عاجل
الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مذكرات رجل ضد القانون (الأخيرة)

مذكرات رجل ضد القانون (الأخيرة)

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

يوم الاتنين 6 يونيو 2014



الرجوع إلى القاهرة

    حين تصبح شخصًا جديدًا غير الذى تعرفه على نحو مفاجئ لا تحظى بقدرة كبيرة على الاختيار كما تظن بل إنك تشعر بضعف البدايات.. عندما تبدأ المشي والكلام والكتابة فإنك تكون ضعيفًا ثم تزداد قوة بعد ذلك.. وهذا ما حدث معى..

    افتتحت (جاليرى هايدى) ومع الوقت صارت شقة والدتى أعلى الجاليرى صالونًا لاستقبال جميلاتى.. تأثرت بعض الشئ لوفاة زوجة شاكر صديقى لكننى عدت لنشاطى الذى لم يبعدنى عنه غرق كل سفن فواز كرم فى البورصة.. كنت مندفعًا فيما أسميته (الحياة الجميلة) لأقصى حد وساعدنى فى ذلك تمتعي بصحة جيدة فعلًا ومعدة سليمة تشرب وتأكل كل شئ..

    لم أكن مشجعًا لأحداث ثورة 25 يناير 2011م حتى وجدتنى أتوسط لخروج ولديّ صلاح وهايدى من ذات قسم الشرطة رغم ضعف الداخلية فى ذلك الوقت.. ودهشت كثيرًا وأنا أرى الشبه الواضح بين ملامح وجهيهما الصغيرين.. كان يجب أن يعلما بالقصة.. تمنيت لو يحدث ما أراه فى المسلسلات العربية ويقع الضابط فى غرام ابنتى لأنه حقًا كان إنسانًا جميلًا لكننى علمت أن (الحياة الجميلة) كانت ستبعده.. وفى طريقى للخروج معهما تغيرت حياتى مرة أخرى حين هتفت باسم مصر فى مسيرة معظمها من الشباب.. رفعونى على الأعناق وجعلوا يرددون خلفى ما أقول فى طاعة وإعجاب.. وانتقلت للإقامة فى ميدان التحرير لثلاث ليلات ويومين.. كانت الفتيات يسموننى فيها "بابا صلاح".. والغريب أننى لم أر جمال واحدة منهن خلال تلك الفترة.. شعورهن بالأمان معى وحضور الجميلة المطلقة (مصر) كان يكفى لكى أشعر بالمسؤولية فقط.. واستمر الأمر حتى أصبتُ برصاصة فى المخ.. ونقلت للعلاج فى باريس..

    لم أكن أصدق أن أحدًا قد يقع فى أسر غيبوبة لثلاث سنوات متواصلة حتى كنت ذلك الشخص.. الشئ الوحيد الذى منع الأطباء من إعلان موتى إكلينكيًا أننى كنت أتحسن ببطء شديد طوال هذه الفترة مما دعا بأحد الأطباء لجعلى مريضًا بدرجة دراسة حالة لرسالته العملية.. وأخرته كثيرًا حتى حصل على نتائج الدراسة..

     اليوم أفقت على وجهين جميلين إلى جوارى.. وجه هايدى ووجه صلاح.. كان يناديانى (بابا).. عبير كانت ومازالت تعطينى دروسًا.. فقد أخبرت ابنها بالحقيقة حين علمت أننى أحتاجه كابن قريب وكذلك أخبرت أخته التى اضطرت لتقبل الأمر بعد أن خلعتنى زوجتى ولم تجد إلى جوارها سوى أخ لا تعرفه.. لم تحتمل زوجتى استقبال تفاصيل (الحياة الجميلة) علنًا.. فحين غبت تطوع الكثيرون لفضحى..

   وفى أول نزهة فى حديقة المستشفى مع صلاح بعد اتصالين جميلين من شاكر وفواز.. قال صلاح:

-        كنت أهذب لك شاربك بنفسى حتى أننى فكرت فى تربية شاربى..

-        إلا الشارب.. أنت أكثر وسامة هكذا يا بني.. كل ما أتمناه أن تجد ما يعجبك غير الشارب..

-        يعجبنى الأب أيًا ماكان.. فنحن لا نجد أبًا كل يوم.. كما أن أمى حين تتحدث عنك مازالت تغالب بعض الدموع.. يبدو أن لديك الكثير يا أبو صلاح..

-        بابا صلاح..

-        بابا صلاح..

   وأقبلت هايدى من بعيد ومعها زائرة أنيقة لم ألحظ منها سوى طولها الذى ظهر تزويره بكعبها العالى تدريجيًا كلما اقتربت.. كانت أسرار بشحمها ولحمها.. قلت لها:

-        أول مرة فى حياتى أراكِ بهذه الأناقة.. ما السر؟..

-        طلبت يدك من ابنتك ووافقت.. هل لديك اعتراض ؟..

-        كنت وستظلين مجنونة.. توقفى عن الهذيان..

   كانت أسرار هى المرأة الوحيدة حولى التى لا تربطنى بها صلة دم.. كلهن انفضضن فجأة.. علمت من هايدى أنها صممت على أن تتابعنى بانتظام وقبلت العمل كممرضة هنا بادئ ذى بدء حتى تكون إلى جوارى بوساطة شاكر صديقي الفي دائمًا.. ثم اصبحت طبيبة مؤخرًا جدًّا.. فاجأنى كل ذلك لأن تلك المرأة هى ذات المرأة التى قاطعتنى بسبب تعدد علاقاتى.. وهاهى اليوم تطلب الارتباط بى جادة.. نظرت حولى فى هدوء وأدركت ن عليّ العودة للقاهرة لأكتب مذكراتى مع كل من أحب على الأرض التى أحب.. شئ واحد طلبته منى زوجتى "أسرار" : هو أن لا أحلق شاربى مهما حدث..

وتذكرت شاكر كعادتى فى نهاية كل يوم :

لن تسقط أوراقى

حتى يشيخ الغصن

ولن يشيخ الغصن

حتى تموت الشمس

والشمس لا تموت

 

ملخص ما سبق:

أنا صلاح عمران القاضى السابق.. قررت تقديم استقالتى بعد ثلاثين عاما من خدمة القضاء لأننى ببساطة لم أشعر بحريتى فى التعامل مع الحياة الجميلة ثم تورطت فى تحدى قوانينى القديمة كلها لأعيش كما أريد... فتغيرت حياتى على نحو لا أتوقعه..

 

ملحوظة: هذه المذكرات خيالية تمامًا وأى تشابه بينها وبين أية تفاصيل واقعية هو أمر غير مقصود على الإطلاق وقد يقع بمحض الصدفة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز