عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الأكاديمي وشيخ الصحفيين

85 عاما صحافة 3

الأكاديمي وشيخ الصحفيين

 في تاريخ الصحافة في مصر، أسماء يشع ضياؤها في ذاكرة الناس، فهي محفورة فيها، ونتاج هؤلاء، كتابة وفناً، باقٍ من جيل الى جيل.



 

ما أكثر موليد قرائح الكتاب تنشر عطر الكلمة على أعمدة الجرائد,، ذاك الزمان، فكان القراء يتلهفون لقراءة جديد كاتب أدمنوا على متابعته, أو قصيدة لشاعر مفتون بالقوافي، فقد كانت الجرائد, تنشر قصائد الشعراء لي جانب المقالات السياسية والأدبية, وقد درجت على ذلك جريدة "الأهرام" زمن رئاسة أنطون الجميل لتحريرها.

 

ومن المفارقات التي شهدتها الصحافة في مصر, تشابه الأسماء بين الكتاب والناس العاديين، أو، بينهم وبين فنانين، وسياسيين.. وهذا ما كان يسبب حرجاً.

 

وحدث أن اختلط الأمر على أحد الظرفاء، عندما وقف أمام شاب طويل القامة، بهي الطلة، قدمه له أحدهم على أن اسمه يوسف السباعي، فراح صاحبنا يشد على يد الشاب، ويمتدح كتاباته  السياسية، ورواياته وقصصه القصيرة، فما كان من الشاب الخجول إلا أن قال له بصوت خافت، محاذراً إحراجه: "أنا لست يوسف السباعي الكاتب والروائي, أنا يوسف عبدالمعطي السباعي".

 

فرد عليه وهو يسحب يده، راسماً على شفتيه ابتسامة تعمدها لرفع الحرج عنه: "صحيح.. يخلق من الاسم أربعين". تيمناً بقول العوام: "يخلق من الشبه أربعين".

 

وتكررت الحكايات والمفارقات المحرجة التي يتسسب فيها تشابه الأسماء: حرف "النون" كان مشكلة التشابه بين محمد حسنين هيكل الصحفي وبين محمد حسين هيكل الشاعر، فكان الأمر يختلط على كثيرين، تماماً كما كان بين كامل الشناوي الصحفي والشاعر، وبين كمال الشناوي النجم السينمائي.

 

عندما جاء  الصديق  صلاح الدين حافظ، الكاتب والصحفي، إلى لندن، التي كنت سبقته إليها، وبدأ العمل في إحدى الجرائد العربية المهاجرة، زارني في مكتبي، فقال لي وقد انفرجدت أساريره: "الحمد لله أنني أتيت إلى لندن، ولا أظن أن صورة أستاذنا صلاح حافظ رئيس تحرير "روزاليوسف" ستوضع إلى جانب  مع عناوين مقالتي بعد الآن".

 

الروائي والصحفي صبري موسى، الذي زاملته في "صباح الخير" و"روز اليوسف"، كان يخلط اسمه دائماً مع موسى صبري, رئيس تحرير "الأخبار"، الذي كان قامة من قامات الصحافة المصرية، وعلى نفس المنوال  الموسيقار المبدع محمد عبد الوهاب، والشاعر الغنائي الرهيف الحس عبد الوهاب محمد، فقد درج المصريون، كما العرب، على ذكر "عبد الوهاب" وإغفال الاسم العلم "محمد"، لذلك كان يختلط الأمر عند الناس بين الموسيقار والشاعر.

 

كثيراً، ما كنت أنا ضحية التشابه بيني وبين مودي الإمام، ابن حسن الإمام, "مخرج الروائع"، كما أطلق عليه أحد النقاد, فهو جاري في "المقطم" واسم العلم "مودي" كان كافياً لساعي البريد، (حفظه الله إن كان حياً ورحمه إذا كان ميتا) ليخلط بيننا، فكنت أتلقى على عنوان منزلي رسائل، وعلى هاتفي"أوردرات" عمل لمودي الإمام.

 

 

عالم تدريس الإعلام، هو الآخر، عانى من تشابه الأسماء العاملين فيه. و"الصاوي"، العائلة المصرية العريقة، شكلت إشكالاً في الأسماء بين الشيخ الصحفيين أحمد الصاوي ومحمد، وبين الأكاديمي الفنان أحمد حسين الصاوي.

 

 بدأ أحمد الصاوي محمد، مشواره مع الصحافة سنة 1943 فأصدر مجلة أدبية فنية سماها "مجلتي"، لكنها لم تعمر طويلاً، فأغلقها وحمل قلمه كاتباً في "الأهرام" فنشر تعليقاته وإجاداته في عمود  "ما قل ودل"، واستمر يكتب فيها، عند صدور جريدة "أخبار اليوم" سنة 1944 انتقل إليها، استمر تعاونه تعاونه مع الأخوين مصطفى وعلي أمين خمس سنوات، عاد بعدها "الأهرام"، فطلب منه إعادة النظر في تبويب وشكل الجريدة، وتطوير التحرير والإخراج الصحفي. 

 

كان الصاوي، وقتها، رئيس التحرير الفعلي للجريدة، لكن مجلس الإدارة لم ينص على ذلك صراحةً إلا عام  1952 فقرر تعيينه رئيساً للتحرير. وبعد سبع سنوات ترك "الأهرام"،  وعاد "أخبار اليوم"، وأصبح واحد من رؤساء تحرير "الأخبار"، وبعدها تولى رئاسة مجلة "آخر ساعة".

 

وظل يشارك أحمد بهاء الدين، ومحمد زكي عبد القادر، في رئاسة تحرير "جريدة  أخبار اليوم"، وبعد فترة انضم إليهم بعد ذلك انضم إليهم حسين فهمي، وكمال الدين الحناوي.

 

في منتصف الستينيات تولى أحمد الصاوي أحمد، رئاسة تحرير "الأخبار" مع كل من: حسين فهمي، ومحمد زكي عبد القادر، وموسى صبري.

 

على الرغم من أنه لم يكن من أسرة تدريس الإعلام، إلا أنه كان أول من شارك بتدريس الصحافة كعلم، حيث حصل على دبلوم الصحافة "جامعة السوربون "الفرنسية العريقة بعنوان "الفرنسيون والصحافة المصرية".

 

أما الصاوي الآخر: أحمد حسين الصاوي فكان الأكاديمي والأستاذ المحاضر في فن الإخراج الصحافي, فاستنجد به أحمد الصاوي أحمد  لتطوير، "الأهرام"، في أسلوب التحرير، والتبويب, والإخراج.

 

وما قام به أحمد حسين الصاوي, في "الأهرام" بدأ الحديث عن أهمية الإخراج الصحفي، للجرائد والمجلات، الى جانب التصوير الصحافي والطباعة.

 

ولأول مرة، في حقبة ستينيات وسبعينيات من القرن الماضي، بدأ الحديث في الصحافة المصرية عن أهمية "الاخراج" كفن يريط الشكل بالمضمون، وكلما تناسب الشكل مع المضمون كان الإخراج ناجحاً. وبدأت  تتفتح، بفضل الصاوي المدارك، حول ماهية الإخراج، الذي هو تحويل الحروف والصور والكلمات المبعثرة على الصفحة إلى حروف وصور متناسقة على وفق أسلوب معين، فيستخدمه المخرج مستعينا بالأسس، والأساليب الاخراجية مقرونة بالخبرة الشخصية والحس الفني الذي يتمتع به.

 

بدأ الدكتور أحمد حسين الصاوي رحلته في عالم الصحافة بعد تخرجه في كلية الآداب جامعة القاهرة، فعمل في جريدة  "أخبار اليوم" فتولى القسم الخارجي.. ثم تفرغ للبحث العلمي, وتدريس الصحافة، وفنون الإخراج في قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد شارك في تأسيس القسم.. ثم في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حتى وفاته.

 

 وله عدة مؤلفات أبرزها: "المعجم العلمي المصور"، بإشراف دائرة المعارف البريطانية، الصادر عن الجامعة الأمريكية - قسم النشر، و"قصة الكتابة والطباعة"، صدر عن  "مكتبة الأنجلو" المصرية، ثم كتاب "فجر الصحافة في مصر: لطائف في إعلام الحملة الفرنسية"، وكان صدر عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، "التدريس الإعلامي في الدول العربية" صدر عن "جامعة الرياض"، "تقرير مقدم إلى ندوة الدراسات الإعلامية في العالم العربي التي عقدت في الرياض 1978". بالإضافة إلى "الإخراج الصحفي"  (بالاشتراك مع آخرين), صدر عن" الاتحاد العام للصحفيين العرب"، "طباعة الصحف وإخراجها"، عن "الدار القومية"، وكذلك "تاريخ الكتابة والطباعة".

 

ثلاثة برزوا في تدريس فن الإخراج الصحفي في قسم صحافة بجامعة: الدكتور أحمد حسين الصاوي، والدكتور إبراهيم إمام، وتلميذهما أحمد فؤاد سليم.  تعرفت على أحمد حسين  الصاوي عندما قرر الانتقال للجامعة الامريكية والتفرغ لها لتدريس مادة "الإخراج الصحفي"، وكنت قد تخرجت من كلية الفنون الجميلة، وتخصصت فى الاخراج الفني الصحافي، وقتها كان الإخراج الصحفي تتجاذبه مدرسة، تولي المضمون أولويتها، ومدرسة أخرى تنافسها، تسخر الحس الفني وفنون الجرافيك لأبراز  المضمون بالشكل الجاذب دون الإقلال من أهميته. الأولى كانت "مدرسة الأهرام"، التي تولاها هشام توفيق بحري، أشهر سكرتير تحرير فى الصحافة المصرية، المولع بالعلم والتكنولوجيا، والمتابع المثابر، لكل جديد في "تكنولوجيا إنتاج الصحيفة"، واستخدام أدواتها الحديثة، والمدرسة الثانية المنافسة كانت "مدرسة روزاليوسف" التي برز فيها عبد الغني ابوالعينين، وحسن فؤاد، وهذه المدرسة الفنية  تخضع ادوات الطباعة للشكل وتتحكم فيها، مستخدمة مفردات فن الجرافيك، والإبداع وجمال الخط العربي، لجذب القارئ لمضمون الكلمة منتشياً بالإبداع الفني وحلاوة الكلمة وعمق المضمون، والنشوة الدائمة وحب القراءة. 

 

الغريب أن المدرسة الأولى كانت تطلق لقب "سكرتير التحرير" على من يعمل بالإخراج الصحفي، على الرغم من أن تعريف عمل سكرتير التحرير الأساسي، هو الأطلاع على المادة التحريرية المقدمة، وإجراء التعديلات اللازمة لها، من عنونة, إلى إعادة صياغة في أحايين كثيرة, ثم، وتوزيع المواد على الصفحات، لينصرف بعدها الى تنسيق شكل الصفحات مع المخرج الفني.   والمدرسة الثانية تستخدم لقب "المشرف الفني"، بعد سنوات الخبرة يصبح لقبه  "المستشار الفني". لذا كانت علاقتي بأساتذة الصحافة، تتمحور حول معرفة المزيد, والاستفادة بما لم أدرسه أكاديميا، فعرفت الكثير منهم ، تقاربنا لتبادل المعلومات، أو كما كان يطلق عليها الدكتور أحمد حسين الصاوي "تبادل المنفعة"، فقد كنت أمضي معه ساعات طويلة من الحوار, في مكتبه في  الجامعة الأمريكية بميدان التحرير ،وفي أحيان كثيرة كان يزورني في مكتبي  في "روزاليوسف" القريب من مكتبه، وهو فى صحبة تلاميذه للتدريب بالمؤسسة الصحافية العريقة. 

 

وعن مزيد من أساتذة الإعلام الصحفي وجيل الرواد في عيدهم، ومع مرور 85 عاماً على بداية تدريس الصحافة الأكاديمية فى مصر.. سنتحدث.                                                                                                                                      

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز