كان السؤال الدائر فى أروقة معهد واشنطن ماذا سيفعل عبدالفتاح السيسي مع جماعات الضغط والتي وصفوها بمراكز القوى فى مصر؟
كان هذا السؤال فى نهايات عام 2013 مع ارتفاع النداء الشهير الذي يطالب المشير السيسي آنذاك بالتقدم إلى الانتخابات الرئاسية لتحمُّل أمانة مصير ومستقبل مصر.
خرج هذا السؤال فى شكل ورقة بحثية صنفت دوائر الضغط الداخلى بأبعاد مختلفة فئة منها مجتمع المال والأعمال، الفئة الثانية وتدور فى فلك الأولى وقتها وهى مجتمع الإعلام الذي لعب دورًا سياسيًا فى فترة الفوضى وغياب الحضور المؤسّس، الفئة الثالثة فى حالة «الضعف» المؤسّسى آنذاك، أمّا الفئة الرابعة فكانت المَطالب المجتمعية بالإصلاح فى كل المجالات بعد تردى مستوى الحياة فى مصر.
الآن ونحن فى عام 2022 وبينما نستمر فى سلسلة مقالات (القيادة) والتي من خلالها نقرأ السياق السياسى والاقتصادى المصري فى عهد الرئيس «عبدالفتاح السيسي».. فى تقديرى إنه لا ينبغى أن نتعامل مع السنوات الماضية على كونها حقبة واحدة حتى وإن كانت فى ظل قيادة واحدة وتمضى وفق مخطط استراتيچى واحد.
ولكن السياق المصري مَرّ بعدة مراحل فى الفترة من يونيو 2014 حتى بدايات 2022. المرحلة الأولى.. يمكن وصفها باستعادة دولة المؤسّسات وتحقيق الثبات والاستقرار المؤسّسى بعد زمن الفوضى فى مصر وهو أمر بالغ الأهمية وبعد استكمال البناء المؤسّسى تعود المؤسّسات لممارسة دورها بفاعلية وفق أحكام القانون والدستور، وكان يتم هذا البناء المؤسّسى ومصر تخوض حربًا شرسة ضد الإرهاب نيابة عن الإنسانية وبالتزامن مع هذا الظرف الوطني المصيرى كان قرار القيادة الحكيم بإجراء الإصلاحات الاقتصادية فورًا.
وشهدت هذه المرحلة عددًا من القرارات الجريئة التي أثبتت المعنى الحَرفى أن الحُكم فى مصر ليس مدينًا لأحد إلا لشعب مصر ولا يعمل لأجل أحد إلا لرفعة مصر بداية من اقتحام ملف ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة ومن ثم تتمكن مصر من إحكام قبضتها على ثرواتها فى البحار وليس فى شرق المتوسط فقط.
كذلك اقتحام ملف أراضى الدولة المنهوبة، والذي عُرف تحت اسم «التعدى على أراضى الدولة»، وهنا بدأت محاولات «لوبى الفساد» بربط مصالحه مع خصوم الدولة المصرية بهدف زعزعة الإرادة المصرية وظهرت نعرات مدفوعة دفعًا تحت بند الصالح العام تريد عودة الجماعة الإرهابية إلى المشهد تحت بند المصالحة، ولكن وكالعادة مع كل دعوة من هذه الدعوات المشبوهة كانت القيادة السياسية تعلنها بثبات مستند على إرادة شعب بأن لا عودة للوراء وأن الإرهاب لن يكون أبدًا جزءًا من واقع ومستقبل مصر.
هذا الطموح المصري المشروع بمستقبل يليق بمصر كان يستدعى جبهة داخلية تنعم باصطفاف وطني وقوة تحمى هذا الاصطفاف وهذه الإرادة.
وبالتالى كان المسار الاجتماعى يمضى بمحازاة السياق العسكرى والاستراتيچى.
إذ تصدِّى الرئيس لعملية تنميط المجتمع وتقسيمه إلى فئات أعاد إلى النسيج الوطني بين المسلمين والمسيحيين عنفوانه بأنها أمّة واحدة لا تُفَرِّق بين أولادها.. أعاد إلى المرأة المصرية قيم حضورها فى المشهد المصري وفق استراتيچية معلنة.. إعادة صياغة العلاقة بين الدولة وشبابها بتمكين حقيقى قائم على المعرفة والقدرة.. التفاف الدولة لقطاعات ما كان أحد يهتم بها وفى المقدمة هنا ذوو القدرات الخاصة.. إعادة الحياة لمن نسيتهم الدولة والتحرك فورًا تجاه سكان المناطق الخطرة وغير المخططة.
وفى المقابل كانت عملية تحديث قواتنا المسلحة تجرى بشكل غير مسبوق جعلت من مصر الكتلة الصلبة فى الشرق الأوسط وجعلت من قواتنا المسلحة صمام الأمان لاستقرار الإقليم كله.
مضت سياستنا الخارجية بحكمة تحافظ مصر على حقوقها وتدافع عن ثوابتها دون أن تهدر وقتًا أو تهدر موارد مع كل من أراد تعطيلها.
دفعت مصر ثمنًا باهظًا لاحتجاز تلك المرحلة.. دفعته من دماء أنبل أولادها «أسيادنا الشهداء» لكى نحيا فى هذا الوطن آمنين مستقرين وتستمر الأمّة المصرية فى المُضى نحو مستقبلها.. تَحَمَّل المواطن المصري الأعباءَ بصبر وشرف لأنه يدرك أن هذه القيادة السياسية تعمل من أجله ولهذا دائمًا ما ينسب الرئيس «السيسي» الفضل لشعب مصر ودائمًا يحيط أسر وأبناء الشهداء باهتمامه ورعايته.
المرحلة الأولى فى تقديرى كانت من منتصف 2014 حتى منتصف 2018، أمّا المرحلة الثانية والتي نتحدث عنها فى الحلقة المقبلة فكانت مرحلة امتلاك القدرة لتأسيس الجمهورية الثانية.. وللحديث بقية.
عن مجلة روزاليوسف



