عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"تثقفوا" قبل الدعوة إلى الحرية

"تثقفوا" قبل الدعوة إلى الحرية

يحتل مفهوم الحرية في الكثير من الكتب الفكرية والسياسية والأدبية وحتى الدراسات البحثية وغيرها، مفاهيم عدة، كل حسب فهمه وإدراكه واطلاعه وثقافته، ويستغل الكثيرون كلمة الحرية في توظيفها لأغراض فئوية أو حزبية أو مؤسساتية لتحقيق هدف ما، وذلك رغم سعي الكثيرين لتطبيق مفهوم الحرية من أجل تغيير الواقع، باستهداف طبقات المجتمع المتنوعة، خاصة الشباب التي تكون روحه تواقة للحرية.



إن مفهوم الحرية تداخل كثيرًا مع مفهوم الحداثة، والتي ظهرت بوادرها منذ القرن التاسع عشر في الأدب والفنون كالشعر والقصة واللوحة الفنية، والحداثة تعني انفتاح الفنان أو الأديب على أحوال عصره المتزامن مع الاكتشافات الحديثة والثورة الصناعية التي صاحبت تلك المرحلة من القرن، والسعي إلى تجاوز الأطر التقليدية التي تعوق الإبداع الإنساني إلى رؤية أعمق، بدلالات ومعانٍ وأشكال وقوالب فنية متنوعة.

 

إلا أن مفهوم الحرية أسيء فهمه أو استخدامه وتطبيقه، إن كان ذلك في أسلوب التعبير أو التطبيق، أو التعامل مع مفردات الحياة اليومية.

 

نحن اليوم كمجتمعات عربية شرقية، تحكمنا القيم والمُثل والبيئة الاجتماعية التي نعيشها، والروابط الأسرية والموروث الاجتماعي والقيمي الذي أخذناه من آبائنا وأجدادنا، وأيضًا السلوكيات التي فرضت علينا بمرور الزمن والسنين، ولذا علينا أن ندرك وبقوة ونعي تلك المسؤولية الكبيرة والبديهية، وهناك فارق كبير بين الغرب والشرق، وما جاء به الغرب من قيم فلسفية أو اجتماعية ومن نظريات منهجية، لا تعبر عن واقعنا المعاش اليوم.

 

ولو قرأنا تراثنا العربي الإنساني قراءة منهجية بإمعان وبصيرة عميقة، لوجدنا أن ما صدّر لنا من مفاهيم كثيرة، ومنها مفهوم الحرية، جاء من خلال القراءة الغربية لكل ما أنتجه الفكر الإنساني، وما تلا ذلك من ظهور أفكار فلسفية جديدة كالحداثة والحرية، وغيرها الكثير من المفاهيم والفلسفات التي أخذت منها مجتمعاتنا وسعت إلى تطبيقها بشكل آلي، دون الأخذ فى الاعتبار قيم وطبيعة مجتمعاتنا العربية المسيحية والإسلامية، وبما يتناسب مع موروثاتها.

 

ولذا فإننا عندما نسعى إلى أن نفهم وندرك المعنى العميق للحرية، وتطبيقاتها فكرًا ومنهجًا، علينا أن نثقف أنفسنا أولًا، وأن نعمل على تثقيف أفراد المجتمع، لأن الحرية هي التزام قبل كل شيء، ووعي بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية التي تضع الدولة والمجتمع والأسرة في المقام الأول من حيث الأهمية، والتي لا تتعارض مع التقدم والنهوض والبناء، والرقي.

 

فالحرية لا تخلط الأوراق لتدمير مفاصل الحياة والأمة وضياعها، ولا تفسد وتسيء إلى الآخرين، وهي ليست حرية عندما تتحول إلى فوضى تحت شعارات للتغيير، وبحيث لا تكون النتيجة خراب الواقع الذي نعيشه، والحرية ليست الديمقراطية الخالية من التربية والثقافة والمسؤولية الوطنية، والتي لا ترتقي للمعنى الحقيقي لاحترام الآخر وقيم المجتمع والدولة والأسرة، والأخيرة هي لبنة المجتمع الكبير في إطار الدولة الواحدة.

 

نحن علينا السعي إلى الحرية التي ترتقي بوحدة الصف والكلمة من أجل الصالح العام، ولبناء القيم الايجابية للإنسان، والأخذ بيده لبناء المجتمع والدولة.

 

كم أحوجنا اليوم إلى الفهم الحقيقي والعميق لمفاهيم الحرية وإدراكها، من خلال الارتقاء بثقافتنا ووعينا المجتمعي. لقد حاول الذين يتصيدون في الماء العكر أن يغيروا مفهوم الحرية بذرائع شتى، من خلال استخدام المصطلحات الجاهزة المستوردة، والتي لا تنتج المراد نحو التعبير الشفاف الممزوج بالثقافة والوعي العالي والالتزام بالتطبيق الأمثل، من أجل سلامة الدولة والمجتمع.

 

إن بناء الأمم والشعوب لا يتم إلا بالقيم النبيلة التي هي جوهر وأساس التعبير عن الحرية فنيًا أو أدبيًا، فما قيمة الإبداع إن كان بلا أخلاق ومُثل نبيلة تعمل على نضوج الفرد وعيًا وإحساسًا وقيمة؟! 

فالأخلاق تمنح حرية التعبير جذورًا حية تتنفس من ثقافة المجتمع وأصول التعامل معها.

 

- شاعر وكاتب ووزير مفوض بالجامعة العربية  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز