الحب في زمن الخبز

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

خدعونا فقالوا أن الحب زهرة.. لذا لم نجده بعد قليل.. فالحب خبز وأزهار.. هذا الكائن الذي يسمونه اختصارًا (الحب) يشتكي من الظلم كثيرًا.. لأننا طالباناه بالحضور بيننا ثم بدأنا في استنزافه حين انتظرنا منه كل شي.. فحين تقع في الحب تتوقع من حبيبك الوفاء والعطاء والتضحية والحضور دومًا والصبر والانتظار.. وأكثر.. قائمة المطالب ثقيلة الوزن والتنفيذ.. وبعد كل هذا نتساءل : لماذا لم يعد الحب كما كان في بداياته؟.. هو سؤال إجابته قد تكون : (لأننا لسنا من كنا في البدايات)..

 

لو فكرنا مليًا في دخولنا لمنطقة الحب في البداية سنتذكر أشياء تشبه الدهشة والاكتشاف.. وربما رأيت في ملامحك تشابهًا مع ملامح كولومبس حين اكتشف أمريكا.. فترى نظرة فيها خدر لذيذ ليس ترامادولي ولكنه جميل في غموض.. وتجرب الفولت مليون في اللمسة لأول مرة وتستخدمها كي تواصل حياتك لأيام في استمتاع.. وتتعلم كيف تكتب الرسائل من أجل البقاء حيًا بدلًا من الاكتفاء بالطعام والشراب لأول مرة.. تشعر أنك تعرف وتجرب كل الأشياء للمرة الأولى.. فهي تجربة عذراء.. ومع الوقت تجد أنك بدأت تحفظ الأشياء.. تحاول جاهدًا الإبقاء على أرضك الجميلة مدهشة كما كانت.. ولكنك لم تعد تندهش مما تعرف وتتوقع.. فتبدأ بلطف أن تتطلب ما تتوقعه.. (أحبيني حتى آخر العمر) (ضحي من أجلي بالوقت الطويل) ولم تسأل نفسك أبدًّا : (هل هذا هو الحب أم تبعات ترهقه؟).

 

الحب لذيذ مغامر مشاكس عصفوري الطيران والتغريد.. وحقًّا هو لا يحب المسؤوليات ويرفض أن يتخلى عن حريته.. لذا بعد فترة تنظر خلفك لتجد الحب يشيخ ويمرض ويفقد لهيبه وإن كان يعلن عن وجوده في بعض الشرارات المتباعدة..

 

الحقيقة التي نحاول تجاهلها هي أن الحب يحتاج للأزهار ذات حاجته للخبز.. فهو يمنحك الدلال عندما تهيم به رومانسية لكنه يطلب منك أيضًّا أن تتحمله وتعلم أنه كأي كائن يجوع ويحتاج للخبز ، وإن لم تطعمه خبزًا سيلجأ لغيرك.. لا تلمه لأنه يبحث عن البقاء.. لا تطلب منه التضحية والإخلاص والوفاء دون أن تهبه الراحة والجمال والمشاركة.. ولا تتهمه بالخيانة إن منعت عنه الخبز.. لأن حب البدايات حب في زمن الدهشة.. وحب الاستمرار حب في زمن الخبز..