عاجل
الأربعاء 12 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الدور المحوري المصري في الثقافة والفنون.. وإشارة ماسبيرو

الدور المحوري المصري في الثقافة والفنون.. وإشارة ماسبيرو

هؤلاء الذين تؤرقهم القضايا العامة، وتشغلهم السرديات الوطنية والثقافية الكبرى، ويتابعون بكل إخلاص الشأن العام. حتى إن بعضم قد نسى الكثير من أهدافه الصغيرة والخاصة والشخصية بل والمكاسب المباشرة الضرورية لاستمرار الحياة اليومية بطريقة تمكنهم من الاستمرار في اشتراكهم الفردي المخلص في التعلق بالقضايا العامة، هؤلاء هم الذين تُشرح صدورهم بتلك المشاهدات المبهجة عندما ينتصر الجمال، مثلما حدث في احتفال الهيئة الوطنية للإعلام في الدور السابع بمبنى ماسبيرو، بالذكرى الخمسين على رحيل أم كلثوم. 



يبهجهم اختيار الرمز الفني الغنائي المكتمل كرمز دال على العلاقة بين الفن والشعر والموسيقى وانتظام المشروع الفني في سياق الثقافة الوطنية، ورمزية الفنان وقدرته على حفر صورة ذهنية للجمهور المصري والعربي، والملايين حول العالم إنها أم كلثوم صوت مصر الأول المستمر  منذ نصف قرن من الزمان في التربع على عرش الغناء بمعناه الجمالي والمعرفي والجماهيري معاً، إنها حقاً كوكب الشرق.

هؤلاء هم الذين فرحوا بالاحتفال الاستيعادي ممثلاً في دراما أم كلثوم للمبدعة الكبيرة أنعام محمد علي، وفريق العمل الرائع. 

هؤلاء يسعدهم المشهد المبهج ومسرح التليفزيون العربي في بنيته الأساسية مكتسياً بحلة من البهاء. 

وهؤلاء هم أكثر من يعتريهم الأمل والحماس عندما يشير أحمد المسلماني نحو الاتجاه الصحيح في ماسبيرو، ولكنهم وبعد الفرح يعملون العقل مجدداً حول سؤال المستقبل.   وبعيداً عن ما أثمنه حقاً من تحركات تعبر عن فهم للدور الهام لماسبيرو، يبقى السؤال حقاً متى تعود تلك الاختيارات الصحيحة مرة أخرى في الإنتاج الدرامي والغنائي والبرامجي في مصر؟، وهو ما يحتاج إلى إرادة وتفكير إبداعي في الإدارة وميزانية جادة تحقق ذلك سواء من الدولة أو المجتمع المدني، بما يسمح بتحقق هذا التفكير الاستيعادي معاصراً جديداً، وحتى تتحول الهيئة الوطنية للإعلام لهيئة هادفة للاستثمار والربح المادي والمعنوي، يجب حقاً توفير تلك الموارد المالية، بعيداً عن ديون كبيرة هي إرثها من اتحاد الإذاعة والتليفزيون لبنك الاستثمار القومي، وبعيداً عن الأداء القديم لماسبيرو بالأعداد الغفيرة من العاملين الزائدين عن الحاجة، وتحرير إرادة المهنيين منهم في التعبير عن قدراتهم، والتطويرالتقني لجودة الصورة على كل الشاشات، وأشياء أخرى حتى يعود ماسبيرو لمجده. 

أما ما يبقى من بهجة الاحتفال بالإرث الجمالي النبيل للفنون والإنتاج الإعلامي المصري فهو الإشارة لضرورة إعادة إطلاق ذلك الإرث العظيم مجدداً والحفاظ عليه.  الحفاظ على مكتبة ماسبيرو التاريخية وأرشفتها مجدداً وترميم ما يحتاج للترميم منها وحفظها في وسائط الحفظ التقني المعاصر. 

ولأن الماضي هو والد المستقبل وشرط الحاضر الحي، فإن هؤلاء الذين هم من العائشين في القضايا الهامة والدور الثقافي المحوري للفنون في مصر، مهتمون أيضاً بالنظر نحو الماضي مجدداً للحفاظ عليه في وزارة الثقافة. 

ذلك أن الاحتفال بنصف قرن على رحيل أم كلثوم وحضورها المتصل اللامع، ليس هو فقط ما أثار تلك البهجة في احتفال ماسبيرو، ولكن الإشارة إلى ذلك النوع المختلف الذي يبقى عبر الزمن، ذلك الإبداع الذي هو علامة مصر ووجهها المشرق وإمكانية استعادته، هو السبب في تلك البهجة الكبرى التي صاحبت احتفال ماسبيرو.

  إذ أثمن أيضاً احتفاء وزارة الثقافة في باريس بذكرى أم كلثوم، واحتفالها في مسقط رأسها بقرية طماي الزهايرة، والفعاليات المتعددة التي وجه وزيرها د. أحمد فؤاد هنو بضرورة حدوثها كعام ثقافي متصل يحتفل بأم كلثوم، أشير أيضاً إلى الكنز التاريخي الذي تملكه وزارة الثقافة وهو عمق إبداع مصر الحديثة، والإشارة إلى الدور والنوع الإبداعي رفيع المستوى والجماهيري معاً، وهو ما يجب إعادة إطلاقه، والخطوة الأولى حقاً في هذا السبيل هي المزيد من الحفاظ عليه وأرشفته ووضعه في مواضع الحفظ التقني المعاصر، حتى يظل شاهداً ودليلاً وطريقاً نحو المستقبل. 

وشرطه إدراك أنه لا يوجد انفصال حقيقي بين الأرباح المالية الكبرى والتأثير الوجداني والمعرفي والسلوكي في الملايين الكبيرة وبين الفنون رفيعة المستوى، إذ إن شرط كل الكبار هو عمق البساطة وفهم عمليات التلقي والتأويل لدى الجمهور العام.  وفي ذلك أشير إلى الأرشيف القومي للفيلم في المركز القومي للسينما، وأيضاً الأرشيف القومي للمسرح والفنون الشعبية والموسيقى، في المركز القومي الذي يحمل اسم هؤلاء، ألا وهو المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية. 

إنه تراث مصر الثري الذي يقبع هناك، ورغم كل ما جرى من منح ومبادرات من دول صديقة بشأن السينماتك، وهو التعبير الاصطلاحي الدال على الأرشيف القومي للفيلم، لا يزال هذا الأرشيف يحتاج إلى الحفاظ عليه، فهل حقاً لم يزل السينماتك المصري غرفة واحدة بها الاشتراطات الصحيحة لحفظ الأفلام، بينما الباقي غرف غير صالحة لهذه البيئة القادرة على الحفظ، وغير مرتبة أيضاً؟ 

وما هو مصير كراسات الإخراج لعباقرة الإخراج المسرحي المصري وإمكانية إتاحتها مجدداً لإعادة تقديم تلك العروض حية ونشرها وتسويقها بما تحمل من قيمة رمزية.  هل رقمنة نسخ الوثائق التاريخية في المركزين الهامين في وزارة الثقافة مهمة ممكنة؟  هل إعادة إطلاق هذه الكنوز الإبداعية مجدداً هو أحد أهم وسائل الحفاظ على الهوية الوطنية واستعادة مسار التواصل مع الجمهور العام الكبير؟، والذي عبر عن انتصاره للمعنى والدلالة التي صدرت من احتفال ماسبيرو بالقيمة الرمز أم كلثوم، والتي تشير للمسار الصحيح.

أعتقد ذلك، وأن النظر لهذا الإرث على أنه كنز يجب إطلاقه حياً بهياً معاصراً لهو أحد أهم ما نحتاجه للحفاظ على الدور المصري المحوري في الثقافة والفنون والإعلام وفي حشد وشحذ وتذكير القوة الناعمة المصري بجوهرها ودورها وتاريخها وسر تفردها، وطريقها السريع نحو الحضور الفاعل في الحاضر والمستقبل، وإطلاقه بأعمال إبداعية جديدة تحقق الحضور لمواهب مصر التي لا تكف عن إنجاب المواهب، والذين فقط ينتظرون البيئة الحاضنة والمسار الصحيح.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز