الخميس 25 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بحلول منتصف ليل الحادى والثلاثين من ديسمبر الجارى، لن نسدل الستار على عام انقضى ونستقبل عامًا جديدًا كالمُعتاد فحسب، بل سنطوى صفحة ربع قرن، صفحة سُطرت فيها أحداث جسام.. خرائط تبدلت ولا تزال، ودول تصدعت، وحروب اندلعت، ومُخططات أحبطت، ومصر بفضل الله محروسة تعبر التحديات وتواجه التهديدات.

 

 

ليست نهاية عام كالمعتاد، بل انقضاء الربع الأول من القرن الأول فى الألفية الثالثة، بالتقويم الميلادى للبشرية، شهد العالم خلاله تحولات جذرية وأزمات عالمية.. اقتصادية وصحية وسياسية، وثورات رقمية وتكنولوجية، تحولات فى كل المجالات بانعكاساتها المحلية والإقليمية والدولية.. أمنية واقتصادية واجتماعية وفكرية.

 

 

وهى زاوية التناول الخاصة التى نقدمها لقراء جريدة روزاليوسف فى هذا العدد.

 

فى هذا المقال أحاول معكم الغوص فى أعماق ربع قرن مضى.. من بداياته إلى مآلاته بحثًا عن دروس نستقى منها خبرات لمواجهة الحاضر بتحدياته أملًا فى بلوغ مستقبل أفضل بتوقعاته.

 

تزامن ميلاد ربع القرن مع ميلاد الجيل الجديد- ما دون 26 عامًا الذى يعرف بجيل «z»- الذى نشأ وتشكل وعيه فى ظل مستجدات وتطورات وصراعات مطلع الألفية الثالثة، كل عام كان ينقضى من عمر ربع القرن، كان يضيف لبنة جديدة فى النمو العمرى لهذا الجيل، تسهم مستجداته فى تشكيل وعيهم والتأثير على سلوكهم لما يتولد لديهم من مدركات وقناعات توجه سلوكهم واستجاباتهم للأحداث.

 

المتغير الأول الذى نرصده.. أن هذا الجيل وما يليه، لم تكن تنشئته حكرًا على الأسرة الممتدة والمدرسة والمحيط الجغرافى كسابقيه، بل كسرت تلك الدائرة بشبكات الإنترنت، وما أحدثته من تأثيرات فى تكوين المدركات وتشكيل الوعى وبناء القناعات وانعكاس ذلك على الاستجابات والسلوك تجاه القضايا المختلفة.

 

الجيل السابق على جيل «z»، صدمته ثورة الإنترنت التى تنامت خلال السنوات الخمس الأولى من الألفية الثالثة، وضاعف من تأثيراتها «الفيس بوك»، ليصل تأثيرها إلى ذروته فى أحداث 2011 التى اجتاحت الشرق الأوسط، بينما الجيل الجديد يواجه الآن ذروة التحدى الرقمى فى طفرة تطبيقات الذكاء الاصطناعى والتزييف العميق، وتحدى امتلاك المهارات للتأهيل لسوق عمل جديد سريع التطور.

 

أسهم تنامى التأثيرات السلبية للتحولات الرقمية والثورة التكنولوجية بتحولات فى المجتمع المصرى، من الأسرة الممتدة التى تجمع ثلاثة أجيال فى بيت العائلة، تنتقل قيم الأجداد إلى الأحفاد، إلى أسرة منبتة لأسباب هجرة من الريف للحضر، ولأسباب اقتصادية يقطن فيها الأزواج بمعزل عن الأجداد، ومع انشغالهم فى أعمالهم بترك الأطفال للإنترنت، ومن يختبئ خلف محتواه، فيعزز بذلك التأثيرات الخارجية التى تتخطى حدود الوطن فى تكوين الأجيال الجديدة.

 

البدايات والمآلات

شهد عام 2001 ضخ استثمارات ضخمة فى شركات الإنترنت، أصيب الكثير منها بانتكاسات انتهت بالإفلاس، فيما نجت “جوجل وأمازون” اللتان تواصلان التضخم، لينتقل الجيل الجديد من استقاء أغلب معارفه عبر البحث فى الكتب والمجلدات بالمكتبات إلى البحث فى محرك «جوجل»، لنصل لجيل «z»، الذى يسأل اليوم «شات جى بى تي»، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى لتفكر له وتقترح عليه وصولًا إلى «القرين الرقمي»، الذى يمكن أن ينوب عنك فى حضور الاجتماعات والمحاضرات ويقدم لك الملخصات بما جرى واتُخذ من قرارات.

 

والسؤال الآن: ماذا بعد تعطيل العقل البشرى، وما حدود هذا التطور التكنولوجى وكيف نستثمر إمكاناته الإيجابية ونحد من مخاطره وسلبياته؟ تلك هى القضية الملحة الآن، وهناك جهود كبيرة للدولة أنجزت فى هذا المجال من كليات تكنولوجية إلى بناء جيل قادر على التفاعل مع الاقتصاد الرقمى.

 

سياسيًّا وعسكريًّا

هناك فى أقوى دول العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، شاهد العالم على الهواء مُباشرة عبر شاشات التلفاز، هجمات بطائرات مدنية، استهدفت برجى التجارة العالميين، فيما أعلن عن محاولتين لاستهداف البيت الأبيض والبنتاجون، انهار البرجان فى عاصمة العالم الاقتصادية نيويورك، حل الدمار وقتل الآلاف، وسرعان ما استثمر الأمريكان الحدث فى الإعلان عن «الحرب ضد الإرهاب».

 

لم تمضِ أشهر حتى احتل الأمريكان أفغانستان فى السابع من أكتوبر 2001، بهدف مُعلن هو إسقاط حكم طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة، سقط حكم طالبان، وأعلن عن تصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن، ومن بعده أيمن الظواهرى وعدد من قيادات التنظيم، لكن الحرب لم تنته لمدة عشرين عامًا، ليفاجئ الأمريكان العالم بانسحاب مفاجئ، وعودة طالبان من جديد لحكم افغانستان!

 

بينما هناك فى روسيا وصل القيصر فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم فى ولايته الأولى فى مايو عام 2000، ليبدأ مع ربع القرن مهمته الصعبة فى استعادة قوة روسيا التى كانت ولا زالت تضمد جراح تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1990، وبناء قدرة تؤهل الاتحاد الروسى للصمود فى المواجهات المقبلة، فانتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتى لا تعنى انتهاء الصراع.

لا يعلم جيل «z»، أن تنظيم القاعدة الإرهابى الذى نسبت إليه عمليات 11 سبتمبر، هو صنيعة أجهزة المخابرات الأمريكية، التى جندت ودربت ودعمت انتقال الشباب من البلدان العربية والإسلامية إلى أفغانستان مطلع الربع الأخير من القرن العشرين، تحت شعار «الجهاد فى أفغانستان»، بهدف استنزاف الاتحاد السوفيتى وتدميره، وقد تحقق ذلك وانسحب الاتحاد السوفيتى من أفغانستان فى مايو 1988.

 

بينما سارع حلف الناتو عام 2002 بضم سبع دول من أوروبا الشرقية للانضمام لصفوفه والعمل تحت قيادته الموحدة، جميعها كانت تخضع فى السابق لنفوذ الاتحاد السوفيتى المنحل، من بينها: بلغاريا ورومانيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا.. ومنذ سنوات سعت أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو «حلف شمال الأطلسي»، فكان رد روسيا الاتحادية إعلان الحرب فى فبراير 2022 ضد أوكرانيا وهى الحرب المستمرة حتى اليوم.

 

الدرس.. أن الدولة فى لحظات الضعف يمكن تهديدها، وعندما تستعيد قدراتها لا يستطيع أحد الاقتراب من حدودها، فالاتحاد السوفيتى انهار عندما خرج للحرب فى أفغانستان، وردع محاولات اقتراب حلف الناتو من خاصرته فى أوكرانيا عندما انشغل بوتين ببناء قدرات دولته على مدار عقدين من ربع القرن المنصرم.

 

لم تتوقف أمريكا عن اختلاق الذرائع لتحقيق أهدافها الخفية، تحت زعم وجود أسلحة دمار شامل فى العراق, فأعلنت أمريكا وبريطانيا الحرب على العراق فى السابع من أكتوبر 2003، لتسقط بغداد فى غضون شهرين، ثم القبض على الشهيد صدام حسين وإعدامه بعد محاكمة هزلية فجر عيد الأضحى عام 2006.

 

والطريف أيضًا ميلاد داعش كتنظيم إرهابى باسم جديد، استخدمه صانعوه لفترة لتحقيق أهدافهم، التى كان منها الحرب بالوكالة لاستنزاف الجيوش الوطنية، تمهيدًا لإسقاط الدول، لكن العراق طهرت الموصل منه، واقتلعت مصر الإرهاب من جذوره، ولا تزال دول أخرى تعانى ويلاته.

 

لم تنتهِ الحروب.. فالحرب الروسية الأوروبية فى أوكرانيا، أنهكت الاقتصاد العالمى وانعكست آثارها على اقتصادات الدول النامية، وأسعار القمح والوقود، لنصل إلى ذروة الصراعات المسلحة بحرب الإبادة الصهيونية والعدوان الأخير على قطاع غزة.

 

أخطر ما شهدته الجولة الأخيرة للعدوان الإسرائيلى على القطاع حرب الإبادة والتجويع بهدف التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، لكن مصر تصدت بكل قوة بقيادة وإدارة حكيمة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبعون الله، تغير مشهد النهاية، أرادوا تهجيرًا، فرأى العالم قادة الدول الكبرى يتقدمهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى شرم الشيخ أرض السلام يوقعون وثيقة وقف إطلاق النار فى غزة.

 

ربع قرن شهد تحولات فى أجيال الحروب بعد فشل التقليدى منها فى العراق وأفغانستان، إلى نمط جديد لإسقاط الدول من الداخل، طبق فى عام 2011، فسقطت أنظمة وتصدعت دول مثل اليمن وليبيا والسودان وانتهى بسوريا، ونجت مصر - بفضل الله-  وعبرت التحديات وقهرت التهديدات مصر المحروسة بإذن ربها.

 

ربع قرن شهد ظهور الهاتف المحمول والفيس بوك والذكاء الاصطناعى، وجائحة كورونا التى أجلست شعوب العالم فى منازلهم لأشهر، وقضت على الملايين، وأوقفت سلاسل الإمدادات، وأنهكت اقتصادات الدول لتمتد آثارها لسنوات.

 

ربع قرن شهد تحولًا فى النظرة إلى التغيرات المناخية، من قضية هامشية إلى تحدٍ يواجه البشرية، وتمتد آثاره من تهديد الصحة العامة لمصادر الماء والغذاء، وقد استضافت مصر كوب 27، ونجحت فى الوفاء بنسبة كبيرة من التزاماتها الدولية فى إجراءات خفض الانبعاثات والتكيف.

 

ربع قرن شهد تنامى قدرة تنظيم الإخوان الإرهابى على الخداع والتمدد، من اختراق النقابات والمجتمع المدنى للوصول إلى البرلمان، وإلى سدة الحكم فى مصر وتونس، وسرعان ما انكشف واقتُلع من جذوره بوعى الشعب المصرى الذى أسقط حكم المرشد فى ثورة ٣٠ يونيو 2013، وبإرادة الشعب وقوة جيشه وشرطته ومؤسساته انتصرت مصر على الإرهاب، فتحيةً لأرواح الشهداء.

 

خريطة جديدة لمصر

مصر محروسة برعاية الله ووعى شعبها ومؤسساتها، فقد عبرت تحديات وتهديدات ربع القرن الأخير، واستطاعت خلال السنوات الأخيرة تحت قيادة حكيمة للرئيس عبدالفتاح السيسى أن تعظم قدراتها الشاملة، بعلاجات جذرية لمختلف الأمراض الاقتصادية والتنموية المتوارثة.

 

انتصرت مصر على الإرهاب واقتلعت التنظيم الإرهابى من جذوره، وها هو العالم الآن يدرك خطورته، فكثيرًا ما حذرت الدولة المصرية من خطورة الإرهاب ودعت لمواجهته عالميًا منذ سبعينيات القرن الماضى، والحرب الأخيرة انتصرت فيها مصر بمفردها ليتطهر الوطن من هذا الوباء.

 

ضاعفت مصر رقعتها التنموية، عمرانية وزراعية، مع تنوع مصادر الطاقة النظيفة، وتطوير التعليم، ومواجهة الحروب الحديثة بتعزير حصون الوعى، وتعظيم القدرات الدفاعية.

حققت مصر انتصارات سياسية ودبلوماسية، حمت إرادة شعبها، وواجهت محاولات حصار فى أعقاب 30 يونيو، وانتهت بتحولات جذرية فى مواقف داعمى الإخوان باستسلام لإرادة شعب مصر.

حافظت مصر على ثوابتها الداعمة للحفاظ على الدولة الوطنية واستعادة قوة مؤسسات الدول الشقيقة التى شهدت صراعات وتصدعات والتمسك بالحلول السلمية ورفض التدخلات الخارجية.

 انتصرت مصر للقضية الفلسطينية، وتواصل دعمها لإيصال المساعدات للأشقاء وتثبيت وقف إطلاق النار والعمل على إعادة إعمار غزة، والتمسك بحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967.

 

وتختتم مصر العام بانتخابات نيابية تنفيذًا لاستحقاق ديمقراطى، دستورى لتشكيل مجلسى الشيوخ والنواب، وقد شهدت انتخابات مجلس النواب أحداثًا غير مسبوقة، لها جانبها الإيجابى، وهو التصدى بإرادة سياسية من رأس الدولة والهيئة الوطنية للانتخابات ومحكمة القضاء الإدارى للثغرات والممارسات السلبية لضمان أن يعبر مجلس النواب عن الإرادة الحقيقية للشعب.

وفى سوابق هى الأولى دعا الرئيس السيسى الهيئة الوطنية للانتخابات لاتخاذ ما يلزم لحماية إرادة الشعب، كونها الجهة المستقلة المنوطة بإدارة الانتخابات والبت فى التظلمات، وبالفعل انعكست الإرادة السياسية والإجراءات الإدارية والتصدى القضائى لإصلاح المسار، وشهدت الخريطة السياسية تحولات ونجاح نسبة أعلى للمستقلين والمعارضة بما يثرى التنوع داخل البرلمان المقبل بإذن الله.

 

فى هذا العدد بعض مما تحقق من إنجازات مصر فى مواجهة التحديات، وما شهدته خلال ربع قرن نطوى صفحته، بينما تبقى بعض ملفاته مفتوحة للأعوام المقبلة.

حفظ الله مصر والوطن العربى والإنسانية

 

تم نسخ الرابط