الحرب، فقد عانت اقتصاداتنا من آثار جائحة كورونا لعامين، لتضيف لها الحرب مزيدًا من المعاناة".
الرئيس الذي كان يدعو باسم الزعامات، مستخدمًا جملة- إذا سمحتم لي بذلك- إلى وقف الحرب، ويعلن عن استعداده للعمل على وقف الحرب؛ كانت كلماته تقابل بتصفيق واسع من رؤساء الدول والحكومات داخل القاعة، في تأكيد واضح لدعمهم وتبنيهم لدعوة الرئيس السيسي ومبادرته.
قالها الرئيس السيسي بوضوح: "أنا مستعد- وليس بحثًا عن دور والله- للعمل على وقف هذه الحرب، وأعتقد أن كثيرًا من القادة يوافقونني هذا الرأي، نحن مستعدون- إذا كان هذا ممكنًا- للعمل على وقف هذه الحرب". وهنا عاود الحضور التصفيق، مرحبين بهذه الدعوة، لتنطلق فيما بعد التصريحات الداعمة لمبادرة مصر.
في المساء كانت الجلسة الثانية من الشق رفيع المستوى، لتقديم رؤساء الدول والحكومات بياناتهم بشأن مساهماتهم الوطنية في قضية التغيرات المناخية، شرفت بحضور تلك الجلسة التي تحدث فيها قرابة 15 من رؤساء الدول، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، والرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، والرئيس الكيني وليام روتو، متحدثًا باسم بلاده والاتحاد الإفريقي، وإينياتسيو كاسيس، رئيس الكونفدرالية السويسرية، وغيرهم من الزعماء حول العالم وإفريقيا خاصة.
في تلك الجلسة كانت الإشادات بحفاوة الاستقبال المصري، والشكر للرئيس السيسي لحسن الاستضافة للزعماء والقمة؛ متصدرة كلمات الزعماء، تعكس نجاح مصر في التعبير عن مشاغل العالم، وفي السياق ذاته، أجمع المتحدثون كافة على أن التصدي لقضية التغيرات المناخية قضية مصيرية لا تحتمل التأجيل.
وهنا قالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح وحماس شديدين، البعض يرى في ظل أزمة الوقود الناجمة عن الحرب أن هناك أولويات سابقة على قضية المناخ، لكن نؤكد أننا لن نتراجع عن التزاماتنا المناخية ولن تمنع الحرب بلوغ دول العشرين هدف 100% من تعهداتنا، ويمكن أن تعولوا على في هذه المهمة.
فيما أعلن الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد دعمه وتأييده لدعوة الرئيس السيسي ومبادرته لوقف الحرب، قبل أن يتطرق إلى معاناة العراق من شح المياه وهي بلاد الرافدين، داعيًا تركيا وإيران لمنح العراقيين حصتهم العادلة في مياه أنهارهم وروافدها خاصة تركيا.
الاتحاد الإفريقي: لا وقت لمماطلة الدول الثرية فنحن ندفع أثمان ما لم تقترفه أيدينا وهذه الفرصة الأخيرة
وكانت كلمات رؤساء الدول الإفريقية جميعها مؤكدة لما ذهبت له مصر بشأن ضرورة تنفيذ التعهدات، وإعطاء أولوية لبند الخسائر والأضرار، ومتطلبات التنمية والتكيف، فقد وصف رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين أرشينج تواديرا، قمة المناخ بشرم الشيخ بالفرصة الأخيرة.
داعيًا العالم المتقدم لتحمل مسؤولياته تجاه تمويل تحول الوقود والتنمية المستدامة، المتوافقة مع متطلبات خفض الانبعاثات والتكيف في الدول الإفريقية.
مذكرًا بوعود جلاسكو بمنح مليار ونصف المليار لحوض الكونغو للصمود المناخي والتنمية منخفضة الكربون، من إجمالي 100 مليار كل عام للدول النامية، وهو الوعد الذي لم يتحقق.
بينما اعتصر الألم كلمة الملك توبو السادس ملك مملكة تونجا، الذي تحدث عن مملكته، تلك الجزيرة التي أدت التغيرات المناخية لتآكل شواطئها والتغير في البيئة الإيكولوجية البحرية، وآثار الانفجار البركاني الذي أدى لتلوث المياه العذبة، فبات خيارهم للحياة التوسع في تحلية مياه البحر، بما يتطلبه ذلك من أموال تُنهك ميزانياتهم.
سامية حسن رئيسة تنزانيا، قالتها صريحة: ليس أمامنا خيارات إما العمل أو الموت، محذرة من خطورة تباطؤ المجتمع الدولي في الإيفاء بتعهداته لخفض الانبعاثات ودعم الدول الفقيرة على التكيف، مؤكدة أن بلدها وبلادًا إفريقية أخرى تدفع ثمن أضرار العالم المتقدم، من حياة شعوبها.
وهنا قالت رئيسة تنزانيا: وضعنا استراتيجية للاستجابة المناخية بكلفة ٩٠ مليارًا بحلول 2030، متسائلة: لكن كيف توفر تنزانيا هذه الأموال؟! على الدول الثرية المتسببة في الحجم الأكبر من الانبعاثات تحمل مسؤوليتها بخفض الانبعاثات، وتمويل جهود التكيف في الدول النامية.
الملك عبد الله الثاني بن الحسن، ملك الأردن، تطرق لشح المياه وتهديدات تغيرات المناخ للبحر الميت الذي يمثل تراثًا إنسانيًا، مهددًا بالجفاف، داعيًا لتعاون على المستوى الإقليمي والدولي بقرارات تنفيذية، فالخيارات المتاحة صعبة، لكن على زعماء العالم الاختيار منها قبل أن تفرض الطبيعة عليهم خيارات أصعب.
هنا في شرم الشيخ، أرض السلام، يتحاور العالم، وتتفاوض الدول لبلوغ أهداف قابلة للتحقيق على الأرض، ومصر جاهزة بقائمة مبادرات مبتكرة، تبنيها عالميًا يحقق الطموح في مواجهة واقعية للقضية، ودعم تمويلي ابتكاري حقيقي للتنمية المستدامة.
فهل ستنجح الجهود المصرية والأممية في إنقاذ البشرية؟، يؤكد التاريخ أن مصر دائمًا كانت لها بصمتها في الأزمات التي واجهت البشرية، ورغم التحديات فالأمل معقود أن يكون لمؤتمر COP27 برئاسة مصرية، بصمة، تجعل من شرم الشيخ علامة فاصلة ونقلة نوعية في تاريخ مفاوضات المناخ لوضع أقدام العالم على طريق التنفيذ بإذن الله.
وللحديث، إن شاء الله، بقية.