عاجل
الإثنين 19 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

نائب رئيس مجلس الدولة يكشف عن كنوز اليوبيل الماسي للمجلس في مواجهة الاحتلال البريطاني

المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى
المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى

في دراسة توثيقية تاريخية وحيدة لليوبيل الماسي لمجلس الدولة بمرور 75 عامًا على إنشائه؛ تفتح الجمهورية الجديدة في عهد الرئيس السيسي كنوز اليوبيل الماسي لمجلس الدولة في السيادة الوطنية، تحكي دوره الوطني الغائب ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم ثورة 1952 للمفكر والمؤرخ القضائي المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة المصري في مؤلفه بعنوان: "الغائب في اليوبيل الماسي لمجلس الدولة تاريخ ومواقف: التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة في السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصري"، وهي الدراسة التي حظيت بالاهتمام الوطني للدولة، ونعرض لها لأهميتها التوثيقية المتفردة في حياة الأمة المصرية.



ونعرض للجزء الثاني من تلك الدراسة لأسس التحكيم الدولي الحمائية ضد الاحتلال البريطاني عن القتلى من المتظاهرين وللتاريخ فإن أول فتوى في تاريخ مجلس الدولة استغرقت 11 يومًا في فبراير 1947 عن التحكيم بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية عن مقتل 42 مصريًا بمظاهرات الإسكندرية والقاهرة وإصابة 494 آخرين، ومقتل اثنين من قوات الاحتلال البريطاني والحل العبقري من الأجداد الأوائل ”هيئة تحكيم ثلاثية من مصر وبريطانيا والثالث بمعرفة رئيس محكمة العدل الدولية” على النحو التالي:

يقول القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة في أول وثيقة لمجلس الدولة أن حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا– الولاية الثانية- طلب من إدارة الرأي لرئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة ووزارتي المالية والتجارة والصناعة بمجلس الدولة في كتابه رقم1-1/165 المؤرخ في 13 فبراير سنة 1947 بشأن اقتراح الحكومة البريطانية الالتجاء إلى التحكيم على طريقة معينة في أمر الخلاف القائم بينها وبين الحكومة المصرية في موضوع المطالبة المقدمة منها للحصول على تعويض عن الحوادث التي وقعت بالإسكندرية في 4 مارس سنة 1946 و21 فبراير 1946 بالقاهرة في مظاهرات الطلاب والعمال ضد الاحتلال البريطاني والتي نجم عنها قتلى من الطرفين مقتل 42 مصريًا بمظاهرات الإسكندرية والقاهرة وإصابة 494 ومقتل اثنين من قوات الاحتلال البريطاني.

وأضاف الدكتور محمد خفاجي أن رئيس إدارة الرأي لرئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة ووزارتي المالية والتجارة والصناعة بمجلس الدولة حينذاك هو المستشار محمد علي نمازي بك الذي ورد في كتابه رقم 1/34/1-102 بتاريخ 24 فبراير 1947 أي بعد 11 يومًا فقط وهو ما يدل على أن مجلس الدولة ولد منذ البداية على الإنجاز وسرعة البت في الموضوعات بالقدر الذي يكفل تأصيل المسألة من جوانبها القانونية في بحث متأنٍ يحكمه التريث، وليس استعجالًا ينقصه أصول العلم القانوني الرصين.

كما تستسهل الأجيال الحالية، وأن الأجداد الأوائل عايشوا ميلاد القانون الدولي وأضافوا إليه من الأماني القومية ما أصبح نهجًا دوليًا تفخر به مصر في مسؤولية الدول.

ويشير دكتور محمد خفاجي كانت وقائع هذا الموضوع بأكمله تتلخص– وكما يرويها كتاب رئيس إدارة الرأي المستشار محمد علي نمازي بك- إذ إنه أعدها بمفرده وهذا ما يبين من أسلوب مخاطبة صاحب الدولة رئيس مجلس الدولة بأسلوب المفرد العائد عليه- في أنه في صباح يوم ۲۱ فبراير سنة 1946 انتظم طلبة الجامعة المصرية والمدارس الثانوية وغيرها من معاهد العلم، وكذلك طوائف من العمال في مواكب على هيئة مظاهرات سلمية سارت في شوارع مدينة القاهرة معبرة عن الأماني القومية وظلت الحالة هادئة إلى الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والأربعين مساء تقريبًا حيث حدث في ذلك الوقت أن كانت بعض السيارات الحربية البريطانية في طريقها من شارع القصر العيني إلى ميدان الإسماعيلية.   وفي المسافة بين مبنى الجامعة الأمريكية وثكنات الإسماعيلية اقتحمت صفوف المتظاهرين فأصابت عددًا من الأشخاص نقلوا إلى مستشفى قصر العيني، وثبت من الفحص الطبي والتشريح لجثث من قتل أن أحدهم توفي فعلا نتيجة مصادمة سيارة، وقد كان هذا الحادث العارض السبب في إثارة شعور المتظاهرين وفي انتقال الحالة فجأة من الهدوء إلى الاضطراب الذي صاحبه وزاد من حدته إطلاق الرصاص على المتظاهرين من أفراد القوات البريطانية الموجودين في المعسكر المقام على الأرض المعروفة بسراي الإسماعيلية ومن ثكنات قصر النيل، وترتب عليه إصابة عدد من الأشخاص يناهز الخمسين ومع تلك الظروف الطارئة نتيجة تصرف سيئ من أفراد القوات البريطانية تمكن رجال البوليس المصري من اتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادة الحالة إلى طبيعتها الهادئة.

وفي يوم ۲۲ فبراير سنة 1946 قابل الوزير المفوض في السفارة البريطانية دولة رئيس مجلس الوزراء وطلب شفويًا العمل على معاقبة من ارتكبوا الجرائم ودفع تعويض عن الإتلاف والخسائر التي وقعت ومعرفة الإجراءات التي تنوي الحكومة المصرية اتخاذها لصيانة واستتباب النظام ثم أرسلت السفارة البريطانية كتابًا في ۲۳ فبراير سنة 1946 تكرر فيه ما تقدم إبلاغه شفويا.

وفي ۲۳ فبراير سنة 1941 أرسل دولة رئيس مجلس الوزراء المصري ردًا إلى السفارة البريطانية– نراه في كرامة وكبرياء- أشار فيه إلى دهشته من لهجة التبليغ البريطاني وإلى أنه قد مضت خمس ساعات من بدء قيام المظاهرات السلمية دون وقوع أي حادثة، وأن الحوادث التي وقعت في يوم ۲۱ فبراير سنة 1946 إنما كانت نتيجة لحادث سيارات النقل التابعة للجيش البريطاني ولإطلاق الرصاص من الجنود البريطانيين على الجماهير رغم أنه في اليوم السابق لهذه الحوادث قد تم الاتفاق بين السلطات البريطانية والمصرية على تفادي مرور رجال الجيش البريطاني في اليوم المذكور، ومع ذلك فإنه يصرح بأنه مما لا شك فيه أن الحكومة المصرية ستتخذ الإجراء اللازم لمعاقبة الأشخاص الذين ثبتت إدانتهم في الجرائم أو الجنح التي وقعت خلال حوادث يوم ۲۱ فبراير سنة 1941 وإنه من المحقق أن ما سيسفر عنه التحقيق القضائي من إتلاف وتخریب ستدفع عنه التعويضات اللازمة لمن حاقت بهم أضرار.

ثم أرسل دولة رئيس الوزراء کتابًا أخرًا إلى السفارة البريطانية في ۲۹ فبراير سنة 1946 کرر فيه أن حوادث الاعتداء إنما كانت تالية لما حدث من السيارات البريطانية وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وأن وجود المنشآت العسكرية البريطانية في جميع أحياء القاهرة والإسكندرية يجعل من العسير معه اجتناب الاحتكاك بين السكان والجنود، وبالرجوع إلى بيان عدد المصابين والقتلى في حوادث يوم ۲۱ فبراير سنة 1946 يتضح أن ما حدث من تصرفات أفراد القوات البريطانية قد أدى إلى قتل خمسة عشر شخصًا وإصابة أربعة وتسعين.

وفي مارس سنة 1946 قامت بالإسكندرية من الساعة التاسعة صباحًا مظاهرات سلمية واستمرت الحالة هادئة وكان رجال البوليس يتخذون الإجراءات المناسبة للمحافظة على الأمن ولتفرقة المتظاهرين دون أن يقع من هؤلاء الأخيرين أي اعتداء، غير أن المتظاهرين لاحظوا أن فندق الأطلانتيك يرفع علم البحرية البريطانية وقد أشار أحد الضابطين البريطانيين القائمين على أمر هذا الفندق أنه استطلع رأي الرؤساء فيما إذا كان يمكن رفعه في ذلك اليوم الذي كان محددا من قبل لإبداء مظاهر الحداد فأجابوه برفعه- وكان رفع هذا العلم في ذلك اليوم مما أثار المتظاهرين وزاد في ثائرتهم إطلاق الرصاص عليهم من العمارات التي يقيم بها أفراد القوات البريطانية مما أدى إلى سريان الإشاعات بينهم عن مقتل البعض منهم نتيجة لإطلاق هذا الرصاص، وعندما قذف بعض المتظاهرين كشك البوليس الحربي البريطاني في ميدان سعد زغلول بالطوب قابلهم الجنود البريطانيون داخل الكشك بإطلاق الرصاص من المترالیوز باستمرار ووقع الكثير من المتظاهرين مصابين نتيجة لذلك، وحينئذ شرع المتظاهرون فجأة في مهاجمة هذا الكشك وإشعال النار فيه. فقامت قوات البوليس والجيش المصري بكل ما في استطاعتها لإنقاذ أفراد القوة التي بالمخفر وتمكنت من إنقاذ ثلاثة منهم وإخراج اثنين شقا طريقهما وسط المتظاهرين دون الانضمام إلى إخوانهم السابقين واستمر أحدهما يطلق النار على المتظاهرين، مما دعا إلى وقوع التصادم بينهما وبين المتظاهرين وكانت نتيجة ذلك إصابتهما بما أدى إلى وفاتهما.

وأرسلت السفارة البريطانية إلى دولة رئيس مجلس الوزراء في ۱۸ مارس سنة 1946 احتجاجا عما وقع في حادث 4 مارس سنة 1946 السالف الذكر أشارت فيه إلى أن عجز ولاة الأمور هو الذي أدى إلى قتل جنديين بريطانيين، وقد أجاب دولة رئيس مجلس الوزراء بكتابه المؤرخ ۳۳ مارس سنة 1946 بأن القوات المصرية قد أدت واجبها على صورة يستحيل معها اتهامها باللين أو التسامح وأن المشكلة الحقيقية التي هي مصدر المتاعب كلها محصورة في وجود القوات البريطانية في البلاد، مع أن الأمة كلها ترغب في أن ترى تلك القوات تنسحب خصوصًا وقد انقضى ما يزيد على السنة من وقف القتال.

وتبين من تقرير رئاسة نيابة الإسكندرية المحرر في ۲۰ مايو سنة 1946 أن عدد من قتل من المصريين بلغ ۲۷ شخصًا من بينهم نساء وأطفال وجرح من المصريين 342 شخصًا عدا كثيرين أصيبوا ولم يتقدموا لتوقيع الكشف عليهم مما يجعل عدد المصابين يربو على أربعمائة شخص. وفي ۷ يونيو سنة 1946 أرسلت السفارة البريطانية كتابًا أرفقت به تقريرين محررين بمعرفة السلطات البريطانية يشيران إلى أنه كان من الممكن إنقاذ حياة الجنديين لو أن قوات البوليس والجيش المصري تصرفت بحزم أو همة، وقد أجاب دولة رئيس مجلس الوزراء على ذلك في ۲۰ يونيو سنة 1946 بكتاب أرفق معه صورة من تقرير رئيس نيابة الإسكندرية ومن تقرير النائب العام وقد تضمن بيانًا وافيًا للوقائع الثابتة من التحقيق القضائي وأوضح في كتابه أن مسؤولية الحوادث تقع على عوامل الاستفزاز التي أثارها رجال القوات البريطانية، وأنه يخالف للأسباب الموضحة في الكتاب وفي تقريري النيابة العمومية وجهة نظر الحكومة البريطانية في شأن اعتبار السلطات البريطانية مسؤولة عن مقتل هذين الجنديين أو التزامها بأي تعويض عنهما.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز