12:00 ص - السبت 17 يناير 2015
أنت في عصر يجعلك تراقب كيفية الحصول على لبن العصفور وأنت مختبيء تحت اللحاف ، عصر يقول لك : (العالم مصمم حتى تراقبه أنت وحدك).. وتلك حقيقة لا يمكن الفرار منها ولا يمكن التأقلم عليها ببساطة أيضًا.. فالأمر جدُّ مسلٍ في البداية وقاتل للمتعة في النهاية.
أتذكر أنني التقيت بزميلة دراسة لي في الجامعة بعد التخرج بفترة ، ورغم أنها بدأت تحقق بعض النجاح دون أن تكون لها موهبة حقيقة في مجال عملها إلا أنها كانت حزينة وكأنها لا ترى ما حققته ، وتذكرت كيف كنت أبتعد عنها قدر استطاعتي حين كنا زميلتين ، لأنها كانت تراقب الأخريات ثم تسرق منهن الأفكار والمعلومات وتبني عليها أعمالها ثم تقدمها سريعًا ، واستمرت على هذا النحو.. لكن يبدو أنها مع الوقت لم تد تستمريء النجاح.. وباتت وظيفة مراقبة الآخرين عبءًا عليها.. صار يؤلمها كما يؤلم الآخرين.. حتى أنها قالت : (لا أعلم لماذا صار النجاح بلا طعم؟ كيف يسعدون بنجاحهم؟).. وتذكرت قول جدي الله يرحمه : (عينها على اللى في إيد غيرها.. ما بتشوفش إيديها)..
فتخيل معي عزيزي القاريء كيف انفتح هذا العالم على بعضه البعض.. ورواية مثل (النظارة المعظمة) التي استخدمها أحد الجيران للتجسس على جيرانه حتى شاهد تفاصيل جريمة قتل طارده مرتكبوها ، لم تعد هذه الرواية غريبة في عصر تتكرر فيه حوادث التقاط صور مقربة لأرقام ومشاهد هامة في حياة الجميع كل ثانية ، تشعر أنك في صراع دائم ، إما أنك تخضع للمراقبة أو تراقب أحدًا ، لدرجة أنك صرت تقوم بمراقبة نفسك ونقل معلومات عنها راضيًا متطوعًا ، إذا تطالعك صور الـ (سيلفي) في كل مكان.. قد يروق لعلماء النفس إطلاق مُسمى (إدمان) على هذه الظاهرة لكنني أعتقد من وجهة نظر اتصالية أنه نوع من التعويض عن التواصل المباشر.. فأنت تريد أن تكون مرئيًا من الآخرين وهم غير موجودين حولك ، وهذه التكنولوجيا تتيح لك أن تذهب للناس افتراضيًا إن لم يأتوا لك واقعيًا.
فهل هو الشعور بالوحدة هو الذي يجعلك تراقب الآخرين حتى لو كنت ستسرق أفكارهم أو تستغل ما ستعرف عنهم ضدهم ؟!.. أم أنك تشك في قدراتك الإنسانية وحدها وبالتالي تبحث عن معادل لها بين البشر أثنا مراقبتهم؟!.. أنا لا أعلم لكنني حقًا أرى في المراقبة نوع من التواصل الإنساني حتى لو كنت تنوي بها سرقة مالا تملك أنت.. فالإنسان مخلوق طيب شرير.. حين ينزع لبعض الشر فإن هذا لا يعني أنه شيطان لكنه يمارس الشر بدافع إرضاء ألم بداخله لا يعلمه إلا هو والغبي فقط هو من يستمر في الشر حتى يتحول ألمه لمجموعة آلام في نفوس آخرين عندها لن يصبح الشر مجرد سلوك شخصي حر بل سيتحول لجريمة مركبة.. ومن منا لم يعاني من تلك الجريمة ؟!..
أيًا كان الدافع والنتيجة.. حقًا.. من راقب الناس مات غمًا..