عاطف حلمي
ريجيني وكشف المستور
بقلم : عاطف حلمي
كشفت تداعيات حادثة مقتل الطالب الايطالي ريجيني عن عدة أمور بالغة الأهمية، فعلى المستوى الرسمي هناك ارتباك أمني واضح في التعامل مع هذا الملف أدى إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلها.
الثقة
وإذا طالعنا ما يدور عبر مواقع التواصل الاجتماعي من ردود أفعال تجاه هذه الحادثة، سندرك مدى الهوة الكبيرة من عدم الثقة بين شرائح كبيرة في المجتمع والأجهزة الأمنية، وهذا ناتج عن موروث طويل من العلاقة السيئة بين الطرفين لن ينتهي بجرة قلم أو تصريح هنا أو هناك بل يحتاج لجهود حقيقية لتضييق تلك الهوة، لأن الثقة المتبادلة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين في أي مجتمع هي أساس الاستقرار.
السمعة
أما على المستوى الدولي، فأننا أصبحنا في وضع يعد الأسوأ من حيث السمعة في مجال الحريات وحقوق الإنسان، وهي سمعة لم تكن وليدة اللحظة أو رد فعل على حادثة الطالب الايطالي، فهناك العديد من التجاوزات والانتهاكات التي تستوجب وقفة جادة للحد منها ودراسة دوافعها واسبابها.
وما لم نعترف بما وصل إليه حالنا في هذا المجال، ونعترف بما ارتكبناه من أخطاء، لن يبقى الحال كما هو عليه بل سيتطور إلى الأسوأ والأخطر.
ملفات سياسية
قضية الطالب الإيطالي ليست مربط الفرس، فالمشكلة أعمق بكثير، وعلينا إعادة هيكلة وزارة الداخلية بشكل حقيقي وفاعل، بما في ذلك استراتيجية العمل الأمني نفسه، فلابد من تحرير كاهل الأجهزة الأمنية من عبء الملفات السياسية التي أصبحت أبرز الأسباب الأساسية في خلق فجوة بين الأمن ورجل الشارع، بل وعطلت الأجهزة الأمنية عن القيام بواجباتها الطبيعية وهي تلك المتعلقة بالأمن الجنائي والمجتمعي.
بلطجة
لقد تم تحميل الأجهزة الأمنية بلمفات ليست من صميم اختصاصها، ولا ننسى كيف استغل الحزب الوطني، في أيام مبارك، الأجهزة الأمنية في تجييش البلطجية لتزوير الانتخابات البرلمانية، وأمتد الأمر لتتدخل الأجهزة في كل شيء، بدءاً من انتخابات اتحادات الطلبة في المدارس والجامعات مروراً بالنقابات والأنشطة العمالية وليس نهاية بالأحزاب التي تحولت إلى هياكل كرتونية في عهد مبارك بفعل اختراق الأجهزة الأمنية لها، ناهينا عن مراقبة الكنائس وخطب المساجد، وكل شيء أصبح في حاجة لكلمة سحرية من أجل المرور اسمها "الموافقة الأمنية".
أمن جنائي
آن الآوان لتتفرغ وزارة الداخلية وأجهزتها للعمل الأمني الجنائي والمجتمعي، وأن تستريح من تلك الملفات التي اقمحت فيها وسقطت بسببها في الكثير من الكبوات، فليس من مهام رجل الأمن مراقبة انتخابات اتحاد طلبة أو نقابة أو حزب أو ايا كانت هذه المؤسسة أو تلك الهيئة، فمحاربة المخدرات التي تباع جهاراً نهاراً في العديد من المناطق وتؤدي لضياع مستقبل الشباب أفضل من الوقوف خلف مرشح في اتحاد الطلبة أو تخريب حزب أو نقابة، وإنقاذ أرواح الأبرياء وأموالهم من سطوة العصابات واللصوص وفارضي الأتاوات أفضل من التفرغ لمراقبة كنيسة تحاول ترميم دورة مياه أو خطيب في مسجد هنا أو زاوية هناك.
الشكل والمضمون
مطلوب إعادة هيكلة حقيقية في الشكل والمضمون لوزارة الداخلية بأكملها، وليس على طريقة تغيير مسميات، كما حدث مع جهاز أمن الدولة الذي أصبح "الأمن الوطني"، وفي النهاية "أحمد زي الحاج أحمد".
تراخي
نقطة أخيرة لم أشاء أن اتطرق إليها في بداية المقال، وهي الخاصة برد الفعل الرسمي على الموقف الايطالي بشأن مواطن مصري اختفى أو قتل في ايطاليا، وللأسف فهذا يكشف عن مدى تراخي وزارة الخارجية فتلك الواقعة مر عليها شهور ولم تتذكر مصر هذا المواطن إلا من باب معايرة الجانب الايطالي، في حين لم يقل لنا المسؤولون المصريون ماذا فعلوا طوال الأشهر الماضية للبحث عن مواطن فقد في ايطاليا؟!