عاجل
الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السيرك المصري .. دروس حضارية

السيرك المصري .. دروس حضارية

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

عجبا ترى وقد نصب السيرك المصري في كل مكان ومجال وبأيدي الشعب كاملا دون استثناء سواء بالمشاركة الفاعلة أو التشجيع أو الاعتراض والصراخ والعويل النخبوي والإعلامي أو (الإنترنتي) أو حتى الاكتفاء بالمتابعة والمصمصة لعاصري الليمون ، ويتصدر المشهد المصري بقوة هذه الحملات الجريئة والقوية والمزلزلة لأركان الفساد المزمن والمستشري في مصر وجميع مؤسساتها دون استثناء ، ولا جدال أن هذه الحملات ناجحة بامتياز سواء في فاعليتها أو إستراتيجيتها وخاصة في تحديد أولوياتها التي تستحق منا كثير من الاحترام والتقدير ، فكما كانت يقول أجدادنا (نظافة البيت تبدأ من أعلى درجات السلم) ، لتسجل في تاريخ الأمم أسسا وقيما عظيمة وشجاعة ولا بديل لها للقضاء على الفساد حتى وإن كانت ردود أفعالها من جهات بعينها كالضرب تحت الحزام ، ولكنها في النهاية في مجمل أثرها ردود أفعال تلقائية بلهاء ولا تملك أن تحرك ساكنا أو تهز شعرة في رأس هذه الدولة القوية .



وتتشابك الخيوط وتتابع الأزمات عبر شهور العام المنصرم 2016م لتصنع مشهدا تاريخيا لدولة تخوض أشرس وأعنف حروبها على جميع الجبهات الداخلية والخارجية ضد قوى الماسونية المصرة على مواصلة استهداف الدولة المصرية مهما كان الثمن ومهما كانت الخسائر حتى ولو اضطروا لإعلان الحرب على هذه الدولة وبلا أسباب سوى أنها دولة تبشر قدراتها وإصرار قياداتها وشعبها على أن تصبح مصر دولة عظمى في غضون سنوات ، وهو ما رصدته وما زالت تتابعه أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية وتعلنه وتحذر منه ، بل وتؤكد أن هذه النتيجة تحديدا جاءت عكس ما كان مخططا ومتوقعا من تعريض مصر لنوات ثورة الربيع العبري ، فهو كما تقول التقارير المخابراتية { قد جاء على النقيض تماما مما كان مستهدفا من الفوضى الثورية } والتي فجروها واستخدموا فيها هذا الشعب العظيم استغلالا لحاجته للتخلص من حكم مبارك وعائلته وعصابته الماسونية ، والتي خلفت وراءها أسوأ تشويه لنفوس شعب استشرى فيه الرشوة والاختلاس واللامبالاة والأنانية والاحتكار وتدني الأخلاق الاجتماعية ، وهو ما تعمدوا نشره وتأصيله عبر حكم مبارك وهو أيضا ما غرهم وتوهموا أن هذا كفيل بتدمير مصر وتشريد شعبها كغيره ، ولكنهم غفلوا أو ربما تناسوا أن لهذا الشعب (شفرة مجتمعية) مختلفة وفريدة ، والتي أجبرت أوباما وإدارته أن يعلنوا احترامهم لهذا الشعب رغم أنهم ما زالوا يعضون النواجز على ما هدمه لهم هذا الشعب من مخطط للأبد .

وقد نختلف كثيرا حول كثير من القضايا الفرعية والمواقف والأحداث وبعض الشخوص من البشر وأشباههم وما أكثرهم على الساحة المصرية في ظل هذا السيرك المجتمعي المنصوب منذ أكثر من ستة سنوات ، ولكننا في النهاية نتفق أن الغالبية العظمى تحلم باستقرار هذا الوطن وتقدمه ، بل ورفاهية الحياة لشعبه ومستقبل أجياله ، وهو ما سوف يكون من العسير تحقيقه دون تغيير حقيقي في نفوس وبالتالي سلوكيات شعبه ، ورغم أنني أثق أنه يحدث الآن وسوف نرى ثماره في القريب العاجل ، إلا أن كثافة سحابات الغيوم المتشائمة التي تتكاثر كتداعيات للمعاناة التي تتزايد على عاتق الشعب ربما تخفي كثيرا من حقيقة اقتراب الانفراجة لكل أزمات مصر وخروجها من سنواتها العجاف التي نحيا سنتها السابعة وما زال لدينا كشعب القدرة على التحمل والصبر ، فنحن قدره المكتوب والمعلوم أنه في رباط وترابط إلى يوم القيامة .

ولا أعلن أسرارا .. أن كثيرا من حقيقة ما يدور في مصر وخارجها لا تعلنه الدولة ولا تطرحه لشعبها ، ورغم أن لهذا الموقف تداعيات سلبية كبيرة وربما خطيرة أحيانا ، ولكنه في النهاية هو الحل الأمثل وربما المثالي لشعب يحيا حالة سيولة شاملة في كل قيمه ومفاهيم وانفراط في عقود المصداقية والحدود والأخلاق ، فكثير من الأمور لا يصلح طرحها لشعب يظن فيه أجهلهم وأقلهم شأنا أنه يفهم في أمور إدارة الدول أفضل من رئيس الدولة ورجالها ، بل بلغت مستويات السيولة المجتمعية ، أن طالبا ما زال لا يجيد كتابة اسمه يستضيفه إعلامي مأجور ليعلم وزير التربية والتعليم كيف يدير التعليم في مصر ، وكلاب الماسونية يريدون أن يصنعوا من مستهترة حملت سفاحا (جان دارك) الشرف والقيم الإنسانية والدينية ، ولماذا لا ورجال الدين مصرين على الفهم المعاكس تماما لما تقتضيه الظروف والمخاطر والتحديات وما يطلبه منهم رئيس الدولة وكأنهم من كوكب آخر ، ووزراء يرقدون على تلال من الفساد في وزاراتهم ، ولا يحركون ساكنا حتى حيال ما يحدث في مكاتبهم ومن مساعديهم ووكلائهم ، وهو ما يدفع كثير من شعب التواصل الاجتماعي وهم ما زالوا فاقدي القدرة على كتابة حروف اللغة العربية أو فهم معان الكلمات ولكنهم يتطاولون على أي شيء وأي أحد ويتخيلون أنهم قادرون على رسم سياسات وإستراتيجيات الحكم وإدارة الدولة وتصحيح مسارها ، وليست هذه أمثلة فردية أو عشوائية ولكنها مشاهد تصف وتحدد معالم الحالة المصرية التي تعاني من هذا المستوى الهزلي المهتريء لإدارة الأمور ، ولذلك لا عجب أن تتعامل الدولة مع الجميع وفي مواقف وأحداث كثيرة على أنهم دون مستوى الفهم والمسئولية للحد من تنامي الآثار السلبية .

ولا شك أننا نحيا أغرب وأكثر فترات التاريخ المصري سيولة وتشتتا مجتمعيا ، وذلك أننا ما زلنا نمارس صراعات ونعاني تداعيات الفوضى المسماة بثورات الربيع العبري في جميع مناحي ومجالات الحياة بلا استثناء ، ولكني أختلف كثيرا مع كثير من المحللين والمراقبين والمنظرين السياسيين المعاصرين في أن ما نمارسه اليوم ليس بالسوء الذي يدعيه البعض بل إنني أرى دوما أنه ليس سيئا على الإطلاق ، بل هو في الحقيقة من أرقى أنواع الممارسة الحضارية لتداعيات الثورة أو الفوضى ، وتثبت أن هذا الشعب أنه من أرقى شعوب الأرض تحضرا ومدنية رغم كل السلبيات الموجودة والتي نعاني منها جميعا ، وذلك ببساطة لأسباب بديهية ، أولها أن معظم شعوب الأرض لا تملك ميراثا حضاريا نفسيا لأفراده يوازي أو يقترب من الميراث التاريخي الحضاري للشعب المصري وهو السبب الرئيسي الذي فرق بين المصريين وغيرهم وجعل جميع الشعوب التي تعرضت عبر التاريخ البشري لأقل من نصف ما تعرضنا له انهارت بلادهم وتشردوا وقتل بعضهم بعضا وانقسمت بلادهم لدويلات وكيانات لا قيمة لها بداية من الدولة الرومانية والفارسية في العصور الوسطى ومرورا بألمانيا والهند واليابان وكوريا الموحدة والاتحاد السوفيتي ونهاية بسوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان والصومال على العكس تماما من هذا الشعب الذي يمارس تداعيات ثورته بمنتهى السلمية والرقي والتحضر ومحاولات تجاوز سلبياته والتي تبرزها انتقاداته الساخرة في إطار صراعه من أجل تحسين حاضره وضمان مستقبله .

لأنها سادتي الكرام .. هي (مصر) صاحبة الحدود الإلهية .. والجغرافيا الربانية .. وأم الحضارة والمدنية الأرضية ، فهي مصر التي حدد حدودها خالق الكون ومالك الملك في كتابه العزيز ، ثم أثبتها على أرض الواقع أمرا مقضيا ولا عبث ولا جدال فيه ولا فرار منه ، خاصة حدودها الشرقية التي دخل منها يوسف وأثبتها الله في كتابه والتي ما زالت كما أقرها الخلاق العليم رغم استهداف كل الجحافل والقوى الاستعمارية عبر التاريخ لتغييرها ، ثم تفضل سبحانه وتعالى فحبا هذه الأرض بشعب يحمل كل معاني الأصالة والمدنية والتحضر النفسي المتوارث عبر الأجيال وتلك هي الحقيقة التي لا يستطيع بشر أن ينال منها ، .. مهما اتهمني بعض الأفاضل منهم بالتطبيل لمصر والمصريين .. ، ولما لا فهي فضلا عن كل هذه الحقائق .. هي وطني الأم والأرض والعرض .. والعشق الأبدي .

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز