أيمن عبد المجيد
افتخر بوطنك.. مكاسب مصر من استضافة COP27
ما يجري في مدينة شرم الشيخ، الآن، من فعاليات وتنظيم محكم لاستضافة قمة المناخ COP27، يدعونا للفخر بوطننا مصر، هذه الدولة الضاربة حضارتها في عمق التاريخ مسافة 7 آلاف عام، تستحضر جينات الحضارة الآن على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
ففي جوهرة سيناء، احتشد 44 ألف مشارك من أكثر من 190 دولة، تمثل كافة قارات العالم، بينهم 110 رؤساء دول وحكومات، و3321 من الصحفيين ووسائل الإعلام العالمية، وأكثر من 26 ألفًا يمثلون الوفود الرسمية للدول والهيئات والمنظمات الحكومية حول العالم، و10 آلاف من نشطاء المناخ ومنظمات المجتمع المدني.
تلك الأرقام التي صرح بها سيمون ستيل السكرتير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، تؤكد الكثير من الحقائق والدلالات والمكاسب على المستوى الوطني على المستويين القريب والبعيد.
فربما تساءل المواطن البسيط، ماذا نستفيد من استضافة قمة المناخ تلك؟
والواقع أن تلك الاستضافة حدث تاريخي بالغ الأهمية والدلالة، له انعكاساته الإيجابية، محليًا وقاريًا وعالميًا، بيد أنني سأركز اليوم في هذا المقال على الآثار والمكاسب الوطنية.
أولًا: الصورة الذهنية:
استضافة وفود من دول العالم في توقيت واحد في مدينة شرم الشيخ، يمثلون قمة السلطة السياسية في الدول 110 رؤساء دول وحكومات، وآخرين يمثلون الهيئات والمنظمات والإعلام والمجتمع المدني، يتحركون بسهولة ويسر وأمن وسلام، مكسب عظيم لمصر، يهدم الصورة الذهنية السلبية التي عكفت أجهزة معادية على تشكيلها عن مصر عبر آلة إعلامية جهنمية لضرب السياحة والاقتصاد المصري.
ومن ثم فإن هذه الاستضافة الناجحة، بإذن الله، تعزز من صورة مصر الأمن والأمان، وتزيد وهج شرم الشيخ المقصد السياحي العالمي.
مصر، تُذكر اليوم في وسائل إعلام العالم كافة، ويتردد اسم شرم الشيخ في كل الرسائل الإعلامية اليومية التي يبعث بها أكثر من 3 آلاف عضو بالبعثات الإعلامية المشاركة، وهذا في حد ذاته مكسب كبير تنفق دول أخرى مئات الملايين من الدولارات لشركات التسويق الإعلامي لتحقيقه دعائيًا، بينما نحن نحققه باستضافة وإنجازات واقعية.
هذا الذكر الحميد الخاص بالمناخ، لا يتوقف بانتهاء الفاعلية، بل يمتد بما يثمره المؤتمر من نتائج، فيسيطر في تاريخ العمل المناخي العالمي، وكما يتردد ذكر قمم كوبنهاجن وباريس مع كل حديث عن المناخ، سيكون لقمة شرم الشيخ شأنها وذكرها وثمرتها بإذن الله لعقود قادمة، خاصة أنها تستهدف الانتقال من مرحلة التعهدات الدولية إلى مرحلة التنفيذ الواقعي، الذي تشعر بأثره دول العالم وشعوبها خاصة النامية الأكثر تضررًا.
ثانيًا: رفع كفاءة مدينة السلام
سبق المؤتمر رفع كفاءة البنية التحتية والفندقية بشرم الشيخ، التي ارتدت ثوب النضارة.
هذا مكسب اقتصادي كبير، فالفنادق التي عانت من الآثار السلبية لجائحة كورونا، وما ترتب عليها من توقف السياحة، تطلب إعادة رفع كفاءتها ملايين الدولارات، فجاء هذا المؤتمر، ليحقق نسب إشغال 100% لمعظم الفنادق، بما يتجاوز 600 ألف ليلة، خلال فترة المؤتمر وما سبقه وما يليه، بمتوسط يقترب من 500 دولار في الليلة.
وهنا تحقق الفنادق ما يتجاوز 2 مليار جنيه، دخلًا مباشرًا، بما له من انعكاسات على تغطية كلفة رفع الكفاءة، وتنشيط فرص العمل في قطاع السياحة والخدمات ذات الصلة.
هذا الأثر الاقتصادي ينعكس بشكل مباشر على المواطن الذي يعمل في قطاع السياحة من الإدارة إلى المطاعم والخدمات وسائقي وسائل النقل الجوي وحتى المواصلات الداخلية، فرص عمل وتنشيط لقطاع السياحة عبر سياحة المؤتمرات.
ثالثًا: تأكيد القدرة الشاملة للدولة
استضافة أكبر مؤتمر دولي للأمم المتحدة، بما يصحبه من تجهيزات، وأمور تنظيمية، وتأمين للوفود، رسمية وشعبية، وإدارة المفاوضات بين الدول الأطراف بالاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، وتقديم رؤية بمشروعات قرارات وآليات تنفيذية، كل ذلك يعكس القدرة الشاملة المصرية.
تلك القدرة تتمثل من جانب في قوة الدبلوماسية المصرية، لكسب ثقة العالم والقارة الإفريقية، التي تنوب عنها مصر في استضافة ورئاسة المؤتمر.
ثم قوة البنية التحتية المصرية، القابلة لاستضافة كل هذه الوفود في مدينة السلام شرم الشيخ، وما تطلبه مقر المؤتمر من تجهيزات على أعلى المعايير العالمية، سواء المنطقة الزرقاء التي تجرى بها المفاوضات والفعاليات الرسمية أو المنطقة الخضراء التي تبلغ 12 ألف متر لمبادرات المجتمع المدني، وهي الأكبر والأكثر تنظيمًا في تاريخ مؤتمرات المناخ وفق تصريح المهندس مصطفى مدبولي خلال تفقده لها أمس.
وصولًا إلى القدرة على التأمين، وهذه بالغة الأهمية، فمصر التي كانت تعاني في سنوات قريبة حربًا ضد الإرهاب حققت انتصارات يشهد لها العالم، وباتت واحة أمن وسلام بشهادة فعلية من أجهزة أمن وحكومات العالم، تتمثل تلك الشهادة في مشاركة 110 رؤساء دول وحكومات، ومسؤولين أممين بالمؤتمر.
القوة الحضارية للدولة المصرية، وجمهوريتها الجديدة، فممثلو العالم يشاهدون رؤية العين روعة التنظيم، وحافلات النقل الخضراء التي تعمل بالكهرباء والغاز، يشاهدون جمال وروعة شرم الشيخ ومنشآتها، والبنية التحتية للمدينة، والبنية التكنولوجية.
اكتساب الخبرة في التنظيم والإدارة، خاصة لشباب المتطوعين، بداية من مؤتمرات شباب العالم وحتى مؤتمر المناخ، والمشاركين في تنظيم المنطقة الخضراء وفعالياتها.
رابعًا: بناء الوعي ونشر الثقافة المناخية
بلا شك كان لدينا الملايين من الشعب قبل استضافة مصر لهذا المؤتمر، ليس لديهم أدنى خبرة بالفرق بين المناخ والبيئة والطقس، ولا دراية بقضية التغيرات المناخية، أسبابها وآثارها، وانعكاساتها على الحياة اليومية.
ليأتي هذا المؤتمر بزخمه الإعلامي، دافعًا عددًا ليس قليلًا من القائمين بالاتصال بوسائل الإعلام على تثقيف أنفسهم ليتصدوا لتثقيف الشعب، وهنا تنامى الوعي بقضية التغيرات المناخية علاقتها بالتنمية الشاملة والمستدامة، وعلاقة التغيرات بحياة المواطن وأثر المشروعات القومية على جودة الحياة، وهذا الزخم التثقيفي ينبغي أن نبني عليه.
فقد بدأت الجامعات تعدل من مناهجها، وعلى الإعلام أن يُخصص مساحات ثابتة لجهود العمل المناخي على مدار العام والأعوام المقبلة، وعلى الدراما والفن المساهمة بدورهما في بناء حصون الوعي بهذه القضية.
خامسًا: المكاسب التنموية
تتبنى مصر استراتيجية التعاون التنموي، بما لديها من موقع وانتماء إفريقي عربي شرق أوسطي، ومن ثم تستهدف تنمية في مشروعات الطاقة النظيفة وتحلية المياه، وتعظيم القدرة على إدارة الموارد المائية ونظم الصرف.
والمشروعات الخضراء الذكية، وفي المقدمة توليد طاقة الهيدروجين الأخضر، والريادة في مشروعات الطاقة المتجددة.
وما يسفر عن المؤتمر من نتائج ذات صلة بخفض فوائد الاقتراض لدعم مشروعات التكيف، وتنمية التمويل بالمنح، وإدراج بند التكاليف والخسائر البيئية على أجندة المفاوضات يعزز من فرص تحقيق دعم حقيقي مالي وتكنولوجي من الدول المتقدمة لمشروعات التكيف في الدول النامية وفي مقدمتها مصر، الأكثر إنجازًا في مشروعات خفض الانبعاثات وتعزيز التكيف والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة.
سادسًا: الريادة الإفريقية
تمثيل مصر للقارة الإفريقية، ومناقشة قضاياها، خاصة دمج العمل المناخي، في خطط التنمية المستدامة، والعمل على اتخاذ قرارات دولية تنفيذية للدعم التكنولوجي والتمويلي لمشروعات التكيف، يعزز العودة القوية للدور المصري الفاعل في قارتها العذراء الزاخرة بالثروات البكر، رغم التحديات.
وفي هذه النقطة يتحقق لدول إفريقيا وفي مقدمتها مصر، مكاسب تنموية، بحشد فرص الاستثمار في قائمة مشروعات تم إعدادها بعناية كبيرة، يناقش مؤتمر المناخ 50 مشروعًا منها كطليعة المشروعات المقدمة من مصر ودول إفريقيا وعربية وأمريكا اللاتينية ودول آسيوية، ودول ذات اقتصاديات ناشئة.
فالقارة الإفريقية، هي الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، رغم أنها الأقل تسببًا في حدوث الانبعاثات.
وهنا ننتظر تنمية حقيقية، وفرصًا استثمارية في الطاقة المتجددة وكل مجالات تخفيف الانبعاثات والتكيف، في مقدمتها مشروعات تحقق توطينًا للتكنولوجيا الحديثة، في مقدمتها إنتاج الهيدروجين الأخضر، صفري الانبعاثات، وبالأمس وقّعت حكومتا مصر وألمانيا اتفاق مبادئ للتعاون في قطاعي الهيدروجين الأخضر والغاز.
إن هذا المؤتمر فرصة تاريخية، ومكاسبه على المدى القريب والبعيد تفوق ما يتخيله الناظر إليه نظرة قشرية، عابرة، فمصر دولة عفية تُديرها عقول استراتيجية، تستهدف الخير للوطن وشعبه والبشرية.
تحيا مصر وطنًا عزيزًا قادرًا، نفتخر بأن رزقنا الله نعمة الميلاد به والانتماء إليه.
وللحديث بقية، بإذن الله، عن قمة المناخ وما تُسفر عنه مفاوضات الدول الأطراف.