عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المشروع المصرى

المشروع المصرى

بقلم : طارق رضوان

عندما دخل البابا تواضروس باب جامع الفتاح العليم مخاطبًا المسلمين ورد عليه شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب باب كاتدرائية ميلاد المسيح مخاطبًا الأقباط. أعلنت مصر فى تلك اللحظة التاريخية عودتها للمشروع المصرى. حظى الحدث باهتمام عالمى. اهتمام بالإهمال خوفًا وانزعاجًا من الرسالة. رسالة الحضارة المصرية السلمية. وبدأ الهجوم. ولن يتوقف.



 

1- التعددية الدينية

منذ أن التقى عمرو بن العاص والبابا بنيامين البطريرك الثامن والثلاثين للكنيسة القبطية المصرية وكان ذلك فى عام 640 م. عرفت مصر وقتها التعددية الدينية الحديثة التى تعيش تحت مظلتها إلى الآن. فمنذ ذلك اللقاء. أضيف عنصر جديد إلى مقومات الكيان المصرى وهو التعددية الدينية. المسيحية يمارسها الأقباط فى إطار كنيستهم المصرية والإسلام الوافد الجديد الذى راق للمصريين. وقد تابع الإسلام المصرى ما صنعته الكنيسة المصرية من قبل. إذ ألقى الإسلام روحه الدينية على مقومات الكيان المصرى. فالإنسان والجماعة يأخذان مفهومًا متشابهًا ومتكاملًا فى عمق التدين المصرى المسيحى والإسلامى. والنتيجة الهامة لهذه الحقيقة هى أن التعدد الدينى فى مصر فى صورته الدينية والشعبية نشأ وعاش فى إطار وجدان الشعب. أى فى إطار التجانس الذى تصنعه مقومات الكيان المصرى. وهكذا صار فى الحياة المصرية قطبان يجرى الجدل بينهما. التجانس الجغرافى وتمثله الأرض وسيادة العرق ووسيلة الإنتاج الرئيسية وهى الزراعة أى النظام السياسى من ناحية. والتعددية ويمثلها الدينان المسيحية والإسلام من ناحية أخرى. ولو أن واحدا من هذين القطبين ساد لاندثرت مصر كما نعرفها. فلو أن التجانس ابتلع التعددية من خلال الهيمنة لانتهى وجود الآخر. ولو أن التعددية صارت كاسحة تكرس الفرقة لما صار للكيان المصرى مقومات وجود موحدة.

ولكن الحياة المشتركة الاجتماعية والإنتاجية والثقافية والحضارية حالت دون حدوث الاستقطاب  وأفرزت بديلا ثالثا غير الاستيعاب والاستبعاد المتبادل وهو الحياة المشتركة من خلال جدل القطبين. التجانس والتعددية الدينية. هذا البديل يحتفظ بالمقومات الواحدة الموحدة ولا ينفى وجود الآخر. الجماعة تحى التعدد على أرض الوحدة ،خاصة أنه فى هذه الحياة المشتركة الأرض لا تعطى الفرصة للانفصال. أى أن الدين المصرى من خلال المساحة المشتركة بين المسيحية والإسلام لا يؤدى إلى الفرقة بل إلى الوحدة. وفى نفس الوقت أعطت التعددية فرصة لظهور الآخر فى الحياة اليومية للمصريين بكل ما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية وحضارية.

وقد أضيف عامل آخر جعل التفاهم بين الوافدين وأهل الأرض ممكنًا. فقد أصبح الجميع مع الوقت يتكلمون لغة واحدة هى اللغة العربية. تلك الخطوة كانت حاسمة فى تكوين الجماعة المصرية الموحدة إذ سهل التفاهم بين مكوناتها. وكان الفضل يرجع إلى شخص قام بدور تاريخى فى هذا المجال وهو العالم القبطى ساويرس الذى كان أسقفا لمدينة الأشمونين بمديرية أسيوط وعاش فى القرن العاشر والحادى عشر واشتهر باسم ابن المقفع لأنه قام بنقل التراثين القبطى واليونانى إلى العربية، وكان عالمًا فى اللغة العربية عليمًا بعلومها وأسرارها وكان راسخًا فى اللغتين اليونانية والقبطية ،ولذلك تعاون مع عديد من المسيحيين على نقل ما كان من التراث بالقلم القبطى أو اليونانى إلى القلم العربى.

وبهذا حدثت معجزة التفاهم داخل الشعب المصرى. فاللغة هى التى تصنع التصور وتكون الوعى والنظرة إلى الذات وإلى العالم وتربط بين البشر وتعبر عن العلاقات فيما بينهم. ومنذ ذلك العهد شارك الأقباط المسلمين فى أهم نشاط اقتصادى تميزت به مصر وهو الزراعة. فمن مئات السنين والقرى المصرية عامرة بالفلاحين من أقباط ومسلمين ولم يشكل الأقباط فئة تستنكف العمل الزراعى فى الريف.

فالعلاقة بين الفلاح المصرى القبطى والمسلم والأرض والنيل علاقة عريقة ذات تقاليد يحكمها إلى حد كبير التقويم القبطى لدورة فيضان النيل والزراعة فى مصر الذى اتبعه الفلاحون جميعهم من مسلمين وأقباط. ولأنها دولة حضارة وليست دولة قومية فهى خطرة. تتعرض لكثير من المؤامرات الخارجية والداخلية. من عدو واضح وعدو مستتر يلعب من خلف الستار مستخدمًا الجهلاء والخونة والمرتزقة فى الداخل. ولأن الدين عنصر مهم وأساسى فى التكوين المصرى. دست آياد قذرة تحاول بث الفتنة والوقيعة ما بين الكيان الواحد ليتسيد كيان على آخر وتفقد مصر أهم مقومات وحدة جماعتها ووحدتها الاجتماعية. لذلك فالخوض فى الوحدة الوطنية فى الكيان المصرى قد استبيح أمره رغم جلال خطره لكل ماسك قلم أو حجر أو سيف ولكل مطل على الناس من صفحة جريدة أو سماعة مذياع أو شاشة تليفزيون ولكل من اعتلى منبرا.

وكانت النتيجة حالة من الفوضى أحاطت بالموضوع كله. وفى هذه الظروف تحتاج الأمور إلى إرادة الفعل المتمثلة فى الدولة. والواقع أنه حين تظهر بوادر الفتنة ناشئة من اختلاف العقائد مع وجود رغبة أو تصميم وتخطيط على استغلالها من الخارج أو حتى من الداخل فإن الوطن أى وطن وليس الوطن المصرى وحده يجد نفسه أمام ظرف لا يصلح فيه منطق الحوار لأن العقائد بطبيعتها متعلقة بالإيمان وما يتصل بها مشبوب بالعواطف وطول الأخذ والرد يحرك فى القلوب ما تصعب السيطرة عليه.

ففى هذه الحالة لا يوجد ما يسمى بالحل السلمى. العمل السلمى تسول دون نتيجة. لكن العمل السياسى هو الحل الأوحد فى وجود خطر كهذا. العمل السلمى يعنى أن أذهب وأرجو واحدًا واحدًا لتهدئة الأمور. وإذا أضفت لكلمة السلمى كلمة ديبلوماسى يعنى قانون الدولة. قواعد قانون الدولة. العالم يعترف بالقوة السياسية القوة الحقيقية لأى طرف من الأطراف هى التى تكون وزنه وتحدد مجال حركته وتمنحه مساحة ما يستطيع تحقيقه من آمال وخطط. أما إذا قلنا الحل السلمى أو الديبلوماسى فكأننا نتكلم عن طلب الرأفة أو عن التمسح بحجج واهية لا مجال لها فى ذلك الخطر. العمل السياسى هو عمل تدخل فيه جميع الوسائل. فى العمل السياسى يوجد العنصر الدعائى والعنصر الديبلوماسى والعنصر القانونى والعنصر الاقتصادى والعنصر العسكرى والعنصر الأمنى.

والعنصر الأمنى يعنى الأمن التقليدى والأمن غير التقليدى. استعمال العنف المشروع فى استعادة حق من الحقوق اعتدى عليها بالعنف، كما حدث من عنف جماعة الإخوان الإرهابية على الأقباط وكنائسهم. ففى مجال الدين لا توجد أقلية أو أغلبية تحصى بها الأصوات فى نهاية المطاف ولحسم الأمور بحيث تخضع أقلية لرأى أغلبية أو تواصل الأقلية عرض حججها كى تتحول يومًا إلى أغلبية. طول الجدل لحد الصخب وتبادل الاتهامات وتوزيع المسئوليات فى حوادث متصلة بالعقائد قادر لوحده أن يحول خطأ غير مرئى إلى جرح عميق بلا قرار وأن يحرك من المشاعر والغرائز ما يجعل الوهم نفسه يتجسد قضية حياة وموت. التعددية الدينية والوحدة الوطنية أعطت لمصر روح التجانس وفردت قوتها الناعمة على محيطها الإقليمى والدولى. فأصبحت دولة حضارية يصنع تاريخها قوة مستقبلها. وتصنع وحدتها الاجتماعية سر بقائها. لذلك فالتعددية الدينية المصرية هدف.

وكانت رسالة مصر واضحة عند افتتاح الجامع والكنيسة فى وقت واحد. رسالة عودة الحضارة المصرية السلمية. رسالة عودة المشروع المصرى القديم. وللمشروع المصرى جوانب متعددة. تجعله المشروع الأوحد والأخطر والأهم فى العالم وهو ما يبنيه الآن الرئيس عبدالفتاح السيسى. يجهله كثيرون فى الداخل ويفهمه كثيرون فى الخارج لذلك فالهجوم الشرس قادم لا محالة .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز