عاجل
الأربعاء 29 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

خليل الذوادي يكتب: رمضان ذكريات ومواقـف

السفير خليل الذوادي
السفير خليل الذوادي

مثلما يفرح ويستبشر الكبار بمقدم شهر رمضان شهر الخير والبركات، شهر المغفرة والرضوان، شهر التكافل الاجتماعي والبذل والعطاء، فإن الطفولة لها بريق خاص في استقبال الشهر الفضيل ومحاولة تقليد الكبار في احترام قدسية هذا الشهر، على الرغم من عدم بلوغ البعض سن التكليف الشرعي، ولكن الآباء يأملون من الأطفال أن يسيروا على خُطى والديهم وإن كان الصوم في بدايته عندهم ليس بالضرورة ليوم كامل، وإنما يتم ذلك بالتدريج، ولا بأس أحياناً من أكل تمرة أو شرب كأس من الماء في خطوة للاستعداد مستقبلاً وعند سن التكليف الشرعي. 



أتذكر أنه عندما كنا طلبة في المرحلة الابتدائية بمدرسة البديع الابتدائية للبنين وكانت حديقة التجارب الزراعية تعج بشتى أنواع اللوز والكنار والرطب وكانت هذه المزروعات في طريقنا ونحن عائدون من يوم دراسي طويل، تهزنا أنفسنا لتناول هذه الثمار في عجلة من أمرنا لا ننتظر مدفع الإفطار، فنلتمس العذر من أولياء أمورنا، وهم جزاهم الله خيراً يعذروننا ويقولون لنا "لا تبالغوا كثيراً، فحاولوا أن تصبروا حتى أذان المغرب" وهم يدركون أن صراحتنا نابعة من حرصنا على حرمة هذا الشهر. 

 

كنا نتحلق حول المسجد بعد أن نعود إلى المنازل في انتظار أذان المغرب لنجري إلى بيوتنا ونخبر الأهل بالأذان وإمكانية الإفطار وإذا بهم قد سبقونا في الأكل لأنهم رأوا بأم أعينهم مغيب الشمس وبدأ الإفطار وكانت هي فرحتنا بأن نسهم مع أولياء أمورنا في جهد بسيط.. كما كانت لنا فرحة في صلاة التراويح، فكنا نذهب إلى المسجد ونأخذ وضعنا الطبيعي في مؤخرة الصفوف لأنه لا يجوز أن نتقدم على كبار السن في الصلاة رغم أن بعض الصبية لا يلتزمون بالهدوء، أثناء الصلاة وبين فترة وأخرى أحد الكبار يتبرع في توجيهنا بضرورة الهدوء، والالتزام بقدسية صلاة التراويح، وبعد الصلاة نمارس مختلف الألعاب الليلية "كالضلالوه" و"الصعقير" و"القيس" و"الكونة" وهي ألعاب شعبية متوارثة. 

 

وعندما جاء التليفزيون انقلب اهتمام الأطفال رأساً على عقب، فلم تعد مثل هذه الألعاب الأثيرة إلى النفوس، بل أصبحت المسلسلات وبرامج المسابقات وبرامج المنوعات تأخذ نصيباً وافراً من اهتمام الأسرة بشكل عام.. وأصبح البحث عن قنوات تليفزيونية شقيقة يلقى اهتماماً خصوصاً في البحث عن صورة واضحة لا تشويش فيها، خصوصاً إذا كان الوقت شتاءً وأثناء بث المسلسلات التليفزيونية، وكانت الإذاعة أيضاً تقدم برامج ومسلسلات يكون الاستماع إليها نهاراً وتلقى تجاوباً من المستمعين الذين اعتادوا على الإذاعة وما تقدمه من برامج ومسلسلات. 

 

ولما بدأ تليفزيون البحرين إنتاجه الدرامي وبالأخص المسلسلات التراثية "كالبيت العود" و"فرحان لول" و"سعدون" و"سرور"، و"صانعو التاريخ" وغيرها مع اقتناء في نطاق التعاون وتبادل البرامج والشراء بين التليفزيونات الخليجية والقطاع الاقتصادي بجمهورية مصر العربية وبعض الإنتاج السوري من شركات خاصة وكذلك الإنتاج الأردني، لا يتخيل أحد أن المسلسلات كانت تأتينا من الخارج بشكل يومي حلقة بحلقة. وكنا ونحن المسؤولون في التليفزيون نعيش هذا القلق اليومي حتى نهاية الشهر. 

 

وأتذكر أن الأخ المبدع المخرج المتميز أحمد يعقوب المقلة اتصل بي فجراً ليبلغني أنه لا توجد حلقة جديدة لتبث اليوم وكان المخرج أحمد يصور ويقوم الزملاء بالتمثيل والمونتاج حلقة بحلقة، فقلت له: "يا أحمد هذه مسؤولية لا يمكن أن أتحملها فكيف لنا أن نبرر ذلك لمشاهدينا.. حاول يا أخي فالتزامنا الأدبي والمهني يفرض علينا إنتاج وبث حلقة اليوم"، وبالفعل جزاه الله خيراً استطاع ألا يخذلنا ويخذل المشاهدين وإن كان بعد ذلك قد أجرى على الحلقة المونتاج الذي ينشده، لكنه تحمل على نفسه وإبداعه بأن ينجز الحلقة المطلوبة. 

 

الحمد لله أن الصورة الآن تغيرت فاستعداد المؤلفون والمخرجون وجميع عناصر الإنتاج الدرامي والبرامجي يستعدون قبل حلول شهر رمضان واختفت أو كادت تختفي المسلسلات التي تنتج يوماً بيوم. 

 

في النصف من رمضان يبدأ الأطفال في التحضير "للقرقاعون" وتسمى في مصر "وحوي يا وحوي" وهي عادة تراثية يقوم الأطفال بأهازيجهم وتعبيراتهم بالطواف حول البيوت والدعاء للأولاد بالبركة مقابل إعطائهم الحلويات والمكسرات في مشاركة وجدانية مجتمعية.. حتى إذا جاء الوقت لتوديع رمضان يقوم المسحر وزملاؤه في القرى والمدن أثناء السحور بتوديع رمضان من خلال الفرق الشعبية وقرع الطبول والأهازيج إيذاناً بوداع الشهر الفضيل وبما يحمله من ذكريات جميلة. 

 

سيظل شهر رمضان لما له من قدسية مؤثراً في حياتنا وتفكيرنا، فهو شهر الزيارات العائلية وزيارات الأصدقاء والمعارف، شهر تعمر به المجالس في المدن والقرى ويلتقي الناس للتعبير عن ارتباطهم بعضهم بعضاً؛ شهر القرآن الذي يتلى في البيوت والمساجد، شهر فيه ما يُسمى "التثويب" وهو عبارة عن ختم لأجزاء القرآن الكريم إهداءً لروح المتوفين والدعاء لهم بالمغفرة والرضوان... إنه الشهر الذي يفرح لمقدمه الصغير والكبير ويأنس بلياليه الجميع لما له من قدسية وتبرك شهر تتفنن فيه الأمهات في الطبخ والتحضير لأشهى أنواع المأكولات.. إنه شهر الرحمة والمغفرة والرضوان.. شهر تبذل فيه حكومات الدول جهوداً طيبة في توفير المواد الغذائية وضمان الأسعار وعدم المغالاة وتضافر الجهود من أجل ذلك، وهذا يعد من ألزم الواجبات فهو شهر الرحمة، والرحمة مطلوبة في كل أوان.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز