عاجل
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
عاش في حضنها ربع عمرها.. و55 عامًا قتال من جبهة التحرير إلى ساحات التنوير

عاش في حضنها ربع عمرها.. و55 عامًا قتال من جبهة التحرير إلى ساحات التنوير

سنوات قاسيات بما شهدت من رحيل قامات، نادرًا ما يجود الزمان بأمثالهم، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، بُنيت صروح أمجادهم، بلبنات التضحيات، وصخور البطولات، صمود في جبهات القتال دفاعًا عن الوطن بلا هوادة، ولا حسابات. 



 

شخصيات منحها الله، قدرة الثبات على المبدأ، سمات الإنسانية، وعطاء الروح، والقدرة على تأليف القلوب، حب عباد الله لا يُرزق به إلا من أكرمه الله.

 

أحد عظماء القلوب، غادر اليوم، تاركًا بفيض المحبة التي نعاه بها المحبون، عبرةً وعظةً لمن ينتظر، وفي تأليف القلوب فليتنافس المتنافسون، لعلهم يوم رحيلهم ينعمون بفيض من هذا الحب والدعاء الصادق، بلا مصلحة ولا رياء.

 

فقيدنا اليوم، سنوات من القتال، أعوام من العطاء، عاش بشوش الوجه، هادئ الطباع، مُتعمقًا في القضايا، يتحسس قلمه كلما شعر ببوادر معركة يخوضها وطنه.

 

رجل دولة من طراز فريد، جندي مُقاتل في بداية الشباب، حمل سلاحه ثماني سنوات في جبهات القتال لتحرير سيناء، أحد أبطال العبور في حرب أكتوبر 1973، وعندما غادر ساحات القتال بانتصار الوطن، ترك مدفعه الرشاش، ليحمل سلاحًا جديدًا، "قلم في معارك الوعي والتنوير".

 

 

إبراهيم حجازي نشأ مقاتلًا

 

إبراهيم حجازي، ذلك الطفل المولود لأسرة مصرية كريمة في العام 1944، في القناطر الخيرية، والده أحد موظفي الخاصة الملكية، لديه سبعة أولاد، سرعان ما شب ليلتحق بالمعهد العالي للتربية الرياضية، دراسة داخلية أهّلته للانضباط، ليتخرج عام 1967.

 

في ذلك العام الحزين تخرج حجازي، ليلتحق في 9 يناير 1968 بالقوات المسلحة المصرية، سلاح القوات الخاصة، عاش سنوات إعادة بناء القوات، تلك الفترة التي شهدت التحاق المؤهلات العليا بالقوات المسلحة، مليون شاب تم تجنيدهم ليضافوا لما تبقى من 300 ألف، قوام الجيش في نكسة 1967م.

 

سبع سنوات ونصف السنة، قضاها في صفوف القوات المسلحة "ضابط احتياط" مقاتلًا، شارك في حرب الاستنزاف ومعركة التحرير أكتوبر ١٩٧٣، خلقت منه تلك السنوات إنسانًا آخر، ظل سنوات عمره يفتخر ويتذكر تلك المعارك، التي يتدارسها العالم حتى اليوم.

 

خرج حجازي الشاب، الذي شارف الثلاثين من عمره من خدمته العسكرية، 31 أغسطس 1975، مرفوع الهامة، ككل أبطالنا الذين قاتلوا في معركة التحرير، عاد إلى مؤسسة "الأهرام"، التي كان يتدرب بها قبل تجنيده، ترك سلاح القتال على جبهة التحرير، ليحمل القلم، سلاحه الدائم في معارك الوعي والتنوير.

 

ترك جبهة القتال في سيناء بالجسد.. لكن الروح والذاكرة احتفظت بالدروس والعبر

 

 

غادر جبهة القتال العسكري بجسده، لكن ظل بروحه وفكره معايشًا لبطولاتها، مستدعيًا دروسها، مستلهمًا العظات، فلا تمر ذكرى النصر، إلا وتجده يضع لبنات جديدة في حصون الوعي، يُبصر الشباب بما كان وما عليهم فعله، دائمًا كان معززًا للروح المعنوية، مؤكدًا أن أجيال مصر المتعاقبة فتية قادرة على الإنجاز.

 

كان يرى- رحمه الله- أن بطولات جيل اليوم من أبطال القوات المسلحة والشرطة، في معركة تطهير سيناء من الإرهاب، لا تقل تضحيةً وبطولةً وفداءً، عما قدمه وأنجزه جيل أكتوبر 1973.

 

كان يرى، أنه ما كان لانتصارات حرب الاستنزاف وتحرير سيناء أن تنجح لولا تماسك الجبهة الداخلية، ووقوف الشعب ظهيرًا قويًا لقواته المسلحة، وما ضحى به الشعب وما تحمله، "ربط على بطنه حزام حديد"، لتوفير متطلبات المجهود الحربي والتسليح للجيش، مستنكرًا أن يجد اليوم من يستورد سلعًا هامشية من دول سياساتها معادية للوطن، في حين أن مصانع مصرية تنتج ذات السلع.

 

كان دائمًا يُجري المقارنات في برنامجه ولقاءاته ومقالاته، يربط الماضي بالحاضر لتحفيز الهمم، وأداء رسالة الإعلام التنويرية، لبناء وعي، مستلهمًا من الماضي خيراته لمواجهة الحاضر بتحدياته.

 

 

من البطولات العسكرية لإنجازاته المهنية

 

لم يترك العام 1975، يرحل دون اقتحام جديد، فقد خرج من الخدمة العسكرية ليقتحم ساحة المنافسة المهنية، بمؤسسة "الأهرام"، وفي الوقت ذاته اقتحم الحياة الأسرية، بالزواج من هادية المستكاوي، ابنة الناقد الرياضي والكاتب الصحفي القدير نجيب المستكاوي، شقيقة صديقه حسن المستكاوي.

 

عائلة رياضية، تحمل ذات اهتماماته، في الصحافة الرياضية، تبناه المستكاوي مهنيًا، وواصل القتال في جبهات المهنة والحياة، أنجب ثلاثة أبناء.. فتاتان أصبحتا بطلتين في رياضة الإسكواش، ومحمد الذي حقق نجاحات في كرة القدم، وعلى درب عشق الرياضة يسير أحفاده، حفظهم الله.

 

أسس مجلة "الأهرام الرياضي"، 1990، وظل رئيسًا لتحريرها قرابة 20 عامًا، مُحققًا نجاحات مهنية برؤيته ومبادراته المهنية، لتصبح أهم المجلات الرياضية، في وقت كان فيه الأستاذ إبراهيم نافع رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة "الأهرام".

 

إبراهيم نافع- رحمه الله- ذلك القامة المهنية والنقابية القديرة، الذي ارتبط حجازي بعلاقة قوية به، ففي أول دورة شغل فيها نافع موقع نقيب الصحفيين عام 1985، كانت الدورة الأولى لحجازي عضوًا بمجلس النقابة.

 

 

قصة نجاح نقابي وثقة 20 عامًا متصلة

 

التاريخ النقابي للأستاذ إبراهيم حجازي، قصة كفاح ونجاح أخرى، ربما لا يعلم تفاصيلها الكثير من جمهور نجمنا الراحل، وكثير من شباب الصحفيين.

 

فقد كان- رحمه الله- نقابيًا من طراز فريد، يُجيد التعامل مع تحديات العمل العام، يفيض بالإنسانية، يحتوي معارضيه، ويدعم من يحتاج منه المساعدة، ويردع من يتجاوز، حكايات نقابية أسعدني الحظ بالاستماع إليها منه على هامش المشاركة في منتدى شباب العالم عام 2019، فقد التقيته في الفندق الذي نقيم فيه، سألني عن أحوال النقابة، وسألته عن الماضي وخبراته، فهو القامة والقيمة، وكنز الخبرات، حكاء خفيف الظل، لا من حديثه تمل.

 

أمواج الحب، التي تلاطمت في محيط علاقاته، المهنية والرياضية والاجتماعية والسياسية، لا تخطئها عين، فتجد كل من عرفه عن قرب، أو تعامل معه في موقف طارئ، يحمل له الود والمحبة، مشيدًا بلطفه وإنسانيته، فيرحل البشر ويبقى الأثر.

 

عن ذلك الأثر كان الأستاذ إبراهيم حجازي يتحدث بنظرة فلسفية، يرى أن الإنسان عليه أن يكون صاحب موقف ورسالة وانحياز للوطن، وإنجاز في الحياة، يقول: "الإنسان حتى لما بيمشي على الأرض رجليه بتسيب أثر، لازم الإنسان يجتهد حتى يترك أثرًا مشرفًا، مش ممكن يأتي الحياة ويرحل وكأنه لم يأتِ".

 

وقد نجح أستاذنا الراحل في ترك أطيب أثر، ترك لأبنائه وأحفاده السمعة الطيبة، وفعل الخيرات، ترك للأهرام مجلة الأهرام الرياضي، التي أسسها وانشغل برعايتها عشرين عامًا.

 

ترك للوطن إخلاصه ورسائله، وأثرًا طيبًا في جمهوره، ترك أرشيف 22 عامًا من المقالات الوطنية المستنيرة.

 

ترك مبنى النقابة، الذي شارك في تشييده رئيسًا للجنة التنفيذية التي شكلها النقيب الراحل الأستاذ إبراهيم نافع.

 

ولنقابة الصحفيين، تاريخ مع الراحل الأستاذ إبراهيم حجازي، ألخصه لكم في أرقام، فهي الأكثر دلالة، دائمًا أحب دلالاتها، فالراحل- رحمه الله- بعد عشر سنوات ممارسة متصلة للمهنة، خاض انتخابات النقابة مارس 1985، وكان هذا المجلس أول مجلس يتولى فيه الأستاذ إبراهيم نافع مقعد النقيب.

 

ولهدوء الأستاذ إبراهيم حجازي وإخلاصه في خدمة زملائه، ظل يشغل المقعد لمدة 20 عامًا متصلة، في مجالس متعاقبة حتى العام 2005، فقد توالى النقباء وتوالت المجالس، وهو محتفظ بمقعده في المجلس، عمل مع النقيب إبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد، وجلال عارف.

 

شغل مقعد العضوية، ثم وكيلًا أول للنقابة، رئيسًا للجنة القيد، الأهم من ذلك أن معظم دورات النقابة في عشرة مجالس، لم يشغله مقاعد هيئة المكتب، فكان في أغلب المجالس مكتفيًا بالعضوية ولجان عادية خدمية.

 

وبلغة الأرقام، عاش الراحل ربع عمر نقابة الصحفيين، عضوًا منتخبًا في مجالسها يخدم زملاءه ومهنته، فقد تشكل المجلس الأول بالتعيين إبريل 1941، والثاني منتخبًا 1942، برئاسة النقيب محمود أبو الفتح، أول النقباء.

 

ومن ثم يبلغ عمر مجالس النقابة المتعاقبة اليوم، 80 عامًا، قضى منها الراحل 20 عامًا متصلة عضوًا بمجالسها المتعاقبة من 1985 حتى 2005م.

 

فيما بلغ عدد مجالس النقابة، منذ تأسيسها 52 مجلسًا، آخرها مجلس النقابة المُنتخب في إبريل 2021، والممتدة دورته حتى مارس 2023، وبحسبة بسيطة، فإن عشرة مجالس، احتفظ فيها الراحل بالعضوية، تمثل قرابة 20% من إجمالي عدد مجالس النقابة على مدار تاريخها.

 

لعل ذلك يُعطيك دلالات مدى عظمة ذلك الوطني المُخلص، والنقابي القادر على الاحتفاظ بثقة زملائه جيلًا بعد جيل، وبحب أصدقائه وقرائه، ذلك الحب الذي بدا واضحًا في نعيه، وتذكر مواقفه النبيلة.

 

والأهم أنه كان رجل دولة، قاتل 55 عامًا ما بين جبهة التحرير والتنوير، قدرت مصر وطنيته، فتوجت حياته، بتعيينه من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي عضوًا بمجلس الشيوخ، وقدر المجلس خبراته في مجال الرياضة وبناء الوعي، فانتخب رئيسًا للجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ حتى وافته المنية أمس.

 

العبرة.. كن في جبهات الوطن دائمًا مقاتلًا صلبًا، تنل خير دنياك وآخرتك؛ بالنصر أو الشهادة، كن شاحذًا سلاح قلمك دائمًا في معارك بناء حصون الوعي، فخطورتها تفوق خطورة ساحات القتال في معارك الدبابات والطائرات، فداخل الجماجم تتشكل القناعات المحركة للسلوك، يتشكل التخريب والبناء.

 

كن دائمًا مخلصًا لوطنك ومهنتك، ونقابتك، ضع نصب عينيك الحفاظ على ثقة الزملاء، والوفاء بالمسؤولية المؤتمن عليها أيًا كان مجال عملك، فقط بالجد والعمل والصدق والوعي، تترك الأثر الحقيقي، فالوطنية، والمهنية وحب الخير والعطاء متوازيات على ذات الخط سواء، بلا تقاطعات.

 

بالعمل الجاد والوطنية والمهنية، تترك الأثر الحقيقي النافع والذكرى الطيبة، لا بمتاع الدنيا الزائلة، ولا الرؤية القاصرة، ولا البطولة الزائفة أو الشعارات الجوفاء.

 

رحم الله الأستاذ إبراهيم حجازي وأسكنه فسيح جناته، وعوّض الله الصحافة المصرية والعربية عن فقيدها خيرًا، فقد رحل لدار البقاء، قامة وطنية مهنية ونقابية قديرة، قاتل في ساحات الدفاع عن الوطن وقضاياه، حمل سلاحه في معركة العبور والتحرير، بطلًا من أبطال أكتوبر 1973، وواصل القتال حاملًا قلمه في معارك بناء الوعي والتنوير.

 

ورحم الله من سبقه لدار البقاء من أساتذتنا العظام.

 

أعتذر من قرائي، فقد كنت وعدت بالحلقة الثانية من مقال "وطن بلا سجون"، نفي بالوعد إن شاء الله في المقال القادم.

 

حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.

 

اقرأ أيضا: 

عرفتُ الأستاذ مكرم محمد أحمد

إبراهيم نافع الذي عرفته

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز