عمالقة الفن المصري في شهر رمضان
عادل عبدالمحسن
نشرت مجلة “روزاليوسف”، منذ 70 عاماً تقريرًا موسعًا عن فنانين مصر العظام في شهر رمضان المبارك، وأبرز فيه كيف يقضي فيه كل فنان من عملاقة الفن المصري في زمنه الجميل، يومه في الشهر الكريم.. وإلى نص التقرير:
ربما يعجبك
بين ممثلاتنا وممثلينا من أتم الله عليهم وعليهن نعمة الإيمان، وأن كل وحي الصلاح والتقوى لا يهبط إلا بعد أن تعلن نتائج الدولة -من رسمية وغير رسمية -ابتداء شهر رمضان المكرم وتقسم على ذلك بأغلظ الأقسام، ولو كنت من حضرات فنانينا العظام لانتهزت فرصة هذا الشهر المبارك للتكفير عن سيئات العام كله في بهدلة ومرمطة فن التمثيل.
ومع أن الأستاذ يوسف وهبي هو أحوج الجميع إلى التكفير خصوصا عن ألوف القتلى والضحايا الذين يقصف رقبتهم في رواياته الخالدة، فلم يثبت إلى اليوم أنه خالف تقاليد أبناء البيوتات وكبار العباقرة وصام ولو يوما واحدا يخزي به العين.
ولا يفوت الأستاذ الكبير أن يثبت حضوره في حفلات السباق الأسبوعية والسيجارة في فمه رغم رمضان الذي لا شك فيه، وتمر الجياد في عدوها وتلمح الدخان المنعقد فوق رأس بطلنا العظيم فتطأطئ الرأس حياء وخجلا.
وإذا كنت من هواة الإحصائيات وبحثت عن الصائمين في الوسط المسرحي لعلمت بأن ممثلاتنا أشد تمسكاً بأوامر الدين الحنيف من الرجال، ولست أدري السبب، وإن كنت أعلم أنهن جديرات بدعاء صاحب الفضيلة شيخ الأزهر وببركته.
ولا تكاد «النتيجة»
تعلن قرب رحيل المأسوف على شبابه الغض شعبان، حتى تأخذ السيدة زينب صدقي نوبة صلاح وإيمان من النوع الحاد قوي وتخرج العمامة والسبحة وتنفض عنهما الغبار الذي تراكم طول السنة بشكل يلفت النظر، وترسل وراء أحد الفقهاء ليسمعها آيات القرآن الحكيم طول الشهر، بينما تغرق في عمامتها على الكنبة وإلى جانبها دستة من المناديل المحلاوي الشهيرة لزوم مسح دموع التوبة والاستغفار.
وحضرة الفقي هو الزائر الوحيد الذي يسمح بدخوله المنزل طول شهر رمضان بدون استئذان وعند أم محمد الخادمة المخلصة أوامر صريحة يرفض دخول أي زائر في هذا الشهر إذا لم يكن من حملة العمامات والسبح ومن المشهود لهم بحسن السير والسلوك.
وتدعو زينب بعض صديقاتها من اللوائي يشاركنها الصيام، لتناول طعام الإفطار على المائدة التي تجد عليها أحسن أصناف الياميش، والفول المدمس الأصلي المطبوخ باللحمة المفرومة والمحلي باللوز والجوز فضلة خيرك.
وبعد الأكل تقوم ربة الدار لتؤدي فريضة المغرب على سنة الله ورسوله، وزينب -إذا فكرت وزارة المعارف والتقاليد أن تبني جامعاً في عماد الدين لأبناء وبنات الفن -جديرة بأن يسند إليها منصب الإمام.
من رمضان لرمضان
وأمينة رزق من زبائن مائدة زينب طول رمضان وتشاركها الصيام ومناديل مسح الدموع، ود وضعت شرطا حاسما في القائمة التي تقدمها للعرسان الذين يتقدمون بطلب إتمام نصف دينهم عن طريقها، وينص هذا الشرط على ألا يطلب منها الزوج العزيز هجر التمثيل، أو مسرح رمسيس إذا أردت الدقة في التعبير، ولا إفطار رمضان، وكان للسيدة زينب صدقي فضل كبير في إضافة الجزء الأخير الخاص برمضان.
والسيدة منيرة المهدية تصوم رمضان فيصومه معها ألف خادم وخادمة لا يسألونها لماذا تصوم، وهي تختم الصيام على أفراد الفرقة، أو أفراد التخت، حسب الظروف الفنية والأعمال التي تتعاطها أثناء هذا الشهر.
ومن المعروف عنها أنها تصلي ولا تفوتها ركعة في رمضان أو غير رمضان، ويرجع الفضل في هذه النوبة الحادة من الإيمان إلى اعتقاد السيدة منيرة أن الصلاة تطرد العكوسات وتمنع العين، ومفعولها أكيد ومضمون.
والسيدة توحة أحمد تصوم من حسن حظ الأستاذ إسماعيل سعيد الذي ينتظر هذا الشهر بفارغ صبر لأن عدد الأكلات يزيد واحدة لا تفوته، ومن الملاحظ دائما أن وزن حضرته يزيد في رمضان زيادة كبيرة جداً، أتم الله عليه نعمة الصحة وخدود الدهن والعافية. والآنسة سومة إبراهيم الشهيرة بأم كلثوم تصوم وتصلي 24 قيراط تحت إشراف الحاشية ورجال البلاط، بس يا خسارة، ساعة الآنسة تقدم باستمرار، وقد أعلن ساعاتية البلد إفلاسهم في تصليحها، ونجد دائما أن وقت الإفطار في المغرب يقع بحسب هذه الساعة في الواحدة ظهرا، أو الواحدة والنصف على الأكثر، وتقوم الآنسة أم كلثوم لتناول الإفطار، أو المفروض أنه كذلك، وهي تعلن احتجاجها الشديد على طول ساعات النهار في رمضان مما يجعل الإنسان يفكر جديا في ترك الصيام!!
وقد أذاع بعض ألسنة السوء أن في عزم الآنسة قفل البار الملحق بصالتها طول رمضان احتراما لهذا الشهر الفضيل، وأظن أن المسألة ليست إلا شائعة من خصوم المطربة الشابة.
وفردوس حسن تعتبر من الصائمات طول السنة فلا تكاد تأكل في اليوم إلا أكلة واحدة من باب العلم بالشيء، وإن كانت تظلم القوام الرشيق البوصاوي وتدعي أنها تعمل «ريجيم» ولذلك ففردوس عندها 12 رمضان طول السنة والناس كلهم عندهم رمضان واحد فقط لا غير.
أما ممثلونه فليس بينهم والحمدلله من يعترف بوجود رمضان لأنه لا يتفق -كما يقولون -مع عبقرية الفنانين العظام ولم يؤثر عن شاكسبير أو موليير أو سارة برنارد -مثلا -أن أحداً منهم صام رمضان حتى يمكن أن يصومه حسن البارودي أو حسين رياض أو أحمد علام الذي يدعي أن الفن الروسي لا ينص على صوم رمضان ويقدم لك إثباتاً لكلامه آخر طبعة لمؤلفات ما نتاشوف الكاتب الروسي الشهير وليس فيها أي شيء عن رمضان!!
ولعل معالي وزير التقاليد يري مناسبة حلول رمضان -أن يطوف عماد الدين يوزع على الصائمات والصائمين عمامات وسبح التقي والورع مع ما يتيسر من النقل والياميش وصواني الكنافة والقطايف ويخصم الحساب من الإعانة السنوية. وأملنا في بعد نظر معاليه كبير.
جوجل نيوز
