عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
البحث عن المستقبل

البحث عن المستقبل

بقلم : طارق رضوان

مازال الماضى يفرد مظلته على كثيرين منا. إما هروبًا من الواقع. أو خوفًا من المستقبل. اطمئنانًا للوضع القائم بحجة الاستقرار والخبرة. وتناسوا أن العالم يعيش على رمال متحركة.  تبتلع  كل غافل. وتغرق كل جاهل بطبيعة ما يحدث من تطور فى العالم. ومصر طوال تاريخها هى أمة مستقبل. تسبق محيطها بشكل مذهل. فقط عندما تريد. لأنها تستطيع. ودوما مصر تستطيع.



برؤية أخرى. وبرغم ما حدث من فوضى وتشرذم فى الأعوام السبعة الماضية. فإن مصر شهدت تطورًا رهيبًا. ظهرت الهوية المصرية كأحد مكونات بقاء تلك الأمة العتيدة. ظهر الولاء الشعبى لجيشها. وليومها الآمن المعتاد. ولحياتها الاجتماعية الصلبة. وصبرها وشموخها وجسارتها. أصبحنا نذهب لصناديق الانتخاب ننتخب رئيس الجمهورية بعد سنوات من الاستفتاءات امتدت لنصف قرن. فى وقت محيطها الإقليمى مازال يعيش فى عهد بدايات القرن الماضى فى اختيار رؤسائهم وملوكهم وأمرائهم. إما بالاستفتاءات وإما بالتوريث. وكان المشهد مذهلًا بداية هذا الأسبوع فى تلك الطوابير الممتدة لانتخابات الرئاسة فى الخارج. ذهبوا لينتخبوا لمصر. ولحياتهم الآمنة. تطور المجتمع المصرى رغم أنه مازال هناك من ينادى بعودة الماضى. مستخدمًا عبارات استحسان لما قد مضى. واستهجان للواقع. وتتم المقارنة المغرضة لإثبات جمال ما فات وقُبح الحاضر والخوف من المستقبل. فهناك مصالح وأغراض لبقاء الوضع على ما هو عليه.  فالتجديد  سيطيح برءوس اعتادت   العيش على التاريخ. فتظهر صور ومقالات وبرامج تليفزيونية وبرامج إذاعية تبجل الماضى وتلعن الحاضر. حتى عناوين الكتب فى المكتبات. النسبة الأعلى منها كتب تسرد التاريخ وتتوغل فيه. وعدد الكتب التى تتحدث عن المستقبل نادرة. فانصرف الشباب عن احتواء كتب التاريخ. واستعان بالقراءة لكُتّاب فى مثل سنهم أو لكتابات الغرب الأوروبى. أسياد المستقبل. وظلت كتب الماضى مرصوصة على الأرفف بلا قارئ تغطيها الأتربة. رجال الماضى رغم عددهم القليل فإنهم مؤثرون. يكونون طبقة عازلة لمنع تسرب أى جديد ينعش الحاضر ويعطى للمستقبل أملًا. ولا يمكن أن نظل خائفين من مخاطر التقدم فى العمر فنظل متشبثين بما تعودنا عليه فى الطفولة والصبا. لا مفر لنا من دخول العصر الذى نعيش فيه بكل مخاطره. لأنه أيضًا حافل بكل ما تعد به الحياة من طيبات ومسرات. ولا أمل فى الحصول على طيبات الحياة إلا ببعض المخاطرة. بل إن الظن بالتشبث بالماضى هو أفضل طريق للحفاظ على الهوية، وتميّز الشخصية ليس باجترار الماضى وإعادة تكراره بلا نهاية. بل بالقدرة على مواجهة الجديد وعلى الإبداع فى مواجهة التحديات. صحيح أن فى هذا العالم الحديث أشياء كثيرة كريهة. النهم الاستهلاكى. المادية المفرطة. الإباحية الجنسية. استغلال الجنس فى الدعاية التجارية والسياسية. كل هذا سيئ. ولكن لا مفر لنا مع ذلك من التعامل مع هذا العالم الحديث. لا يمكن أن تقتصر مهمتنا على الصراخ بأن ثقافتنا أفضل. دون أن نحاول أن ننتج شيئًا يُستَوحى هذه الثقافة. وأن نكتفى بإعلان أن قيمنا أفضل من قيمهم. ثم نستمر فى استيراد واستهلاك السلع والخدمات التى ينتجونها هم والمشحونة بهذه القيم التى نعلن رفضنا لها. علينا أن نكف عن التصرف والكلام وكأن من الممكن أن نعيش بمعزل عنهم. إن علاج مشكلاتنا لا يكون بإغلاق الأبواب والانعزال عن العالم والعودة للماضى. وإنما بالأخذ بكل أساليب اكتساب القوة والتكنولوجيا الحديثة على الرغم من كل عيوبها. فإنها من أهم أساليب اكتساب القوة. وتعلم  العلم الحديث هو من الشروط الأساسية لاكتساب هذه القوة. والتظاهر بأننا  نستطيع أن نفرض إرادتنا عليهم ونحن بهذه الدرجة من الضعف اقتصاديًا وإعلاميًا وسياسيًا. هذا التظاهر ليس إلا نوعًا من الانتحار. ومازال لدينا أمل على الرغم من كل ما أصابنا من تدهور. هذه أمة عظيمة. مُنيت بحظ سيئ للغاية طوال الثلاثين أو الأربعين عامًا الماضية. انقطعت خلالها عن مسايرة العالم. حتى يكاد يصح عليها ما  وصفه بها البعض بأنها أمة خرجت من التاريخ. فتفوقت علينا أمم كانت أقل منا شأنًا. وليس لها مثل تاريخنا وحضارتنا وتراثنا. تفوقت علينا فى الاقتصاد والتعليم والإنتاج الثقافى. بينما تراجعنا نحن اقتصاديًا وعلميًا وثقافيًا. نجحت تلك الدول فى أن تحقق لشعوبها مستوى معيشة أفضل. وحظيت باحترام العالم من حولها. وتصدت بنجاح لمن أراد النيل من كرامتها وحقوقها وساهمت فى تقدم العلم والتكنولوجيا بينما جلسنا نحن قانعين وراضين بما يلقيه الينا العالم من بواقى موائده. نستجدى الصدقات من هذا الجزء من العالم أو ذاك. ونستعطف دولًا صغيرة راجين ألا تحرمنا من مياه الشرب والرى. ولم يعد لنا حول ولا قوة نقدم بهما النجدة لأصدقائنا وأشقائنا وننفق ما بقى لنا من مال. أو ما نحصل عليه من صدقة على استيراد سلع الاستهلاك الترفى لكى تنعم قلة صغيرة جدًا بنوع من الرفاهية أقرب إلى الانحلال الأخلاقى منه إلى الاستمتاع بالحياة. لقد تغير العقل البشرى. وتطور تطورًا مذهلًا. فحجم التكنولوجيا التى تصل لكل فرد خلقت إنسانًا جديدًا. إنسانًا عالميا. يميل إلى الانعزالية والفردية. فى البيت الواحد وفى الأسرة الواحدة الفرد منشغل بجهاز فى يده يخاطب به ما يريد. ويتحدث لمن يريد على مستوى العالم. تجده يضحك وحيدًا وتجده يتحدث فجأة بصوت عالٍ. يرفع رأسه ليرى من حوله متسائلا. هل رأه أحد وهو يتحدث؟ فيجد الكل مشغولًا مثله. فتآكلت الجماعية وحلت مكانها الفردية. أو بالأدق حلت الجماعية العالمية. ليس عيبًا أو ميزة فيما حدث. وفيما سيحدث. لكنه سمة عصر. ومن يبتعد عنها خرج من التاريخ. وأصبح  من بواقى زمن مضى وولى. بل وأصبح متخلفًا فى نظر هؤلاء. الماضى الآن فى مصر فى حربه الأخيرة. حرب الوجود. وسيخسرها لا محالة. رغم شراسة المقاومة. فالمهزوم فى معركته شرس لأنه يعرف أن نهايته  اقتربت. لذلك يحيل التراب على كل ما هو جديد. وكل ما هو شاب. وكل ما له علاقة بالمستقبل. لكن رجال الماضى وكراكيبه لا يرون الحقيقة خالصة. فالدولة الآن تسير بسرعة الصاروخ للمستقبل. لا تتوقف ولا تنظر للخلف إلا من أجل اكتساب الخبرات فقط. تمامًا كسائق العربة الذى ينظر إلى الأمام وأمامه مرآة  تنظر للخلف يستعين بها وينظر إليها نظرة خاطفة ليؤمن طريق السير للأمام. مشاريع الدولة التى يقودها الرئيس السيسى كلها مشاريع مستقبلية.  يُطلب سرعة إنجازها لتأخرنا سنوات وسنوات عن تحقيقها. والماضى يريد أن يعطل. فهى ليست لهم. ويوافقون عليها صاغرين. لكنهم يجيدون التعطيل والتشويه. مصر دولة يريدها العالم الآن. نسبة الشباب فيها تزيد على نصف مجتمعها. هم المستقبل. هم الأمل. وشديدو الانتماء للواقع بكل ما فيه. وشديدو العداء لكل ما هو ماضٍ. فهو ليس زمانهم. ولم يروا منه ما ينتمون إليه. لذلك فهم شديدو القسوة على الماضى ورجاله. لا أمل لدينا لو استمر البعض منا يتمسك بالماضى وبلفظ «كان». المستقبل فى انتظارنا ولن يرحمنا لو تقاعسنا عن مسايرته. سنخرج مرة أخرى من التاريخ كما حدث فى الأربعين عامًا الماضية. وهو ما لن يحدث أبدًا. وغير مسموح به. وعلى كراكيب الماضى – ليس سنًا لكنه فكر -  أن يغادروا مقاعدهم. فهم لا يصلحون لمستقبل ولا لدولة المستقبل التى يبنيها الرئيس السيسى. بل هم عبء ثقيل وأحمال لا لزوم لها. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز